الأربعاء 2019/03/20

إيران تسعى إلى توحيد معسكريها في سوريا والعراق


بقلم: حميد رضى عزيزي

المصدر: المونيتور

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


راقب الكثيرون الرحلة التاريخية الأخيرة للرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق عن كثب، وتم التطرق إليها من عدة جوانب من قبل وسائل الإعلام والمحللين في مختلف أنحاء العالم.

ركّز بعض المراقبين على الجوانب الثنائية للزيارة، وتحدثوا عن أهميتها في تعزيز نفوذ إيران بشكل متزايد في العراق، في حين قام آخرون بمقاربتها من حيث خطط إيران للتغلب على العقوبات الأمريكية. كانت هناك نقاشات حول مدلول الزيارة التي قام بها روحاني في ظل الانقسامات السياسية الداخلية في كل من إيران والعراق.

غير أن الجانب المهم الذي تم تجاهله بشكل كبير خلال زيارة الرئيس الإيراني للعراق، التي استمرت ثلاثة أيام، هو الآثار الواضحة وغير الواضحة لهذه الرحلة على سياسة إيران في سوريا.

في هذا الصدد، يمكن القول إن النقطة الأولى تتعلق بخطط إعادة إعمار سوريا بعد الحرب، بعد إبرام عدد من الاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات التفاهم مع نظام الأسد خلال الأشهر القليلة الماضية، يبدو أن إيران تمضي قدما في تنفيذ خطط أكثر واقعية للعب دور حيوي في إعادة إعمار سوريا.

كانت من الاتفاقيات الرئيسية التي تم توقيعها خلال زيارة روحاني لبغداد، اتفاقية بناء خط سكة حديدية يربط معبر شلمجة الإيراني الحدودي بالبصرة. يعد هذا الخط في واقع الأمر جزءا من خطة إيران لإقامة خط سكة حديدية بين حدودها الغربية وسوريا، والذي يمتد نحو ميناء اللاذقية على البحر المتوسط ​​في سوريا، كما يعتبر خط السكة الحديدية هذا ضمن خطة طهران الطويلة الأمد، للقيام بدور مركزي فيما بعد، فيما يُعرف بمبادرة الحزام والطريق الصينية، التي ستكون محور عبور بين الشرق والغرب.

في الوقت نفسه، تشير بعض التقارير التي نُشرت خلال زيارة روحاني إلى العراق إلى أن نظام الأسد سيقوم بتسليم إدارة محطة الحاويات في ميناء اللاذقية إلى إيران. ومن هذا المنطلق، يبدو أن طهران تحاول تسريع خطة عبورها الطموحة عن طريق التواصل مع بغداد ودمشق في آن واحد.

من ناحية أخرى، عقب وصول روحاني إلى العراق في 11 من آذار/ مارس الحالي، كشف رئيس غرفة التجارة الإيرانية، غلام حسين شافعي، عن خطة اقتصادية أخرى تشمل العراق وسوريا. وقال الشافعي: "بالنظر إلى خطط إيران المستقبلية للمشاركة في المزيد من الأنشطة الاقتصادية في سوريا، تقترح غرفة التجارة الإيرانية معاهدة ثلاثية بين إيران والعراق وسوريا تقوم على التجارة الحرة". ليس من الواضح ما إذا كانت قد تمت مناقشة الفكرة خلال محادثات روحاني مع المسؤولين العراقيين، لكن هذا يعني أن إيران تدرس إقامة هياكل اقتصادية جديدة في المنطقة بمشاركة "دول صديقة". في الوقت الذي كان فيه روحاني في زيارة له ببغداد، كان هناك وفد تجاري سوري في طهران، لإجراء مباحثات مع المسؤولين الاقتصاديين الإيرانيين.

اختتمت هذه المباحثات بتوقيع 18مذكرة تفاهم حسب ما جاء في عدة تقارير. إن التطورات المذكورة أعلاه تعني أن إيران تنظر في مسألة إعادة إعمار سوريا، وكذا في مسألة وجودها الاقتصادي في سوريا في فترة ما بعد الحرب ضمن إطار إقليمي. على الرغم من أن الخطوات الإيرانية الجديدة لتطوير علاقاتها الاقتصادية مع جيرانها يُنظر إليها على أنه محاولة للالتفاف على العقوبات الأمريكية، إلا أن تحرك طهران في هذا الاتجاه يتخذ شكلا أكثر تنظيما ومتعدد الأطراف، ومن شأن هذا أن يفتح الباب أمام "أجندة اقتصادية جغرافية إقليمية" في السياسة الخارجية الإيرانية، مع اعتبار العراق وسوريا ركيزتين أساسيتين لها.

كانت لزيارة روحاني للعراق أهمية سياسة كذلك. يمكن النظر إلى هذه الزيارة على أنها تتمة للزيارة الأخيرة التي قام بها بشار الأسد إلى طهران، حيث التقى بالزعيم الإيراني علي خامنئي وروحاني. اعتبرت زيارة الأسد إلى طهران "ناجحة"، حيث تحدث السفير الإيراني في سوريا جواد تركابي في 11 آذار/ مارس عن زيارة روحاني المحتملة لدمشق في المستقبل القريب. على الرغم من عدم الإعلان عن أية تفاصيل محددة حول هذه القضية حتى الآن، إلا أن الزيارة المحتملة يمكن أن تبعث برسالة إلى العالم أجمع، مفادها بأن نفوذ إيران في سوريا لا يقتصر على المجال العسكري بل له جانب سياسي كذلك.

بمعنى آخر، على الرغم من أن الرواية المعروفة تقول بأنه يتم تنفيذ السياسة الإيرانية الإقليمية بفعالية من قبل الحرس الثوري الإيراني، وخاصة ذراعه الخارجي، فيلق القدس، هذا بالإضافة إلى الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الإيراني للعراق وزيارته المحتملة إلى سوريا والتي تشير إلى الدور المتزايد للإدارة الإيرانية في الملفات الإقليمية؛ إلا أن هذا لا يعني أن روحاني يتبع أجندة مختلفة عما تم الاتفاق عليه على أعلى مستوى في المؤسسة السياسية للجمهورية الإيرانية، ولا يعني أن روحاني يحاول تهميش الحرس الثوري الإيراني. بدلا من ذلك، قد يتم ترجمة هذا النوع من "تقسيم العمل" بين المؤسستين والإنجازات العسكرية للحرس الثوري الإيراني وتأثيره الأمني ​​في المنطقة إلى فوائد سياسية واقتصادية ملموسة من قبل إدارة روحاني.

من هذا المنطلق، ليس من المستغرب أن يدعو عبد الله غانجي، مدير صحيفة "جافان" المحافظة التابعة للحرس الثوري الإيراني، روحاني إلى تنظيم رحلة إلى سوريا فور عودته من العراق.

سيخلق هذا التقسيم الناشئ للعمل جواً للتوصل إلى تفاهم بين إيران وخصومها فيما يتعلق بالمنطقة، بما في ذلك سوريا. ذلك لأنه سيصبح جليا للدول الأخرى بألا تخوض في جداول الأعمال الإيرانية الأخرى في الوقت نفسه.

وقد يعطي اجتماع روحاني مع فالح الفياض، قائد وحدات "الحشد الشعبي" في العراق، فكرة مختلفة عن إحدى أكثر الجوانب تحدياً للوجود الإيراني في سوريا، وهو الدور المستقبلي للجماعات المسلحة الموالية لإيران، التي كانت تُعرف في السابق بالتحالف غير الرسمي للجماعات الشيعية العراقية التي تحارب تنظيم الدولة.  تقوم وحدات "الحشد الشعبي" اليوم مقام المؤسسات الحكومية العراقية الرسمية، مع إدراج أسماء رؤسائها في قائمة المسؤولين العراقيين الذين سيلتقي بهم الرئيس الايراني.

يمكن توقع تطبيق نفس النمط على المجموعات الموالية لإيران في سوريا. بعبارة أخرى، فإن السيناريو الأكثر تفضيلا بالنسبة لإيران هو مساعدة تلك الجماعات على التوحد تحت لواء واحد والعمل عن كثب مع نظام الأسد في المستقبل مع المحافظة على ولائها للجمهورية الإيرانية.

إن إمكانية تحقيق هذا السيناريو من عدمه هي مسألة وقت لا أكثر، ويمكن أن تكون هذه الطريقة المثلى لإيران للحفاظ على نفوذها في سوريا في فترة ما بعد الحرب.