الثلاثاء 2017/12/05

إعادة الإعمار .. ورقة الغرب الأخيرة في سوريا

العنوان الأصلي : هل سيتلقى الأسد الدعم أم ستبقى المدن السورية غارقة في الدمار؟ سياسة إعادة إعمار سوريا 

المصدر: نيويورك تايمز

بقلم: سوميني سينغوبتا

ترجمة: مركز الجسر للدراسات

حمص التي كانت آخر معقل للثوار، كانت تضم في السابق أحد الأحياء السكنية الجيدة، والذي تميّز بشوارعه الواسعة وبناياته الشاهقة، إلا أنه اليوم حي للأشباح مقارنة بما كان عليه في الماضي.

بعد الحصار الذي أطبقته قوات النظام على المدينة لأكثر من ثلاث سنوات ونصف، لم يبق سوى بعض الأفراد في المنطقة المعروفة بالوعر. فقد قصفت ودمرت بناياتها الشاهقة، والتي تبدو وكأنما دمرتها عمالقة. فشوارعها مكدسة بالسيارات المحروقة وأجهزة التليفزيون، كما إن المشفى الكبير للمدينة مدمر بالكامل ولم يتبق سوى طابقين من طوابقه العشرة يمكن استخدامهما، هذا بالإضافة إلى أن خزانات الأوكسجين بها ثقوب.

فإذا كانت استعادة قوات النظام للوعر الربيع الماضي تجسد انتصار بشار الأسد الصعب، فهي تحمل في طياتها تحديا يلوح في الأفق مع اقتراب النهاية: سياسة إعادة الإعمار.

التحدي كبير أمام الأسد كما هو الحال أمام منتقديه الأوروبيين. فهل سيغدق هؤلاء المنتقدون أموالهم على نظام جوَّع وقصف وشن هجمات بالغاز على شعبه في مناسبات عدة؟ أم إنهم أخفقوا في إسقاط الأسد- بمساعدة روسيا وإيران- الذي استرجع أغلب الأراضي التي كان قد خسرها خلال سبع سنوات من الحرب، فهل سيتخلى الغرب عن السوريين للعيش في الدمار؟

وكان السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة فرانسوا ديلاتر، قد قال إن "مساعدة السكان السوريين المحتاجين دون تعزيز سلطة الأسد معادلة صعبة، لكن لا بد من سبيل لذلك، وعلينا أن نجده".

للحكومات الغربية مصلحة كبيرة في النهاية. فأي أمل لإعادة النازحين السوريين- الذين يعدون مصدر قلق للعديد من السياسيين الأوروبيين- يتوقف على قدرتها على إعادة تشكيل سوريا. كما يمكن أن تستفيد الشركات الغربية من عقود إعادة إعمار سوريا.  وقال المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، إن إعادة إعمار سوريا ستكلف على الأقل 250 مليار دولار.

في الوعر، التي كانت آخر المناطق التي استرجعتها قوات الأسد، عرضت على الثوار صفقة تقضي باستسلامهم أو رحيلهم برفقة عائلاتهم إلى المناطق التي يسيطر عليها الثوار في أقصى الشمال. فخرج نحو عشرة آلاف شخص في الفترة الممتدة بين آذار/ مارس إلى أيار/ مايو،  بينما ظل نحو 30000 شخص، بحسب السلطات الحكومية، في بيوتهم التي كُسّرت نوافذها وهُدّمت أسقفها. فقد زرت الوعر في مطلع الشهر الماضي، برفقة مرافق حكومي ومسؤول عسكري محلي.

وفق ما جاء في إحصائيات البنك الدولي أن نحو خُمسِ المباني السكنية في سوريا تضررت، كما صرحت الأمم المتحدة أن كل مدرسة من ثلاث مدارس إما تضرّرت أو دُمِّرت، وأن أقل من نصف المرافق الصحية في البلاد لا تعمل.

في عدة أجزاء من حلب، التي تعد ثاني أكبر مدينة في البلاد، والتي استعادتها قوات النظام قبل عام، لا تزال إمدادات المياه تعاني مشاكل، ما يدفع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لنقل المياه عبر الشاحنات، وهي عملية مكلِفة. في حين لا تزال مدينة حمص التاريخية، التي استعادها النظام عام 2014، بعد حصار مدمِّر، عبارة عن متاهة ركامية.

لقد أثبتت استراتيجية الحصار التي اتبعها الأسد أنها أفضل وسيلة لانتزاع المدن والأحياء من أعدائه من خلال تجويع المدنيين الذين يعيشون تحت قبضتهم. فحتى مع انتهاء الحرب، لايزال النظام يستخدم تلك الاستراتيجية والتي غالباً ما تخلّف عواقب إنسانية وخيمة.

أما في الغوطة الشرقية التي تُطلُّ على ضواحي دمشق، والتي كانت فيما قبلُ منطقة زراعية غنيّة تحت سيطرة الثوار، أدى الحصار الذي فرضه النظام إلى ارتفاع معدلات الجوع لأعلى مستوياته خلال الصراع بحسب  وصف الأمم المتحدة، حيث أصيب نحو 12% من الأطفال بسوء التغذية الحاد.

وقالت فيدريكا موغيريني مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إن مساعدات إعادة الإعمار هي آخر الأوراق التي ما زالت بيد الغرب من أجل التأثير في مستقبل سوريا السياسي، ويبقى تأثير الغرب على مصير الأسد غير واضح في أحسن الأحوال.  فمباحثات جنيف التي جرت الأسبوع الماضي لم تتطرق لموضوع مصير الأسد.

وقالت موغيريني "نحن مستعدون للخطوة التالية" معربة عن تأييدها لفكرة إعادة بناء سوريا في المستقبل. وقالت أيضا إنه يتعيّن على الدول الغربية أن توضّح طبيعة مشاركتها و"التي لن تبدأ إلا بعد أن يتم الاتفاق على انتقال سياسي في جنيف".

ومن جهته، يبدو النظام توّاقاً لإبعاد الأهداف الرئيسية لتلك المباحثات السياسية عن الهدف المحوري للمعارضة والذي يتمثل في عزل الأسد من السلطة.

وقال علي حيدر في لقاء صحفي له في دمشق إننا "انتقلنا من فكرة تغيير فريق واحد بفريق آخر إلى مفهوم الشراكة لإنتاج بنية سياسية جديدة"

إلا أنه أكد أن انتصار النظام هو انتصار جزئي لا أكثر. مضيفاً " نحن أفضل حالا على أرض المعركة منه على الساحة السياسية حيث القتال الحقيقي"

أما بالنسبة لحمص، التي تعد ثالث أكبر مدينة سورية، فعلامات انتصار الأسد بادية في كل مكان، حيث علقت لوحة كبيرة في موقف السيارات الخاص بفندق اتخذته الأمم المتحدة مقرا لها عليها صورة الأسد مبتسما وتحتها عبارة "يد في يد، سنعيد بناء سوريا من جديد"

كان حصار الوعر الأطول في البلاد، فخلال أشهره الصعبة، اضطرت العائلات إلى إحراق أثاث منازلهم من أجل الحصول على التدفئة.

وفي الوقت الذي كان فيه انقطاع الكهرباء يستمر لساعات أو حتى أيام، كانت طوابير الحصول على الخبز طويلة جدا، ويقول السكان إنها كانت تنشب مشاجرات بين الواقفين عليها من أجل الحصول على ما يكفي لسد رمق ذويهم.

وفي أحد الأسابيع، ساعد عمال المشفى النساء على الولادة في القبو، الذي يعد أكثر أمانا من الهجمات الجوية، حيث استعملوا الهواتف للإضاءة لادخار طاقة المولد لعمليات أكثر تعقيدا.

قبيل الظهيرة، جلس عبد الإله بارز، ذو  الـ 11 ربيعا على دراجته، وهو يتذكر الصوت المدوّي الذي خلّفته قنبلة قتلت صديقا له وتركته غير قادر على السماع لعدة أيام. في حين ذكرت صديقته سارة أنها كانت تختبئ في الحمام كلما سمعت صوت إطلاق قذائف الهاون، وتسترجع أخته إيمان، ابنة الـ 14 ربيعا، أحداث انفجار آخر أدى إلى مقتل عمها عندما كان ينتظر وصول ابنته من المدرسة في زاوية الشارع.

رياض حسن كنان، كان يملك شقة من طابق واحد، مشى على أطلال ما تبقى من منزله، حيث تحول كل شيء حوله إلى ركام، وبدا وكأن جزءا من منزله قد استخدم كمستودع للأسلحة.

وقد قام قائد فريق إعادة الإعمار وعملية إزالة الأنقاض، حسن هلال، بالعثور على بقايا قنبلة يدوية الصنع. كما ذهب معي في جولة عبر الأنفاق التي تم حفرها تحت المباني الشاهقة.

تناثرت حاويات المياه التي تم قصفها في كل مكان إذ استعملتها الفصائل المسلحة لتشييد مواقع دفاعية. بالقرب تميز أحد المباني عن البقية بأكياس رمل على الطابق الأول، وكانت جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، قد استخدمته كمركز للاحتجاز عندما كانت تسيطر على جزء من الوعر.

انتهى الحصار بتقديم صفقة حاسمة للناجين، بمن في ذلك المقاتلون المعارضون للنظام، مفادها إما الاستسلام للنظام أو استقلال الحافلات المتوجهة للمناطق التي يسيطر عليها الثوار في الشمال. استقل هذه الحافلات نحو عشرة آلاف شخص وتوجهوا إلى المناطق القريبة من الحدود التركية حيث تبين فيما بعد أن الظروف كانت هناك أسوأ بكثير مما كانوا يعيشونه.

وصف تقرير أصدرته مؤخرا منظمة العفو الدولية ما حدث "بالترحيل القسري" وأنه انتهاك للقانون الدولي. وقالت المنظمة إن أي مساعدات لإعادة إعمار البلاد يجب أن تضمن عودة المدنيين طوعا إلى بيوتهم "في أمان وكرامة".

وكنت قد أجريت مقابلة مع أم أرملة لثلاثة أبناء ممن حوصروا، أخبرتني أنه وبمجرد رفع الحصار عن المنطقة توجه ابنها ذو الـ 21 ربيعاً إلى إحدى القرى القريبة من الحدود التركية والتي تسيطر عليها المعارضة، مخافة أن يتم القبض عليه.

لم تشأ هذه المرأة أن يتم ذكر اسمها خوفا على أمن عائلتها، نظرت إلى مسبحتها وقالت "إن ابنها على وشك أن يضيع مستقبله" مضيفة "أن عليها الالتحاق به".

بدت مترددة ولم تشأ الحديث أكثر، فقد كان معنا أحد المرافقين الحكوميين خلال إجراء هذه المقابلة.

كان جزء من سقف منزلها مهدماً منذ الوقت الذي ألقيت قذيفة على المبنى الذي تسكن فيه، الشيء الذي أدى إلى مقتل جارها في الطابق العلوي والذي كان يقف على الشرفة، لالتقاط إشارة الهاتف.