الأربعاء 2018/03/28

كيف ساهمت الأمم المتحدة ودي ميستورا في تجويع السوريين وموتهم واستسلامهم؟

في قراره رقم 2165 الصادر بتاريخ 14 تموز/يوليو 2014، الفقرة 9 منه، أعلن مجلس الأمن أنه "يشيد بالجهود التي بذلها السيد الأخضر الإبراهيمي، ويرحب بتعيين السيد ستافان دي ميستورا في منصب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لسوريا".

كان هذا أول قرار يصدر في الفترة التي سيعمل فيها "دي ميستورا" على الملف السوري.

القرار 2165 أحد القرارات الخمسة الرئيسية التي صدرت لمعالجة القضايا الإنسانية، وإيصال المساعدات للنازحين والمحاصرين داخل سوريا، سبقه القرار 2139 بتاريخ 22 فبراير/شباط 2014، ولحقه القرار 2191 بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2014، تلاه القرار 2258 بتاريخ 22ديسمبر/كانون الأول 2015، ثم القرار 2393 بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 2017.

القرار الأول 2139 تضمّن الفقرات التالية:

4 -يطالب جميع الأطراف، ولا سيما "السلطات السورية"، بالتنفيذ الكامل للأحكام الواردة في بيان رئيس مجلس الأمن المؤرخ 2 تشرين الأول/أكتوبر 2013 (S/PRST/2013/15) بطرق منها تيسير التوسع في عمليات الإغاثة الإنسانية، وفقا لأحكام القانون الدولي الإنساني الواجبة التطبيق ومبادئ الأمم المتحدة التوجيهية للمساعدة الإنسانية في حالات الطوارئ.

5-يدعو جميع الأطراف إلى القيام فوراً برفع الحصار عن المناطق المأهولة بالسكان، بما في ذلك المناطق الكائنة في الحي القديم من مدينة حمص (حمص)، ونبل والزهراء (حلب)، ومعضمية الشام (ريف دمشق)، واليرموك (دمشق)، والغوطة الشرقية (ريف دمشق)، وداريا (ريف دمشق) وغيرها من المواقع، ويطالب جميع الأطراف بأن تسمح بإيصال المساعدة الإنسانية، بما في ذلك المساعدة الطبية، والكف عن حرمان المدنيين من الأغذية والأدوية التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، والتمكين من الإجلاء الآمن على وجه السرعة ودون عوائق لجميع المدنيين الذين يرغبون في المغادرة، ويشدد على ضرورة أن تتفق الأطراف على فترات هدنة للأغراض الإنسانية، وعلى أيام للسكينة، وفترات لوقف إطلاق النار والهدنة المحلية، من أجل تمكين الوكالات الإنسانية من الوصول الآمن دون عوائق إلى جميع المناطق المتضررة في سوريا، مع التذكير بأن تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال محظور بموجب القانون الإنساني الدولي.

6-يطالب جميع الأطراف، ولاسيما "السلطات السورية"، بأن تسمح فوراً للوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشركائها التنفيذيين، بإيصال المساعدات الإنسانية على نحو سريع وآمن ودون عوائق، بما في ذلك عبر خطوط النزاع وعبر الحدود، من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين من خلال أقصر الطرق.

كان القرار في ديباجته "يدين في الوقت نفسه جميع حالات منع وصول المساعدات الإنسانية"، و "يشير إلى أن منع وصول المساعدات الإنسانية بصورة تعسفية وحرمان المدنيين من مواد لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك تعمد عرقلة إمدادات الإغاثة وسبل الوصول، يمكن أن يشكلا انتهاكا للقانون الإنساني الدولي"، كما هدّد مجلس الأمن في الفقرة الأخيرة أن " يتخذ مزيدا من الخطوات في حالة عدم الامتثال لهذا القرار".

في القرار 2165 كان مجلس الأمن " يشعر بانزعاج بالغ إزاء استمرار حجب الموافقة بشكل تعسفي وغير مبرّر على عمليات الإغاثة واستمرار الأوضاع التي تُعيق إيصال الإمدادات الإنسانية إلى جهات المقصد داخل سوريا، وبوجه خاص المناطق المحاصرة والمناطق التي يصعب الوصول إليها، وإذ يلاحظ الرأي الذي أعرب عنه الأمين العام للأمم المتحدة ومفاده أن حجب الموافقة بشكل تعسفي على فتح جميع المعابر الحدودية المعنية يشكل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي وعملا من أعمال عدم الامتثال لأحكام القرار 2139 (2014)".

نَصَّ القرار في الفقرة 2، 3 على:

2 -يقرر أن الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشركاءها المنفذين يُؤذَن لها باستخدام الطرق عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية "باب السلام وباب الهوى واليعربية والرمثا"، إضافة إلى المعابر التي تستخدمها بالفعل، من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك اللوازم الطبية والجراحية، إلى الأشخاص المحتاجين في سائر أنحاء سوريا من خلال أقصر الطرق، مع إخطار السلطات السورية بذلك، ويؤكد تحقيقاً لهذه الغاية ضرورة استخدام جميع المعابر الحدودية بشكل كفوء لأغراض العمليات الإنسانية للأمم المتحدة.

3-يقرر أن ينشئ، تحت سلطة الأمين العام للأمم المتحدة، آلية للرصد تقوم بموافقة البلدان المَعنية المجاورة لسوريا، بمراقبة تحميل جميع شحنات الإغاثة الإنسانية التي ترسلها الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشركاؤها المنفّذون في مرافق الأمم المتحدة ذات الصلة، ومراقبة فتح أي شحنة منها بعد ذلك من قِبل سلطات الجمارك للبلدان المَعنية المجاورة، من أجل المرور إلى سوريا عبر المعابر الحدودية "باب السلام وباب الهوى واليعربية والرمثا"، مع إخطار الأمم المتحدة "للسلطات السورية"، من أجل تأكيد الطابع الإنساني لشحنات الإغاثة هذه.

كما قرر مجلس الأمن "أن ينتهي العمل بالأحكام الواردة في الفقرتين الثانية والثالثة من منطوق هذا القرار بعد 180 يوماً من تاريخ اتخاذه".

القرار 2165 يختلف عن القرار 2139 في قضيتين جوهريتين تدخلان فيما كان مجلس الأمن "يشير إلى اعتزامه الذي أعرب عنه في قراره 2139 (2014) أن يتخذ مزيداً من الخطوات في حال عدم الامتثال للقرار":

الأولى: اعتبر مجلس الأمن حجب الموافقات من طرف نظام الأسد على دخول قوافل المساعدات الإنسانية عبر خطوط النزاع، وعبر الحدود يشكّل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، بعد أن كانت صيغتها في القرار 2139 "يمكن أن يشكلا انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي".

الثانية: ألغى مجلس الأمن الحاجة إلى موافقة نظام الأسد على مرور شحنات الإغاثة لإنسانية، وأعطى الإذن المباشر لمرورها عبر المعابر الحدودية، واكتفى بإخطار السلطات بذلك.

أيضاً في ختام هذا القرار أكّد مجلس الأمن على وجه التهديد " أنه سيتخذ مزيداً من الإجراءات في حالة عدم امتثال أي طرف سوري لهذا القرار أو للقرار 2139 (2014).

قبل انتهاء مدة العمل بهذا القرار، صدر القرار 2193 القاضي بـ "تجديد قراراته الواردة في الفقرتين الثانية والثالثة من قرار مجلس الأمن 2165 (2014) لمدة اثني عشر شهراً، أي حتى 10كانون الثاني/يناير 2016". ومدّد القرار 2258 العمل بالفقرتين إلى 10 كانون الثاني/يناير 2017.

كان القرار 2258 مروّعاً حين (أعرب عن جزعه الشديد)، ولاحظ "أن الأمم المتحدة لم تتمكّن في عام 2015 من إيصال المساعدة إلى السكان في المناطق المحاصرة إلا بنسبة شهرية قدرها 3,5 في المئة، فيما يخصّ المساعدة الصحية، و0,7 في المئة فيما يخص المساعدة الغذائية".

السؤال الكبير هنا: لماذا وكيف حدث ذلك؟

الجواب الصاعق يأتي في نفس قرار مجلس الأمن 2258، حيث إن المجلس "يعرب عن بالغ قلقه إزاء استمرار وتزايد العراقيل التي تعترض إيصال المساعدة الإنسانية عبر خطوط النزاع، مما يتجلّى في جملة أمور منها انخفاض عدد تسيير القوافل التي توافق عليها "السلطات السورية"، وإذ يلاحظ في هذا الصدد أن "السلطات السورية" لم توافق من حيث المبدأ حتى 31تشرين الأول/أكتوبر إلا على 27 من أصل 91 طلباً مشتركاً بين الوكالات، قدمتها الأمم المتحدة في عام 2015، وأن النسبة المئوية لتسيير القوافل المشتركة بين الوكالات الموافق عليها من حيث المبدأ في الفترة بين عامي 2013 و2015 انخفضت من 65 في المئة إلى 29 في المئة".

نريد من السيد "دي ميستورا" أن يشرح لنا كيف فهم القرار 2165 الذي منحه الإذن بإدخال المساعدات دون طلب موافقة النظام على إدخالها، كما يمنع هذا القرار سلطات النظام من تفتيش الشحنات، أو نزع شيء من محتوياتها بعد خضوعها لآلية الرصد المنشأة تحت سلطة الأمين العام للأمم المتحدة، وخضوعها للتفتيش أيضاً في دول الجوار.

كان المطلوب من دي ميستورا فقط أمرين اثنين: إخطار نظام الأسد ، والتأكيد على الطابع الإنساني لشحنات الإغاثة.

تحوُّل دي مستورا من الإخطار إلى طلب إذن النظام يجعله شريكاً في عمليات تجويع وحصار السوريين وحالات الموت التي حدثت بسبب نقص المواد الغذائية والطبية التي كان النظام إمّا يمنع دخولها بالكلية، أو يقوم بنزعها من الشحنات التي يسمح بمرورها.

إن انصياع دي ميستورا لضغوط نظام الأسد وحلفائه الروس في وجوب تقديم الطلبات للنظام، وانتظار موافقته عليها -كما تبجّح الجعفري أمس- يعتبر ضرباً منه لقرار المنظمة الدولية بعرض الحائط، وسيكون كافياً لإقالته من منصبه، بل ومعاقبته على عمله هذا.

الأنكى من ذلك، والذي لا يكاد يصدّق أن دي ميستورا ،ليغطي على خطئه الفادح، أو على فشله الذريع هو وفريقه، ذهب بمجلس الأمن ليوقعه في تناقض صارخ لقراراته حين صدر القرار 2393 الذي عاد فيه مجلس الأمن ليُلزم الأمم المتحدة وشركاءها المنفذين، ويوجب عليهم تقديم طلبات إيصال المساعدات الإنسانية لنظام الأسد، وانتظار موافقته عليها، حيث نصَّ القرار في الفقرة الثالثة منه على أن مجلس الأمن "يطلب من "السلطات السورية" الاستجابة عاجلاً لجميع الطلبات التي تقدمها الأمم المتحدة وشركاؤها المنفذون لإيصال المساعدات عبر خطوط النزاع، والنظر إيجابياً في تلك الطلبات".

القرار 2393 الكارثي هذا لا يكتفي بذلك، بل "يطلب إلى الأمين العام أن يجري، في غضون ستة أشهر من تاريخ اتخاذ هذا القرار، استعراضاً خطّياً مستقلاً للعمليات الإنسانية التي تضطلع بها الأمم المتحدة عبر الحدود، يتضمن توصيات بشأن سبل زيادة تعزيز آلية الرصد التابعة للأمم المتحدة، ويأخذ بعين الاعتبار آراء الأطراف المعنية، بما فيها النظام والبلدان المعنية المجاورة لسوريا، والوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشركاؤها في التنفيذ". هذا يعني أن مجلس الأمن أوجب على الأمين العام أن يأخذ بعين الاعتبار رأي نظام الأسد  في عمل آلية الرصد بعد أن كان ذلك مقتصراً على دول الجوار، وهنا أيضاً يأتي السؤال: لماذا استجاب مجلس الأمن لاتهامات نظام الأسد  للأمم المتحدة أنها تُدخل السلاح "للإرهابيين" عبر قوافل الإغاثة الإنسانية، وهل قدم النظام من الأدلة على حدوث شيء من هذا حتى يغيّر مجلس الأمن نص قراره 2165 إلى هذا النصّ الجديد؟

كمثال عن هذه الاتهامات للأمم المتحدة تحدث المندوب الروسي في جلسة التصويت على القرار 2258 عن توصية تقدم بها الوفد الروسي "بتوسيع نطاق آلية الأمم المتحدة لرصد الشؤون الإنسانية المنشأة بموجب القرار 2165 (2014) ليشمل رصد جميع الشحنات القادمة إلى سوريا على أنها شحنات إنسانية. نحن نفهم العبء الذي ستتحمّله الأمم المتحدة في هذا الصدد، لكننا نشعر بالقلق من أن توريد الأسلحة إلى المقاتلين لا يتوقف وأن المقاتلين الإرهابيين الأجانب من جميع أنحاء العالم مازالوا ينضمّون إلى صفوف "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" و"جبهة النصرة" والمجموعات الإرهابية المسلّحة الأخرى. وللأسف، تعبر الإمدادات حدود سوريا، في كثير من الأحيان من خلال المعابر التي تعمل عندها آلية الأمم المتحدة، وعلى الرغم من وجود الأمم المتحدة وتصميم المجتمع الدولي ككل لوضع حد للأزمة السورية وعزل الإرهابيين، تستخدم المعابر الحدودية لأغراض مختلفة تماماً عن الأغراض الإنسانية وفي كثير من الأحيان تحت ذرائع إنسانية. وينبغي أن يتوقف هذا".

كان مندوب نظام الأسد بشار الجعفري في جلسة مجلس الأمن رقم 7476 تاريخ 29 حزيران/يونيو 2015 قد سبقه في الحديث عن "تهريب الأسلحة إلى سوريا ضمن قوافل كان من المفترض أنها تحتوي مساعدات طبية، وهي قوافل، بالمناسبة، عبرت نقاط العبور الحدودية التي طلبها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية عند اتخاذ القرار 2165(2014) بشأن إرسال المساعدة الإنسانية".

الخلاصة: أنّ المبعوث الأممي "دي ميستورا" لم يلتزم بتطبيق قرارات مجلس الأمن في الشؤون الإنسانية، والتي خوّلته صلاحية إدخال قوافل الإغاثة عبر خطوط النزاع، والمعابر الحدودية، دون الحاجة لموافقة النظام عليها، وأن امتناعه عن ذلك كان سبباً من أسباب تشديد الحصار والتجويع في المناطق المحاصرة، وعلى غيرها ممن كان يمكن الوصول إليها عبر الحدود، وأن هذا زاد من معاناة السوريين، وأدّى إلى حدوث وفَيات بينهم بسبب نقص الغذاء والدواء، وأنّ هذا يعرّضه للمساءلة والمحاسبة القانونية.