الخميس 2018/06/28

إندبندنت: سيسجل التاريخ لحظة تخلي الولايات المتحدة عن الإطاحة بالأسد

بقلم: روبرت فيسك

المصدر: الإندبندنت

ترجمة: مركز الجسر للدراسات


إنها خيانة كبرى، إلا أنه كان من المحتمل حدوث شيء كهذا. لكن الرسالة المحبطة التي أرسلتها واشنطن إلى مقاتلي المعارضة جنوب سوريا، بألا يتوقعوا الحصول على أية مساعدات من الغرب في حربهم مع نظام الأسد أو الروس، سيسجلها التاريخ. إنها نقطة تحول في حرب سوريا، خيانة مخزية بالنسبة لمقاتلي الجيش السوري الحر وأتباعه الموجودين حول مدينة درعا، وانتصار آخر لنظام الأسد وطموحاته باستعادة كل المناطق من أيدي الثوار.

فقد دمرت الصواريخ الروسية والقنابل التي يلقيها النظام ريف جنوب وشرق درعا وريف القنيطرة والسويداء، بعد أن رفض مقاتلو المعارضة إجراء مفاوضات سلام مع النظام الأسبوع الماضي. هرب العديد من اللاجئين مرة أخرى من المدن. لكن كلمات الرسالة الأمريكية إلى المقاتلين، التي قامت رويترز بنشرها ولم تنكر فحواها الولايات المتحدة حتى الساعة محبطة، جاء في نص الرسالة ما يلي: "يجب ألا تبنوا قراراتكم على افتراض أو توقع تدخل عسكري من جانبنا ... نحن في حكومة الولايات المتحدة نتفهم الظروف الصعبة التي تواجهونها ولا نزال ننصح الروس والنظام بالعدول عن القيام بعمل عسكري ينتهك منطقة خفض التصعيد ".

عندما "تتفهم واشنطن الظروف الصعبة" التي يواجهها حلفاؤها وتقول إنها "تنصح الروس والنظام بعدم انتهاك وقف إطلاق النار - والتي هي فكرة موسكو في المقام الأول - فاعلم أن الأمريكيين يسحبون البساط من أقدام حلفائهم.

لكن الولايات المتحدة تدرك أيضا أن التدريبات العسكرية والأسلحة التي كانت تقدمها والتي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات قد تم تمريرها إلى "النصرة"، التي تعرف أيضا باسم "القاعدة"، وأن "جبهة النصرة" موجودة في قرى ومواقع بالمنطقة الواقعة خارج درعا. (تبلغ القوة الأسطورية للجماعات المعتدلة في الجيش السوري الحر 70 ألف مقاتل بحسب ما جاء على لسان ديفيد كاميرون).

لا يبدو أن "حزب الله" ولا عناصر الحرس الثوري الإيراني مشاركون في المعركة التي تدور جنوب سوريا. ومن المؤكد أن هناك اتفاقا- أمريكيا، روسيا، بمعية النظام، يقضي بأن يكون هذا الهجوم بمشاركة الروس والنظام دون غيرهما؛ حيث يفترض أن يؤكد الطرفان لإسرائيل أن المعركة داخلية ولا تعرض مرتفعات الجولان السورية المحتلة للخطر. فقد لخص مركز العمليات العسكرية في عمان - الذي من المفترض أن يسلح ويمول الجماعات التي لا تزال تقاتل في شمال الحدود الأردنية - طموحات هذا الاتفاق.

لقد قام الإسرائيليون حتى الآن بمهاجمة أهداف للنظام وإيران في سوريا - لكنهم لم يهاجموا تنظيم الدولة أو جبهة النصرة - القاعدة. يبدو أن سياسة الولايات المتحدة، التي يئست من حكم الأسد "المنهار"، قد تخلت الآن عن المعارضة المسلحة لصالح دمشق.

كما يفترض أن تكون الولايات المتحدة قد أقنعت إسرائيل بأن الوضع السابق قبل الحرب السورية - حيث كان يتم الفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية عن طريق منطقة عازلة تابعة للأمم المتحدة - أفضل من الدخول في صراع مسلح مع إيران أو النظام.

وحسب ما جاء في تصريحات معارض سابق في دمشق، فقد اختار مركز العمليات العسكرية في عمان تعليق جميع أنشطة الثوار - أي تعليق أنشطة الجيش السوري الحر- حيث رفض هذا المركز على وجه التحديد تقديم المساعدة قبل أربع سنوات عندما حاول المقاتلون في العاصمة استعمال مدافع الهاون والمدفعية لاستهداف القصر الرئاسي، ووفقا لمصادر، فقد عرض مسؤولو المركز على الثوار، من بينهم ضابط بريطاني كبير وضابط سعودي - إمدادهم بالأسلحة الخفيفة فقط. لقد كان هذا مجرد تحذير وحسب، فقد فهم الأكراد شمال سوريا، ماذا يعني ذلك.

فقد تجرع الأكراد كأس الخيانة مرتين، كانت أولاها عندما أبرم كيسنجر اتفاق سلام بين الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وشاه إيران عام 1975، ليوقف عملية تقودها وكالة الاستخبارات الأميركية، بلغت تكلفتها 16 مليون دولار (أي ما يعادل 12 مليون جنيه إسترليني). كانت هذه العملية تهدف إلى مساعدة الأكراد في شن هجوم على صدام حسين. ثم شهد الأميركيون تدمير صدام للأكراد عام 1991 بعد أن نصحوهم بالتمرد ضد نظام بغداد عقب تحرير الكويت.

ويخشى النظام من أن تلجأ إسرائيل إلى إنشاء "منطقة عازلة" خاصة بها أسفل الجولان تشبه منطقة الاحتلال الإسرائيلي السابقة في جنوب لبنان، من حيث انتشار الأسلحة والعنف، حيث استمرت هذه المنطقة طوال 22 عاما، لكنها انهارت عندما انسحب منها "جيش لبنان الجنوبي" عام 2000 -وهو ميليشيا لبنانية موالية لإسرائيل وتتسم بعدم الكفاءة، وعدم الأهلية للوثوق بها، وبزيفها في بعض الأحيان.

على أية حال، من خلال خريطة سوريا، تبدو قوة الغرب الآن في حالة تراجع، فإذا أدارت الولايات المتحدة ظهرها لحلفائها السابقين في جنوب سوريا وفي الشمال، فإن روسيا هي الرابحة وكذلك الأسد، وسيحكم على جميع الجماعات المسلحة الموجودة في إدلب وعلى طول الحدود التركية وبالتأكيد في الجنوب، بالهلاك.

تعليمات الولايات المتحدة إلى حلفائها في درعا بالاستسلام، يمكن تقديمه على أنه انتصار صغير، كما يمكن لواشنطن أن تدعي أنها أبعدت إيران عن إسرائيل. لكنه يعني أيضا أن أمريكا وحلف الناتو قد تخلوا عن الإطاحة بأسرة الأسد.