الخميس 2019/02/21

الأسد و”الدين الثقيل” لروسيا وإيران


المصدر: المونيتور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


ترى "لورا روزن" أن قمة (وارسو، بولندا) التي جرت الأسبوع الماضي من أجل "تعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط" قد أظهرت وزادت من تعقيد الانقسامات بين كل من الولايات المتحدة وأوروبا حول إيران. فإذا كان الهدف من القمة تضييق الفجوة بين الولايات المتحدة وحلفائها بخصوص إيران، فيمكن اعتبار الاجتماع في أفضل حالاته دون أهمية وفشل فشلا ذريعا. أما إذا كان من المقرر توبيخ أوروبا عن طريق تسليط الضوء، من منظور الولايات المتحدة، على الكيفية التي يتراخى بها حلفاؤها فيما يخص التزاماتهم، كما أوضح نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس في خطابه خلال تلك القمة، فقد قد تم إنجاز المهمة على الأغلب بنجاح.

لسوء الحظ، لم تتم الاستفادة من هذه الفرصة في وارسو للحد من الوجود الإيراني في الشرق الأوسط ودور إيران في سوريا على وجه التحديد، والذي يعتبر أحد أهم أهداف واشنطن. لكن هذا الأمر يتطلب أولا عرضاً لبعض المعلومات التاريخية ووضعه في سياقه التاريخي.

عندما كان حافظ الأسد رئيسا لسوريا، كان لديه براعة إبقاء دائنيه بعيدا. فقد حصل على ما يحتاجه من موسكو وطهران - السلاح والعمق الاستراتيجي والصفقات التجارية -، لكنه ظل مسيطرا على الوضع. كانت لدى الأسد قدرة جعل القوى المتدخلة تحت سيطرته. إبان حكم الرجل العجوز، كانت العلاقة مبنية على التبادل. فعندما تتعامل مع الأسد وسوريا، فأنت على أرض الأسد. فقد خرج وزيرا الخارجية الأمريكيان السابقان هنري كيسنجر وجيمس بيكر من ارتباطات صعبة مع الأسد باحترام شديد لأسلوبه التفاوضي المقنع والمثير للحنق في أغلب الأحيان.

لكن الأمور تغيّرت، أو هذا ما يبدو الأمر عليه على الأقل. في عهد ابن حافظ، بشار الأسد، الذي أصبح رئيسا للبلاد بعد وفاة والده عام 2000، استولى الدائنون على الأصول. ومنذ الانتفاضة السورية عام 2011، وخاصة عام 2015، عندما اضطر الأسد لاستدعاء الروس والإيرانيين لمد يد العون، خرجت الأمور عن سيطرته فيما يخص تعاملاته مع طهران وموسكو. فالأسد مدين لهم بالكثير، وهم اليوم يملكون السيطرة الكاملة، على ما يبدو، على جل الغنائم السورية. في ظل فرض عقوبات على الدول الثلاث، يمكن أن تتخيل مقدار الفساد والصفقات الوهمية لعشرات إن لم نقل مئات ملايين الدولارات، وكل ذلك على حساب الشعب السوري - خاصة دون مشاركة الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خلال الفترة التي تلي الصراع وإعادة إعمار البلاد.

عندما يتعامل بشار الأسد هذه الأيام مع نظيريه الإيراني والروسي، فإنه يدرك تماما من الذي يودان رؤيته على كرسيه ذاك. فكلتا الدولتين لديها مرشح، ويعلمان أنه مدرك لذلك. في الوقت الذي ساعدت فيه كل من روسيا وإيران الأسد على إعادة السيطرة على معظم سوريا، إلا أنه يأمل اليوم أن يعزز من موقفه من أجل استعادة مكانته لكن ذلك ليس بالأمر الهين.

وتحقيقا لهذا الهدف، يجب أولا فك قبضة إيران المتزايدة على سوريا، في الوقت الذي ستكون فيه روسيا راضية عن قواعدها وعلاقاتها العسكرية في سوريا. يمكن للأسد أن يتعايش مع هذا الواقع. غير أن إيران، بالنظر إلى طبيعتها، فهي تسعى دائما للحصول على المزيد.

يتم اليوم تشكيل مجموعة تهدف للحد من الوجود الإيراني داخل المنطقة، إذ تسعى كل من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل ودول الخليج بالإضافة إلى الأسد للحد من نفوذ إيران، لأسباب مختلفة وفي ظروف مختلفة. فحتى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله قد يرغب في إعادة قواته إلى لبنان قريبا إذا ما سمحت له طهران بذلك.

يوجد انقسام كبير داخل صفوف الإيرانيين بخصوص بقاء إيران طويلا في سوريا. ففي الوقت الذي "شهد فيه الاقتصاد الإيراني تحوّلات هيكلية من وجهة نظر أكاديمية، إلا أن أوجه القصور الأساسية فيه سادت على الرغم من طموحات التحديث"، حسب رأي الخبير الاقتصادي بيجان خاجيهبور.  ويرى مهسا روحي أن العقوبات الأمريكية تؤتي ثمارها بالفعل؛ فقد جعل هذا الأمر الإيرانيين أكثر اهتماما بالوظائف وسعر وندرة المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية الأساسية أكثر من اهتمامهم بالدفاع عن الأضرحة المقدسة في سوريا، الذي يعتبر مبرراً شعبياً رئيسياً لتدخل إيران في الحرب السورية.

في الوقت الذي ألقى فيه القادة الأمريكيون محاضراتهم على نظرائهم الأوروبيين في وارسو، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتباحث حول خلافات بلاده مع نظيريه الإيراني والتركي في سوتشي، في الاجتماع الأخير لمجموعة أستانا التي لا تزال تشكل مركز الثقل الدبلوماسي فيما يتعلق بالملف السوري. يقول ماكسيم سشيكوف بخصوص هذا الأمر "لقد أكدت قمة سوتشي مجددا مركزية ثلاثي أستانا"، حيث كشف الاجتماع السابق في طهران أنه: لا تزال الخلافات قائمة بين ثلاثي أستانا ، إلا أن الدول الثلاث لا زالت مستمرة في تقييم إطارها، الذي يساعد، في غياب بديل أفضل، كلا من موسكو وطهران وأنقرة على تعزيز أجنداتها الخاصة وتنسيق جهودها من أجل تحريك مسار العمل في سوريا".

فيما يتعلق بدور سوريا وإيران هناك، تحتاج الولايات المتحدة إلى التفكير في طرق لجرّ موسكو إلى طاولة المباحثات. وكما ذكرنا سابقا، فإن بوتين "لا يعمل دون مقابل؛ فإذا كان يعتقد أنه يساعد ترامب في اتخاذ قرار مسؤول بخروجه من سوريا مع ضمان أمن إسرائيل، فهذا أمر مهم، ولذا فالرئيس الروسي بحاجة أيضا إلى تحقيق مكسب من هذه الصفقة. وهذا يعني بالنسبة لبوتين، التخلص من بعض العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا".

لا مجال للشك حول السياق السياسي للدبلوماسية الأمريكية والعقوبات على روسيا. فالأمر واضح : يجب التخلي عن شيء للحصول على شيء من روسيا بالمقابل. إذا كان لدى واشنطن أهداف أكبر بخصوص روسيا، كما هو الحال في أوكرانيا، ما يجعل تخفيف العقوبات الأمريكية على روسيا أمرا مستحيلا، فلا بأس بذلك. إلا أنه من المفترض أن تكون العقوبات وسيلة لتحقيق غاية، وليست غاية في حد ذاتها. أما فيما يتعلق بسوريا، فلا يوجد ببساطة أي حل بديل للولايات المتحدة سوى التعامل مع روسيا إذا ما أرادت الحد من النفوذ الإيراني داخل البلاد، وإلا فإن العلاقة بين روسيا وإيران، التي لم تكن أقوى من ذي قبل، آخذة في التبلور.

أما فيما يتعلق بإيران، فالواقع أن إيران لن "تخرج" من سوريا. وكما يشير ناصر حديان، فإن وجود إيران في سوريا "يهدف إلى تأسيس قوة ردع فعالة لها مبرراتها من حيث المبدأ باعتبارها دفاعية وفعالة بطبيعتها. ولهذا يتطلب إنشاء إيران قوة ردع ناعمة وصارمة، بنية تحتية ناعمة وصلبة".. يضيف حديان بالقول: "بالنسبة للحرس الثوري الإيراني، إن الوجود الإيراني جوهر القوة الإيرانية، والتي يتم التعبير عن طبيعتها ظاهرياً".

يمكن اعتبار هذا الأمر بداية استراتيجية ما، فحتى لو لم تكن الولايات المتحدة راغبة في التخلي عن العقوبات، فيمكن للاتحاد الأوروبي أن يلعب دور الوسيط بين كل من واشنطن وروسيا وإيران. هناك مؤشرات على أن بعضا من قادة إيران على استعداد للتباحث حول التقليل من النفوذ الإيراني داخل سوريا. إذ يمكنهم ادعاء الفوز بالحرب من خلال إبقاء الأسد في السلطة وتجديد التزامهم بالقضايا المحلية والاقتصادية لبلادهم. لكنهم سيحتاجون إلى محفز اقتصادي لتخطي العقبات الاقتصادية كنظام المقايضة المعروف باســــم "INSTEX" الذي وضعته المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا لإجراء معاملات مالية مع إيران. ستكون الخطوة الأولى انسحاب حزب الله من سوريا، إذا استطاعت القليل من الجهود الدبلوماسية والحوافز الاقتصادية والضغط إخراج حزب الله من سوريا، فمن المحتمل أن تحذو قوات الحرس الثوري الإيراني حذوه.

هناك خيار ثان، ويتمثل في تشجيع الدول العربية الأخرى، بقيادة السعودية والإمارات، على خلق ثقل اقتصادي وسياسي موازٍ لإيران في سوريا، كما يحدث في العراق، بدعم من الولايات المتحدة. لكن هنا أيضا مسألة العقوبات المفروضة على سوريا والتي من شأنها أن تعيق هذه العملية. في الوقت الذي تعيد فيه دول الخليج النظر في علاقاتها مع دمشق وتنظر في مسألة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وبينما تتطلع الولايات المتحدة إلى السعودية ودول الخليج لتمويل إعادة الإعمار في سوريا، ستظهر مسألة أخرى تتعلق بالعقوبات الأمريكية المفروضة على أطراف عدة. سينظر مجلس الشيوخ الأمريكي هذا الأسبوع في فرض عقوبات على سوريا. قد يؤدي فرض المزيد من العقوبات على الأسد إلى تقييد الجهود الإقليمية والدولية لدعم عملية انتقالية داخلها وإعادة إعمار البلاد، بما في ذلك مبادرات الأمم المتحدة والبنك الدولي. وكما هو الحال مع إيران، يمكن أن تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة إلى خلق استثناءات بخصوص العقوبات التي فرضتها بما يسمح لحلفائها بتمويل إعادة الإعمار.

إذا كانت روسيا وأوروبا غير قادرتين على إقناع إيران بالخروج من سوريا، في الوقت الذي تجد فيه الدول العربية نفسها مجبرة على دعم إعادة إعمار سوريا بطلب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن الأسد لن يكون لديه خيار سوى التوجه إلى دائنيه. وبذلك ستزيد إيران وروسيا من مساهمتهما في سوريا وتؤكدان سيطرتهما على غنائم إعادة الإعمار، ما يضيف عبئا آخر على كاهل الشعب السوري.