الثلاثاء 2019/04/16

*الأسد..آخر الواقفين في وجه الربيع العربي الجديد*

بقلم: زينة كرم وسارة الديب

المصدر: الواشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

إنه الربيع العربي في موسمه الثاني، وهو واحد من المتمسكين بمناصبهم، كما إنه آخر من تبقى بين مجموعة من المستبدين العرب، بعد موجة جديدة من الاحتجاجات التي أجبرت كلا من الزعيمين الجزائري والسوداني على التخلي عن مناصب شغلوها لعقود.

نجا بشار الأسد من انتفاضة وحرب مدمّرة استمرت لسنوات و "خلافة" إسلامية نشأت على أجزاء من بلده المحطّم.

ومع دخول النزاع السوري عامه التاسع، يبدو بشار الأسد البالغ من العمر 53 عاما أكثر اطمئنانا وثقة من أي وقت مضى منذ بدء الانتفاضة ضد حكمه في عام 2011.

لكن الحرب على سوريا لم تنته بعد، والطريق إلى الأمام مليء بالصعوبات.

بعد الإطاحة بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بعد عقدين من الزمن من توليه السلطة والإطاحة بالزعيم السوداني عمر البشير بعد ثلاثة عقود أخرى، أُطلق على هذه الموجة الجديدة من الاحتجاجات اسم "الربيع العربي الثاني"، ذلك بعد موجة الاحتجاجات التي هزت الشرق الأوسط عام 2011 وأطاحت بمجموعة من الحكام المستبدين في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن.

امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بصور هؤلاء الزعماء في مؤتمرات القمة العربية السابقة، في إشارة إلى عزلهم جميعا باستثناء الأسد.

كما أشار البعض إلى أنه من المفارقات الغريبة أن آخر رحلة قام بها البشير خارج السودان في كانون الأول / ديسمبر الماضي كانت إلى دمشق، حيث التقى بشار الأسد.

في معظم البلدان التي شهدت موجات الربيع العربي، أزيلت وجوه النظام القديم، لكن النخبة الحاكمة التي كانت تقف وراءهم بقيت في مكانها أو عمت الفوضى داخل هذه البلدان.

في سوريا، استطاع بشار الأسد ودائرته الداخلية المحافظة على سيطرتهم على البلاد واستطاعوا النجاة خلال ثماني سنوات من الفوضى.

قد تساعده قدرته على التحمل للبقاء في السلطة للسنوات القادمة حتى في وجود العديد من التحديات، بما في ذلك تدهور الاقتصاد والمعارضة المستمرة لنظامه في الشمال الغربي.

ما الذي ساعد الأسد على البقاء في السلطة؟

لقد نجا الأسد بفضل تداخل العديد من العوامل، فقد لعب حكمه للأقلية دورا كبيرا كما استفاد من قاعدة دعم قوية وولاء ثابت من طرف طائفته العلوية، التي تخشى على مستقبلها في حال خلعه.

امتد هذا الدعم إلى ما وراء قاعدته ليصل إلى الطوائف الأخرى في سوريا وبعض السنة من الطبقة الوسطى والعليا ممن يعتبرون حكم أسرته بمثابة حصن للاستقرار في مواجهة "المتطرفين الإسلاميين".

على الرغم من الانشقاقات الكبيرة التي عرفتها البلاد في وقت مبكر من الصراع، لم تعرف الأجهزة الأمنية والعسكرية مثل هذه الانشقاقات، بل زاد عدد المليشيات الموالية له لتصبح قوات تابعة.

حتى عندما فقد النظام سيطرته على أجزاء شاسعة من البلد وتحولت هذه الأخيرة إلى حلبات قتل، استطاع الأسد الحفاظ على النظام القائم.

ولعل أكبر رصيد استفاد منه الأسد هو مكانة سوريا باعتبارها محورا جغرافيا في البحر المتوسط وفي قلب العالم العربي.

فقد أدت الحرب داخلها إلى تدخل العديد من القوات الأجنبية، خاصة روسيا وإيران، والذي قلب دعمهما السياسي والعسكري للأسد مجرى الحرب لصالحه.

يتناقض الدعم الدؤوب للأسد من طرف أصدقائه الأقوياء بشكل حاد مع الردود المشوشة للإدارة الأمريكية والتي لم تعد بالنفع على القادة العرب في شيء خلال حربهم ضد خصومهم.

هل نجا الأسد بشكل كامل؟

في الوقت الحالي، يبدو الأسد آمنا، فقد استعاد سيطرته على أجزاء رئيسية من البلاد بفضل مساعدة كل من روسيا وإيران، كما يبدو أن العالم قد قبل بقاءه في السلطة على الأقل حتى الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها عام 2021.

أعادت دول الخليج فتح سفاراتها في دمشق بعد سنوات من المقاطعة، كما زارت وفود من العراق ولبنان والأردن سوريا خلال الأشهر الأخيرة لمناقشة استئناف العلاقات التجارية والاتفاقيات التجارية والإفراج عن السجناء.

على الرغم من أن جامعة الدول العربية صرحت بأنه لم يحن الوقت بعد لإعادة سوريا إلى حظيرة المنظمة التي تضم 22 دولة، إلا أنه قد تمت مناقشة هذه القضية خلال القمة السنوية لأول مرة منذ خروجها من مقعدها قبل ثماني سنوات.

إن ما سيحدث لاحقا يعتمد بشكل كبير على قدرة الأسد على تفادي الاستياء المتزايد في ظل تدهور مستويات المعيشة، وكذا قدرته على الحفاظ على دعم روسيا وإيران.

اقتصاد في حالة من الفوضى:

بعد سنوات من الحرب والعقوبات الأمريكية، أصبحت الأزمة الاقتصادية السورية أكثر استفحالا؛ إذ تعاني خزائن النظام من نقص الموارد، وحسب تقديرات الأمم المتحدة يعيش ثمانية أشخاص من بين 10 تحت خط الفقر.

عرفت كل من دمشق واللاذقية وحلب نقصا في الغاز والوقود خلال الشتاء الماضي.

وتسابقت وسائل الإعلام لنقل تغطيات عن المدن التي تملك أطول طوابير محطات الوقود، ما اضطر البرلمان إلى مناقشة هذه القضية.

قنن النظام هذا الأسبوع الغاز وسمح لسائقي السيارات بالحصول على 20 لترا فقط كل 48 ساعة.

تزايدت حدة الأزمة عندما انتشرت تقارير حول ارتفاع وشيك في الأسعار، ما دفع بمئات السيارات إلى الوقوف لساعات خارج محطات الوقود.

نفى وزير النفط علي غانم هذه الادعاءات، محذرا بالقول إن "حرب الشائعات أشد فتكا من الحرب السياسية".

وقد أدت عدم قدرة النظام على مواجهة الاحتياجات المتزايدة إلى إثارة نقد وغضب الداعمين له.

إلا أنه من غير المرجح أن يؤدي هذا الاستياء إلى موجة أخرى من الاحتجاجات؛ فمعظم السوريين يسعون في الوقت الحالي إلى تجنب موجات العنف جديدة.

ومع ذلك، تصف الأمم المتحدة مستوى الاحتياجات في البلاد بأنه "مهول"، حيث يحتاج نحو 11.7 مليون سوري إلى الحصول على المساعدات، من أصل 65 ٪ من مجموع السوريين البالغ عددهم 18 مليون نسمة ما زالوا داخل البلاد، في حين نزح الملايين من ديارهم وفر أكثر من 5 ملايين آخرين إلى الخارج أثناء الحرب.

العودة إلى نقطة البداية:

لقد عادت المظاهرات التي كانت في السنوات الأولى من الصراع إلى الظهور مرة أخرى.

ففي درعا، مهد الثورة، خرج المئات إلى الشوارع مؤخرا بسبب خطة النظام لإقامة تمثال لحافظ الأسد.

كما ظهرت العديد من الاحتجاجات الأخرى في بعض مناطق المعارضة التي استولى عليها النظام بعد أن حاول هذا الأخير فرض التجنيد العسكري هناك على الرغم من الوعود بتأجيله.

لا تزال عمليات الاعتقال والاحتجاز مستمرة في المناطق التي أعاد النظام سيطرته عليها، ما زاد المخاوف من أن يتم استعمال صفقات المصالحة بين النظام وسكان مناطق المعارضة السابقة كواجهات لاستمرار القمع والاستبداد.

في الغوطة الشرقية، حيث استعاد النظام سيطرته العام الماضي بعد الحصار، قام باعتقال زعماء الاحتجاجات السابقين والجماعات المناهضة له على الرغم من صفقات المصالحة، وفقا لعدة مصادر.

عسكريا، أدت هزيمة تنظيم الدولة الشهر الماضي إلى إغلاق إحدى أكثر الفصول وحشية خلال الحرب السورية، لكنها فتحت الباب أمام مجموعة من النزاعات الأخرى.

مهدت هزيمة تنظيم الدولة الطريق أمام ترامب لبدء سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، وهي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى تنافس القوى من أجل ملء الفراغ الذي سيخلفه خروج القوات الأمريكية.

يتمحور التركيز اليوم على إدلب، آخر معقل للثوار في سوريا حيث يعيش داخلها نحو 3 ملايين شخص.