الأربعاء 2017/12/20

دي ميستورا يختزل دور الأمم المتحدة في “توفير الخبرة” لصياغة الدستور السوري

عرض المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في إحاطته أمام مجلس الأمن أمس الثلاثاء 19/12/2017 ، رؤيته لدور الأمم المتحدة في مفاوضات جنيف التي أنهت جولتها الثامنة دون أن تحقق تقدماً يُذكر نحو عملية الانتقال السياسي الواردة في بيان جنيف والقرار الأممي 2254.

وبدلاً من إعلان التزامه كمبعوث أممي بالسعي نحو تطبيق قرارات المنظمة الدولية باعتباره ممثلها، ومكلفاً من قبلها بذلك، فإنه ذهب إلى وضع رؤية مغايرة تماماً لرؤية مجلس الأمن وقراراته، وتُلغي بند هيئة الحكم الانتقالي التي تَجري العملية الانتقالية في ظلها، وتعمل على تهيئة البيئة الآمنة والمحايدة التي تتيح وضع دستور جديد للبلاد الذي تقوم الانتخابات البرلمانية والرئاسية على أساسه. بالطبع الدستور والانتخابات وفق الرؤية الجديدة لدي ميستورا يتمّان تحت سلطة النظام وأجهزته العسكرية والأمنية.

وبدلاً من الذهاب إلى تحميل النظام فشل هذه المفاوضات -كما وعد المبعوثين الدوليين ووفد المعارضة- فإنه لم يكتفِ بالتلميح بل صرَّح بمسؤولية هيئة التفاوض وخطئها في إدراج موقفها حول مغادرة بشار الأسد السلطة عند بدء المرحلة الانتقالية في بيانها الختامي بمؤتمر الرياض 2.

دي ميستورا لم يستمع لكل اعتراضات هيئة التفاوض على رؤيته هذه بعد أن أبلغهم إياها في جولة جنيف8، والتي رأت فيها الهيئة خضوعاً كاملاً من دي ميستورا للرؤية الروسية للحل التي تكتفي بإصلاحات دستورية وانتخابات بإشراف أممي لا يتعارض مع السيادة الوطنية لنظام الأسد.

دي ميستورا يعلم أن سوتشي تعمل على ملفين لا ثالث لهما: اعتبار المشاركين كأعضاء "للمؤتمر الوطني" الذي سيكلف "اللجنة الدستورية" بمراجعة الدستور، الفارق الذي ألمح له دي ميستورا أن هذه العملية إذا تعذّر إجراؤها داخل سوريا، فيمكن أن تجري خارج البلاد، بمعنى أنه يمكن نقلها إلى جنيف لتكون تحت إشرافه، وأن يمنح نتائج عملها الشرعية الدولية بقرار أممي يجعلها الأساس الجديد للحل السياسي.

دي ميستورا عرض رؤيته في الإحدى عشرة نقطة التالية:

1- يبدو أن الطرفين يقبلان بأن سوريا تتطلب مراجعة نظامها الدستوري الذي يُتوَّج بالموافقة الشعبية على دستور جديد، ونتفق جميعاً على أن كتابة دستور سوريا المستقبل لن يكون من قبَل أيِّ واحد منا، أو أي دولة، يمكننا أن نساعد ولكن ينبغي أن تكون كتابة الدستور للسوريين.

2- أي مراجعة دستورية يجب أن تكون مملوكة من قبَل سوريا وقيادة سوريا وتجري وفقاً للقرار 2254 ، والتي تنص على أن وضع جدول زمني وعملية لصياغة هذا الدستور الجديد يجب أن تتم في إطار المحادثات التي تعقدها الأمم المتحدة ويسهُل عقدُها داخل سوريا.

3- وينبغي أن يحاول هذا الجدول الزمني والعملية تحديد واحتواء المبادئ التوجيهية، وجدول زمني متسلسل، وتحديد جميع المؤسسات ذات الصلة التي يلزم إنشاؤها، بما في ذلك ولاياتها وتكوينها وطريقة إنشائها.

4- وتحقيقاً لهذه الغاية، نعتقد أن عملية الاستعراض الدستوري هذه يمكن أن تسترشد بالمبادئ الواردة في قرار مجلس الأمن 2254 وبيان جنيف وأن تكون على علم بالمبادئ الأساسية ال 12 التي تُقدِّم منظورا لرؤية مستقبل سوريا التي يمكن أن تكون مشتركة من قبَل الجميع.  فهذه المبادئ تعطي تأكيدات مهمة لشعب سوريا فيما يتعلق بهدف أي مراجعة دستورية، وأنها يجب أن تلبي التطلعات المشروعة لشعب سوريا.

5- إن هذه المبادئ -وإن لم تكن مبادئ فوق دستورية ما لم يتفق الشعب السوري على غير ذلك- يمكن تطويرها وتجسيدها من قبَل هيئة صياغة دستورية. ومع ذلك، لكي تكون هذه الهيئة ذات الصياغة الدستورية وأي عملية صياغة، من شأنها أن تكون ذات مصداقية، فمن المرجَّح أن تحتاج أيضا إلى معالجة كيفية تقاسم السلطة، وكيف ينبغي إلغاء مركزية السلطة وممارستها في سوريا على المستوى الوطني والإقليمي والمحلي.

6- المؤسستان اللتان ظهرتا حتى الآن من المناقشات لأغراض صياغة ومراجعة دستور جديد ومأسَسة عملية الحوار الوطني هي (اللجنة الدستورية) و (المؤتمر الوطني)، ويمكن للَّجنة الدستورية أن تُعِدّ وتُحيل مسوَّدة أولية لدستور جديد إلى المؤتمر الوطني في سوريا، الذي يمكن أن يُشرِف على الحوار الوطني والمراجعة وينقّح، ثم يُحيل أي مشروع دستور للموافقة الشعبية  وفقاً لـ 2254.

7- يجب أن يكون لكل من المؤسستين صلاحياتها واختصاصاتها وسلطاتها وقواعدها الإجرائية المتفق عليها في المحادثات التي تيسرها الأمم المتحدة بين السوريين في جنيف. وستكفل الأمم المتحدة أن تكون أي تركيبة متفق عليها متسقة مع قرار مجلس الأمن 2254 وأن تستند إلى أي معايير اختيار شاملة وموضوعية تحدد وتتفق عليها في جنيف.

8- على أقل تقدير، يجب أن تتكون المؤسستان من ممثلين عن النظام والمعارضة في المحادثات السورية، وكذلك مكوِّنات إضافية من المجتمع السوري، بما في ذلك الشخصيات الدينية والسياسية والفكرية والاقتصادية والنقابية، والسوريين من الشتات، والخبراء القانونيين، مع النص على تضمين المجتمع المدني بوضوح، والمستقلين، والنساء.

9- وينبغي أن يكون هذا الاستعراض الدستوري شاملاً، يتضمن حواراً وطنياً يتّسم بالهيكل الجيّد، ويجري بشفافية ويقوم على قاعدة عريضة تكفل فرصا لنشر المشاريع، والمناقشة، والتنقيح؛ ولديها الاتصال الكامل والتشاور مع المجتمع المدني والأحزاب السياسية والجامعات والأوساط الأكاديمية والجمهور حول مشروع الدستور.

10- والأمم المتحدة على أهبة الاستعداد إذا أُذِن لها بتقديم مساعٍ حميدة إلى أي لجنة دستورية كما هو موضح والمؤتمر الوطني على النحو الذي وافقت عليه الأطراف في المحادثات بين السوريين، فضلا عن توفير الخبرات الدولية.

11- ومع ذلك، من أجل إجراء عملية صياغة دستورية ذات مغزى وشاملة في سوريا، فيجب إنشاء بيئة آمنة وهادئة ومحايدة لتمكين السوريين من جميع شرائح المجتمع من المشاركة بحرّية، وهذا بدوره يتطلب من الجانبين في جنيف تحديد مواضيع مكافحة الإرهاب ذات الصلة والمناسبة، وإدارة الأمن، وتدابير بناء الثقة، فضلا عن ترتيبات إدارية شاملة غير طائفية ذات مصداقية، تحتاج إلى الاتفاق عليها ووضعها على طريق المفاوضات. كما يساعد النهج القائم على تكليف الإدارة في تحديد المعالم ومؤشرات الأداء. وستعزِّز عملية تهيئة بيئة مواتية إلى حد كبير، من خلال إحراز تقدم ملموس فيما يتعلق بالوصول الإنساني دون معوّقات، وبشأن تدابير بناء الثقة -ولا سيّما الإجراءات المتعلقة بالمحتجَزين والمختطَفين والمفقودين - ووقف دائم لإطلاق نار شامل.

دي ميستورا سيحاول إقناع الأمين العام للأمم المتحدة برؤيته هذه، وتوريط المنظمة الدولية بمؤتمر سوتشي، ليغطي عجزه وفريقه عن إدارة العملية التفاوضية بالشكل المطلوب.