الثلاثاء 2019/06/25

استراتيجية ترامب بخصوص إيران..التغريدات غير المفهومة!

بقلم: هينري فاريل

المصدر: واشنطن بوست

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


يقوم خبراء سياسيون بشرح استراتيجية ترامب وكيف وصل الوضع إلى ما هو عليه اليوم.

في تغريدة له على حسابه الأسبوع الماضي، كتب دونالد ترامب أنه كان على وشك توجيه ضربة لإيران جراء إسقاطها طائرة أمريكية مسيرة، لكنه قرر إلغاء الإجراء في اللحظة الأخيرة، عندما علم أنه من المحتمل أن تودي هذه الضربة بحياة 150 شخصا.

طلبنا من عدد من رواد العلاقات الدولية من ذوي الخبرة شرح منطق استراتيجية ترامب وكيف وصل بنا الأمر إلى هنا.

أشار، إريك لين-غرينبرغ، وهو أستاذ مساعد بمدرسة الخدمات الدولية التابعة للجامعة الأمريكية، مختص في حرب الطائرات المسيرة، إلى أن اختيار إيران للهدف ربما كان بنية إظهار مدى جديتها.

"على الرغم من أن قرار إيران باستهداف طائرة موجهة عن بعد، بدلا من طائرة مأهولة يعد قرارا مهما. يمكن اعتبار قرارها باستهداف طائرة من طراز "تريتون إم كيو- 4 سي" باستخدام صاروخ أرض-جو مهما كذلك.

أولا، إن هذا النوع من الطائرات أعلى تكلفة وقليل من حيث العدد مقارنة بالطائرات المسيرة من طراز "إم كيو-9 ريبر" التي تعمل بشكل روتيني في المنطقة. قد يعني اختيار استهداف طائرة ذات تكلفة عالية غاية لدى طهران في إرسال إشارة أقوى عن استيائها من السياسات والإجراءات الأمريكية. ثانيا، إن إسقاط طائرة من طراز "تريتون" بالصواريخ بدلا من نهج استراتيجية أقل علانية - كالاختراق الإلكتروني الذي استخدمته إيران للسيطرة على طائرة "آر كيو-170" بدون طيار عام 2011 - يشير أيضا إلى نية إيران إرسال إشارة استراتيجية واضحة إلى واشنطن".

تحدثت كل من سوزان حنا إلن، أستاذة العلوم السياسية بجامعة ميسيسيبي، وكارلا مارتينيز ماكين، أستاذة مساعدة في جامعة ولاية كنساس للعلوم السياسية، عن الخيارات المتاحة أمام ترامب.

توضح تغريدة ترامب كيفية استخدام القادة "لقائمة" من خيارات بخصوص سياستهم الخارجية.

في هذه الحالة، كان لدى ترامب خياران مختلفان (على الأقل): إما التصعيد عبر القيام بضربات جوية أو الإبقاء على العقوبات (مع زيادتها)، للانتقام من العدوان الإيراني. كان من المتوقع أن يتم اختيار عدم القيام بغارات جوية، إذ يميل أغلب القادة إلى استخدامها في الأزمات الصغيرة، أما بالنسبة للعقوبات فقد كان الخيار الأقل ترجيحا، كونه قد يدفع بالجانبين للدخول في مواجهة كبيرة (في ظل تزايد احتمال نشوب حرب).

يمكن تفسير هذا من خلال مناقشة ترامب للمخاطر التي يمكن أن تنتج في حال القيام برد غير متكافئ، حيث يمكن أن تؤدي الأضرار الجانبية والإصابات إلى زيادة التكلفة المتوقعة للغارات الجوية وبالتالي جعلها أقل ترجيحا للقادة.

كينيث شولتز أستاذ العلوم السياسية بجامعة ستانفورد. يشرح أهمية التكافؤ.

إن اتخاذ القرار باستخدام القوة العسكرية أمر صعب، ويمكن للرؤساء بل يجب أن يكون لديهم مجال لتغيير آرائهم. إن الملفت للنظر بخصوص أحداث تلك الليلة هو كيف سعى الرئيس ترامب علنا إلى شرح قراره بعدم شن هجوم على إيران على الرغم من "جاهزية الولايات المتحدة" للقيام بعملية كهذه.

تسعى الأبحاث الحديثة في العلوم السياسية إلى فهم كيفية تعامل الزعماء مع الآثار السياسية المحلية لتراجعهم عن التهديد باستخدام القوة، عن طريق التذرع بحصولهم على معلومات جديدة أو فرض عقوبات اقتصادية كبديل. في الوقت الذي لجأ فيه ترامب إلى كلتا الاستراتيجيتين في تغريداته صباح يوم الجمعة الماضية، إلا أنه من غير الاعتيادي تطرقه إلى موضوع "التكافؤ": قلقه من أن يكون قتل 150 إيراني استجابة غير مكافئة لإسقاط طائرة مسيرة.

تظهر دراسات حديثة إلى أن التزام الأميركيين بتكافؤ القوى ليس أمرا قويا، خاصة إذا كانت الأهداف مرتبطة بجيش الخصم. لكن ترامب يستفيد من حقيقة أن الجمهوريين مستعدون لمنحه غطاء سياسيا، بينما من المرجح أن ينتقد الديمقراطيون العملية أكثر من انتقادهم للقرار النهائي بعدم استخدام القوة. يمنح هذا الموقف ترامب قدرا كبيرا من المرونة، لكنه يزيد من حالة عدم اليقين والتقلب التي تشهدها سياسات الولايات المتحدة.

تحدث جيسون ليال، أستاذ العلوم السياسية ومدير "فايلنس فيلد لاب" بجامعة ييل، عن عدم الاتساق في تحليل ترامب.

إن تغريدة الرئيس ترامب على حسابه الأسبوع الماضي بخصوص إيران مثال رائع لأسطورة "النمر الورقي": أو الاعتقاد الخطير بأن الخصم عادة ما يكون مستعدا للدخول في معركة وأنه يتراجع حال القيام بعمل عسكري أو التهديد به. أظهر ترامب خلال تغريداته الأربع، مرونة فكرية ملحوظة، من خلال تصوير إيران على أنها تهديد هائل للعالم، إلى كونها معزولة ("وفاشلة"، على حد تعبيره).

تنتقد التغريدة الأولى الرئيس باراك أوباما لتعامله بهدوء مع التهديد الإيراني الوشيك. في تغريدته الثانية، أشار ترامب إلى أن إيران قد أصبحت اليوم خصما ضعيفا للغاية، لكنها خطيرة بما يكفي لتبرير توجيه ضربة انتقامية لمواقع مختلفة داخل إيران. (التغريدة الثالثة)، ما لم يتعرض المدنيون للأذى، عدا ذلك لا يمكن اعتبار توجيه ضربة لها أمرا ملحا. يمكن القول إن رابع تغريدة له كانت تحفة فنية، فقد تحدث ترامب عن تهاوي إيران في الوقت الذي تمتلك فيه الولايات المتحدة كل الأوراق، مشيرا إلى أنه ليس هناك ما يدعو "للاستعجال "، ومشيرا في الوقت نفسه إلى أن طموحات إيران النووية تهدد العالم بأسره، وتعهد علنيا بأنها لن تحصل "أبدا" على هذا النوع من الأسلحة.

بالنظر إلى هذه التناقضات في تقييم التهديدات التي قام بها ترامب، لا عجب في وجود خلل وظيفي في العملية السياسية، ما أثار انتباه عدة شخصيات واعتبارات سياسية داخل البيت الأبيض.

يتساءل، أوستن كارسون، أستاذ مساعد في بجامعة شيكاغو مختصص في العلوم السياسية، عن دوافع ترامب لإلغاء الرد الانتقامي.

"بالنسبة لي، يبقى السؤال المهم: ما الذي يكمن وراء قلق ترامب بشأن ما إذا كانت الضربة ستؤدي إلى خسائر بشرية وما إذا كان ذلك ردا مكافئا لهجوم إيران على الطائرة المسيرة؟ هل لأن استجابة كهذه لن تكون مكافئة من الناحية القانونية بموجب قوانين الحرب؟ أم إنه قلق من التسبب في معاناة إنسانية، أو المساس بالسمعة الأمريكية، أو خوفا من إطلاق حرب تصعيد ستدفع بإيران إلى الرد بدورها؟ أو إن هذه المخاوف مرتبطة ببساطة بإعادة الانتخابات؟

ليس لدينا طريقة لإيجاد أجوبة لهذه الأسئلة. من المؤكد أنه قد تم إطلاع ترامب على كيفية تأثير ردود الولايات المتحدة المختلفة على احتمالات الرد الإيراني العنيف. بالنظر إلى الخطاب الإيراني الخاص وديناميكيات قيادته، فمن المؤكد أن الهجوم الأمريكي الذي أدى إلى سقوط ثلاث ضحايا سيدفع إيران إلى محاولة القيام بالهجوم نفسه. فحتى القيام برد شبيه محدود من شأنه أن يخلق أزمة حادة وطويلة المدى ستستحوذ على اهتمام ترامب ومن الواضح أنه يفضل التركيز على أشياء أخرى (كموضوع الهجرة والاقتصاد). فهو يفضل التصعيد من خلال فرض "أقصى قدر من الضغوط" التي يمكن اعتبارها لعبة جديدة.

بالطبع، يدفعنا هذا إلى الافتراض أن قرار ترامب استند إلى المنطق ولم يكن اندفاعيا. أعتقد أنه من المهم أن نتذكر الفرق بين ردود الفعل التي تنبني على الحدس وتلك التي تنبني على استراتيجية مختلفة بشكل كبير. ربما يعكس قرار ترامب الذي يقوده الحدس إلى أن مسألة كهذه "يمكن أن تخلق المزيد من الفوضى". ليس من الضروري أن يكون ترامب ملما بقواعد اللعبة لمعرفة أن تصعيد الوضع مع إيران قد يلحق به أضرارا سياسية وهو ما يهمه في هذا المقام.

قالت روز كيلانيك، أستاذة مساعدة للعلوم السياسية في نوتردام، إن ترامب ربما قد حالفه الحظ في اختياره للاستجابة المناسبة.

لقد وجد ترامب طريقه نحو اتخاذ القرار المناسب بخصوص إيران - تجنب الحرب - لكن التغيير الغريب في خططه في اللحظة الأخيرة سوف يربك القادة الإيرانيين بالتأكيد. إن تجنب تصعيد غير مرغوب فيه أمر صعب بما فيه الكفاية في الوقت الذي يعمد فيه الجانبان إلى ضبط النفس بشكل استراتيجي. لكن إشارات ترامب عشوائية فهل يعتمد على الحظ في السياسة التي يتبعها؟ قد يرفع المضاربون أسعار النفط على المدى القصير، لكن في حالة نشوب حرب، من غير المحتمل حدوث اضطراب في الإمدادات على المدى البعيد. تملك الولايات المتحدة نحو 4 مليارات برميل من احتياطي النفط الاستراتيجي الأمريكي في الوقت الذي يستطيع فيه حلفاؤها سد الثغرات في حال وجدت.