الأربعاء 2019/07/31

الأجهزة الأمنية بسوريا.. انقسام وتنافس وسيطرة محدودة للأسد

بقلم: ألكسندر ديسينا وكاثرين ناظمي

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


خلف غطاء السلطة المركزية، يوجد نظام مقسّم من الجهات الأمنية المتصارعة فيما بينها.

 في وقت سابق من هذا الشهر، شهدت سوريا تعديلاً أمنياً ​​أكثر شمولاً منذ تفجير مقر مكتب الأمن القومي في تموز/ يوليو من العام 2012.

في هذا التعديل تم تعيين أكثر من نصف رؤساء المخابرات أو ترقيتهم أو إحالتهم على التقاعد، كما تم نقل أكثر من 50 ضابطاً داخل وزارة الداخلية التابعة للنظام.

قد يرى البعض أن هذا التعديل الواسع النطاق دليل على سيطرة بشار الأسد على الأجهزة الأمنية، إلا أن هناك دلائل قوية على أن سيطرة بشار أقل بكثير مما تبدو عليه.

تواجه دمشق العديد من التحديات مع أجهزتها الأمنية في محاولاتها الانتقال من مرحلة السيطرة على أراضي المعارضة إلى إعادة تأكيد هيمنتها على معظم أنحاء البلاد، بعد ثماني سنوات من الصراع.

يشكّل التنافس والصراع القائم بين الجهات الفاعلة في أجهزة النظام اليوم تهديداً لفكرة توحيد الدولة.

تزايد التنافس من أجل الهيمنة المحلّية بين الجهات الفاعلة في أمن النظام، ليصل حد اعتقال عناصر بعضهم البعض، والدخول في اشتباكات وصراعات مفتوحة.

على الرغم من محاولات الأسد وحاشيته السيطرة على هذه الصراعات، إلا أن نفوذه يبقى محدوداً في ظل تضارب المصالح واحتدام الأزمات.

أجهزة أمن منقسمة:

يتكون جهاز أمن النظام، الذي ورثه الأسد عن والده، حافظ الأسد، من وكالات استخبارات متعددة ووحدات من النخبة تتداخل مهامها فيما بينها بشكل نسبي، مصمَّمة على منع السماح لأي شخص من أن يمتلك القوة الكافية لتهديد النظام.

أثبتت هذه الأجهزة دورها الحاسم في حماية النظام خلال الحرب، في الوقت الذي شهد فيه جيشه العديد من الانشقاقات وحالات الفرار.

ومع ذلك، فإن بيئة النزاع نفسها، والصلاحيات الواسعة التي خولتها لها دمشق، أدت إلى خلق المزيد من المساحة بين هذه الهيئات والجبهات لتوسيع نطاق الخلافات بينها.

عن طريق استخدام الوسطاء والمخبرين الذين تم إعدادهم على مدار العقود القليلة الماضية، سهّلت الأجهزة الأمنية عمليات إنشاء لجان شعبية ومليشيات تابعة لها لتوسيع نطاق نفوذها.

كما تنافست هذه الأجهزة على استقطاب المليشيات التي ظهرت أو موّلها رجال أعمال تابعون للنظام، من أجل الحصول على موارد وحماية أفضل.

وسط مجموعة كبيرة من الفصائل الموالية للنظام، تسيطر ثلاثة منها على الساحة.

أولها "المخابرات الجوية" التي وسعت من وجودها في حلب وحماة على وجه الخصوص، واستفادت من حصولها على أفضل الموارد من دمشق، بسبب ارتباطها التاريخي بحافظ الأسد، والنجاح الذي حقّقته مليشيات "قوات النمر" التابعة لها على الأرض، وكذا تعاونها مع روسيا وإيران.

ثانياً.. "المخابرات العسكرية" التي تتمتع بنفوذ محلي واسع بسبب علاقاتها السابقة في الجنوب، وكذا تعاونها مع روسيا لإعادة دمج جماعات المعارضة السابقة، وتعد الجهاز المهيمن في درعا.

وأخيرا تعتبر الفرقة الرابعة، بقيادة ماهر بشار الأسد، ومليشياتها التابعة من بين الفصائل المهيمنة في دمشق والأراضي المتاخمة للبنان، حيث تقوم هذه الأخيرة بعمليات التهريب على نطاق واسع.

تزايد التنافس بين هذه الأجهزة:

على الرغم من نفوذها القوي، تتنافس أجهزة الأمن والمليشيات التابعة لها من أجل السيطرة على الأراضي، والتي غالبا ما تكون عنيفة.

تتنافس الفصائل الموالية للنظام على نقاط التفتيش في المراكز السكانية وعلى طول طرق التجارة الرئيسية، حيث تحقق إيرادات تُنتزَع من المدنيين والتجار.

كما تتنافس هذه الأجهزة على الأحياء الرئيسية والتي تعد مكاناً لتجنيد مقاتلي المعارضة السابقين.

أدى التوتر المتزايد بين ضباط النظام وجنوده وأفراد المليشيات إلى العديد من الاعتقالات في صفوف العناصر الأقل رتبة، والقيام بهجمات واغتيالات غالباً ما تتم نسبتها لمقاتلي المعارضة الذين أبرموا اتفاقات مصالحة.

غالبا ما يأتي هذا النوع من التصعيد نتيجة لمحاولات الفروع والهيئات المحلية التابعة للنظام الحفاظ على مصالحها، كتحقيق أرباح مادية والحصول على المزيد من القوى العاملة أو وضع نفسها على الخريطة الجيوسياسية، والدخول في صراع مع الآخرين للقيام بالشيء نفسه.

غالباً ما تبقى هذه الصراعات قائمة دون وجود رادع، لكن عندما تكون هذه الاضطرابات بالقرب من المواقع الحسّاسة، أو تؤدي إلى اشتباكات طويلة الأمد، أو تلحق الضرر بمفهوم سلطة النظام، تتدخل دمشق لحلها.

دعم خارجي:

أدى تدخّل إيران إلى تفاقم حِدّة هذه الانقسامات. فمن خلال التنسيق مع الحرس الثوري الإيراني، و"حزب الله"، ومجموعة من المليشيات السورية والعراقية على الأرض، قدمت إيران الدعم لكل من الفرقة الرابعة والمخابرات الجوية وغيرها من الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، وعزّزت من نفوذها ضد منافسيهم داخل النظام.

تشمل جهود روسيا لكبح جماح الجهاز الأمني ​​ تشكيل ما يعرف باسم "الفيلقالخامس"، والذي يمثل هيكلاً لإعادة دمج فصائل المعارضة السابقة ومليشيات النظام في هيكل عسكري أكثر قوة.

على الرغم من أن "الفيلق الخامس" ينتمي لوزارة دفاع النظام، إلا أن عناصره يتقاضَون رواتب روسية وتخضع لأوامر القيادة الروسية خارج قاعدة حميميم الجوية.

وقد وردت أنباء عن حدوث اشتباكات بين مليشيات الفيلق الخامس والفرقة الرابعة وقوات الدفاع في حماة ومع المخابرات الجوية في درعا.

عملياً، يعتبر الفيلق الخامس ببساطة فصيلاً آخر في مجموعة الأجهزة الأمنية التابعة للنظام.

خيارات محدودة:

في معظم الحالات، يعتمد الأسد وحاشيته على ضباط نظامه داخل الأجهزة الأمنية للسيطرة على أفرادهم ومقاتليهم دون أوامر صريحة.

من خلال تعيين وطرد ونقل قادتها تستطيع دمشق تهميش أولئك الذين أثبتوا عدم كفاءتهم لدى النظام.

ومع ذلك، فإن الجهات الفاعلة في مجال الأمن تخشى إضعاف نفوذها على الأرض وبالتالي منحه لمنافسيها.

كما يعتمد الأسد على نوابِه للعمل كوسطاء بين الكيانات المتنافسة والتفاوض على نتائج مقبولة للطرفين.

كان أبرز وسيط لعب هذا الدور هو "علي مملوك"، رئيس مكتب الأمن القومي السابق، والذي يُزعم الآن أنه عُيّن نائباً للشؤون الأمنية في النظام هذا الشهر.

تفاوض مملوك مع قادة الأمن على المستوى الوطني واللجان المحلية والمسؤولين المحليين وشخصيات المجتمع المدني التابعة للنظام. وفي أجزاء أخرى من البلاد قام بالتفاوض مع الكيانات القبلية لحل النزاعات.

لكن بالنظر إلى مكانتهم والقضية المطروحة، يمكن لمسؤولي الأمن الآخرين رفض جهود "مملوك" والنواب الآخرين.

في الأوقات الحرجة سيتدخل الأسد بشكل مباشر. لكن نادرا ما يتم الإعلان عن ذلك، كما حدث في آذار/ مارس من العام 2015 خلال مشادة عنيفة بين رئيس الاستخبارات العسكرية وقسم الأمن السياسي آنذاك، رفيق شحادة ورستم غزالة، حيث أقال الأسد الاثنين من منصبهما فجأة بعد الحادث، وتوفي "غزالة" في الشهر التالي.

لا يبدو أنه سيتم الطعن في أوامر الأسد عند إصدارها، لكن تدخلاته مقيّدة أيضا.

على الرغم من أنه يستطيع إقالة الأفراد الذين يتجاوزون الخطوط الحمراء، إلا أنه يبدو أنه يتجنب إصدار أوامر حاسمة من شأنها أن تدفع بالجهات الأمنية للتنافس أكثر، كما إنه يحاول الابتعاد عن المواقف التي من شأنها أن تُظهر مكامن الضعف داخل نظامه.

مع هذا، حتى لو كان الأسد ينوي إصدار هذه الأوامر فلن يكون من السهل عليه القيام بإصلاحات أكتر شمولا كما يطالبه صناع السياسة الغربيون – التي تتعلق بقضايا حقوق الإنسان والمعتقلين ووصول المساعدات الإنسانية - أو حتى طرح رؤيته الخاصة للبلاد.

فأجهزة الأمن ليست أداة يمكن أن يستخدمها الأسد متى شاء.

بل هي عبارة عن مجموعة من الجهات الفاعلة والهياكل، لكل منها مصالحها ووكالاتها ونفوذها.