الأربعاء 2019/06/12

إيران في سوريا.. تغيرات ترسم آفاق التحالفات والمواجهة

بقلم: حميد رضى عزيزي

المصدر: المونيتور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


شن الجيش الإسرائيلي هجوما على إحدى القواعد الجوية التابعة لنظام الأسد بمحافظة حمص في 3 حزيران/ يونيو الماضي، مستهدفا بذلك "منشأة إيرانية لصنع الطائرات بدون طيار". جاء الهجوم بعد أقل من 24 ساعة من جولة منفصلة من الغارات الجوية على المواقع العسكرية السورية في منطقة القنيطرة بالقرب من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. ادعت إسرائيل مرة أخرى أن أهدافها استهدفت مواقع ومنشآت تابعة لإيران وحزب الله اللبناني.

إن تزايد عدد الضربات الإسرائيلية ضد مواقع إيران وحلفائها في سوريا يشير إلى أن تل أبيب تحاول مضاعفة جهودها لاحتواء النفوذ الإيراني في هذه الدولة العربية. كما لا تقتصر هذه الجهود على المجال العسكري وحسب، بل يحاول القادة الإسرائيليون الضغط على إيران دبلوماسيا أيضا.

أعلن البيت الأبيض عبر بيان أصدره في 30 أيار / مايو الماضي، أن كبار مسؤولي الأمن في الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل سيجتمعون بالقدس في حزيران/ يونيو الحالي لمناقشة "قضايا الأمن الإقليمي". وأشارت تقارير لاحقة إلى أن "مستقبل الوجود الإيراني في سوريا" سيكون على رأس جدول أعمال الاجتماع، حيث تحاول كل من واشنطن وتل أبيب إجبار موسكو على اتخاذ خطوات ملموسة لاحتواء دور إيران في سوريا مقابل بعض "الحوافز"، كالاعتراف بشرعية الأسد وتأكيد مساهمة واشنطن في عملية إعادة إعمار سوريا.

بحسب ما ورد فقد نفت الولايات المتحدة أي اتفاق مع روسيا بشأن إضفاء الشرعية على الأسد، في حين وصف الناطق الرسمي باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، التقارير التي تشير إلى ذلك "بالأخبار الكاذبة".

أن تكون إيران الموضوع الرئيسي للمناقشة التي ستدور بين شريكها، روسيا، وألد أعدائها، إسرائيل والولايات المتحدة، كاف لإثارة قلق قادتها. على هذا النحو، فإن التحدي الرئيسي أمام طهران اليوم في سوريا – بعيدا عن تعرضها لموجة جديدة من السياسات الإسرائيلية العدوانية - هو احتمال تغيير روسيا لمسارها فيما يتعلق بوجود إيران داخل سوريا.

هناك تحد آخر أمام إيران في شمال شرق سوريا، حيث يتباحث المسؤولون الأمريكيون والأتراك حول إمكانية إنشاء "منطقة آمنة" على طول الحدود التركية السورية. بسبب التوتر الأخير الذي شهدته العلاقات الأمريكية التركية، لم تر خطة أنقرة لإقامة منطقة آمنة، والتي طال انتظارها، النور بعد. وعلى الرغم من ذلك، فقد صرح وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في 31 أيار/ مايو الماضي أن الجهود قائمة لإنشاء هذه المنطقة في الشمال السوري.

تشير عدة تقارير إلى أن واشنطن تحاول لعب دور الوسيط بين أنقرة و"قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة أمريكيا، والتي تتألف معظمها من جماعات كردية. من المنظور الإيراني، يمكن أن تؤدي الصفقة التركية الأمريكية بشأن شمال سوريا إلى جر أنقرة بعيدا عن مباحثات أستانا مع طهران وموسكو، وبالتالي تعزيز الموقف الأمريكي في سوريا. ستكون لكلتا النتيجتين آثار سلبية على دور إيران في سوريا.

في ظل هذه التحديات، من المتوقع أن تحاول طهران القيام بخطوات للحفاظ على مصالحها ونفوذها في سوريا.

أولا، ستحاول إيران تسريع عملية تشكيل اللجنة الدستورية السورية. وقد كرست طهران بالفعل جهودا غير مسبوقة لتحقيق هذا الهدف، بدءا من حضور المحادثات التي تدعمها الأمم المتحدة حول هذه القضية ووصولا إلى محاولات إيجاد أرضية مشتركة بين أنقرة ودمشق فيما يتعلق بتكوين اللجنة ومهامها.

في الوقت الذي يمكن فيه للصفقات الأمريكية المحتملة مع روسيا وتركيا أن تحد تدريجيا من نفوذ إيران في سوريا، تسعى طهران إلى تشكيل اللجنة الدستورية في أقرب وقت ممكن. بهذه الطريقة، يمكنها أن تتأكد من مراعاة مصالحها واعتباراتها خلال عملية وضع دستور جديد لسوريا. بمعنى آخر، تسعى إيران إلى إتمام عملية تشكيل اللجنة ضمن إطار أستانا دون تدخل من الولايات المتحدة.

في هذه الأثناء، ستحاول إيران تكثيف جهودها من أجل التوصل إلى تسوية بين نظام الأسد والأكراد. ستؤكد إيران أنه ينبغي تسليم المناطق التي يسيطر عليها الأكراد شرقي نهر الفرات إلى نظام الأسد، مع التأكيد على إيمانها بـ "ضرورة الحفاظ على الحقوق الكردية". ومع ذلك، لا يظهر الجانبان أي علامة على تغيير مواقفهم، إذ يبدو أن جهود الوساطة الإيرانية لم تنجح حتى الآن. قد تزيد إيران اليوم من جهودها لإقناع الأسد بتقديم بعض التنازلات للأكراد لكسب ولائهم. وبالتالي توجيه ضربة ليس للموقف الأمريكي في سوريا وحسب بل للخطة التركية القاضية بإنشاء "منطقة آمنة" في الشمال السوري بهدف احتواء التهديد الكردي.

من المتوقع أيضا أن تتحرك طهران نحو "إضفاء الطابع المؤسسي" على علاقاتها مع سوريا من خلال وضعها في إطار إقليمي أوسع. يمكن اعتبار خطة إيران لإقا

مة خط سكك حديدية من حدودها الغربية إلى ساحل البحر المتوسط بسوريا عبر العراق محاولة لربط البنى التحتية الاقتصادية والنقل بين البلدان الثلاثة. إن من شأن خطوة كهذه أن تزيد من صعوبة قيام أطراف أخرى بالحد من نفوذ إيران داخل سوريا، لأن مصالح العراق ستكون على المحك.

أما بخصوص المجال الأمني، فتجري الآن العديد من الاتصالات بين المسؤولين العسكريين والأمنيين الإيرانيين ونظرائهم السوريين والعراقيين، إذ تحاول طهران تشكيل إطار شراكة شامل مع كل من بغداد ودمشق.

في أسوأ الأحوال، إن إبرام "صفقة كبرى" بين روسيا والمحور الأمريكي الإسرائيلي حول احتواء دور إيران في سوريا، قد يؤدي بإيران إلى الدفع بالأسد نحو فتح جبهة الجولان ضد إسرائيل. كان السبب الرئيسي وراء تغاضي طهران عن الضربات الإسرائيلية المتكررة في سوريا خوفها من أن يؤدي الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل إلى عزل شريكتها الرئيسية، روسيا، عن الساحة وتعريض شراكة الإيرانية الروسية للخطر.

وعلى الرغم من ذلك، في ظل التحركات الإسرائيلية الأخيرة في الجولان والمناطق المجاورة لها، بدءا بالقيام بجولتين من الضربات في القنيطرة خلال أسبوع واحد فقط وصولا إلى انتهاك اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 مع سوريا من خلال نشر الدبابات في المنطقة الفاصلة، فإن نظام الأسد لديه كل الحوافز للرد. ترى بعض وسائل الإعلام الإيرانية بأن احتمال حدوث عملية عسكرية في الجولان وارد جدا.

على الرغم من أن خطة إيران للتغلب على التحديات الحالية في سوريا هي في مجملها مجموعة من التدابير الدبلوماسية والسياسية، إلا أن طهران تستعد لمواجهة مجموعة من السيناريوهات المحتملة وتحديد كيفية التعامل مع التحديات الجديدة.