الأحد 2018/08/12

الخطة الروسية لإعادة اللاجئين السوريين قسرياً


مركز الجسر للدراسات..


بين أيدينا "الخطة الروسية" للإعادة القسرية للاجئين السوريين من 36 دولة حول العالم، صحيح أن الدبلوماسية الروسية تسوّق هذه الخطة عبر سفرائها في هذه الدول، لكن الصحيح الأكثر أن الخطة وضعتها "وزارة الدفاع" الروسية وليست وزارة الخارجية، فتقارير الاجتماعات لمتابعة تنفيذ الخطة تنشر على موقع وزارة الدفاع تحت العنوان التالي: "اجتماع هيئة أركان التنسيق المشتركة التابع لوزارتي الدفاع والخارجية حول عودة اللاجئين إلى أراضي الجمهورية العربية السورية تحت رئاسة رئيس المركز القومي لإدارة الدفاع لروسيا الاتحادية الفريق أول ميخائيل ميزينتسيف".

إذن الخطة خطة عسكرية بامتياز، والجيش الروسي هو من سيتولى تنفيذ جميع جوانبها، ما عدا التسويق الدبلوماسي لها، أي كما يرافق الجيش الروسي قوافل التهجير القسري نحو الشمال داخل سوريا إلى أن يصلوا إلى المناطق المحررة، سيكون نفس هذا الجيش من يرافق قوافل ترحيل العائدين إلى سوريا إلى أن يصلوا إلى مراكز الاعتقال التي أنشئت لاستقبالهم، ريثما تبدأ عمليات إعادة إعمار البلاد ويسمح لهم بالعودة إلى مناطق سكناهم الأصلية.

نستطيع أن نحدد أكثر فنقول: إن الخطة سوفييتية الصنع، تعود في فكرتها إلى الحقبة الستالينية، ستكون صور قوافل اللاجئين السوريين المرحّلين صورة طبق الأصل عن صور قوافل التهجير القسري التي أرسل بها ستالين ملايين البشر نحو سيبيريا. هذا جزء الصورة الثاني عندما يسير اللاجئون على أرجلهم، ثم يقفون في صفوف طويلة بانتظار رقم الخيمة التي ستؤويهم في مراكز الإيواء، جزء الصورة الأول سيكون صورة طبق الأصل عن صور قوافل سفن العبيد أثناء رحلتهم من سواحل أفريقيا صوب البلاد التي ستأسر حرية من سيصل منهم إلى الشاطئ، الموت على تلك السفن كان غالبه بأسباب وحشية "تجار العبيد" من الزاوية المادية: الازدحام الشديد، وتفشي الأمراض، ونقص الطعام والماء، الموت على السفن السورية سيكون بنفس الأسباب من الزوايا الإنسانية والأخلاقية، سيموت المعادون قسرياً من الهم والغم والكمد والحسرة، والخوف من المجهول الذي ينتظرهم.

 

تفاصيل الخطة الروسية:

تبدأ الخطة بجدول يتضمن أعداد اللاجئين السوريين في 36 دولة، هي الأرقام التي وردت من هذه الدول رداً على طلب روسي. مجموع الأعداد يبلغ 6.676.375، تتصدر تركيا قائمة دول اللجوء 3.490.000 أي أكثر من نصف عدد اللاجئين الكلي، تليها لبنان، فألمانيا، فالأردن، ثم يضع الروس خطتين للترحيل الأولى عبر الطائرات والثانية عبر السفن، إلى جانب خطة ترحيل برية بالحافلات من دول الجوار.

 

خطة نقل عبر المطارات:

تتضمن نقل 1.305.040 لاجئاً عبر 7788 رحلة جوية من مطارات 24 دولة أوربية ما عدا مصر، وتهبط جميعها في مطار دمشق الدولي، سيكون المطار بوضع البلاد الحالي قادراً على استقبال 20 رحلة يومياً في حده الأعظمي، بمعنى نحن أمام عملية نقل إضافة إلى كلفتها العالية ستعتبر بطيئة جداً تمتد لمدة عام كامل تقريباً، ولتقريب المسألة فمطار الملك عبد العزيز بجدة الذي يستقبل الحجاج، والمجهز بأحدث التجهيزات، والمحتوي على واحدة من أكبر صالات المطارات في العالم يحتاج إلى قرابة 50 يوماً لاستقبال عدد يماثل عدد اللاجئين السوريين، وضمن إجراءات أمنية مبسطة، ووجود مئات الشركات الناقلة والمقدمة لخدمات الفنادق والطعام والرعاية الصحية وغيرها، أيضاً وصول 4000 لاجئ يومياً إلى مطار دمشق يعني وجود 100 حافلة بانتظارهم لنقلهم إلى مراكز الإيواء، ويعني انطلاق حافلة كل أقل من ربع ساعة معبّأة باللاجئين، فيما لو عمل المطار على مدار 24 ساعة. اللاجئ العائد ليس مسافراً عادياً يخرج إلى بوابات المطار فيجد أحداً بانتظاره، أو يأخذ سيارة تقلّه إلى بيته، اللاجئون مضطرون للوقوف في طابور حسب قوائم معدة مسبقا تسمح لهم بدخول الحافلة واحداً واحداً.

لهذه الصعوبات اللوجستية لجأ الجيش الروسي لوضع خطة الترحيل الثانية عبر البحار إلى سوريا، وقبل البدء بعرض تفاصيلها، قد يكون أحد الأفكار وراءها: أنك أيها اللاجئ عبرت البحار في سبيل النجاة من آل الأسد، والحصول على حرية منشودة في بلد اللجوء فقدتها في بلدك الأصلي، وها نحن نعيدك عبر البحار نفسها إلى سجّانك الأول ليكتمل المشهد، وكيف صار الشعب السوري عبرة لغيره من رعايا ديكتاتوريات المنطقة، في أن يرضوا بالذل والهوان ولا يفكروا أبداً بثورة توصلهم إلى ما وصل إليه السوريون.

 

خطة نقل عبر السفن:

تقتضي خطة نقل اللاجئين بالسفن نقل 1.036.810 لاجئين عبر 364 رحلة بحريةـ تنقل فيها السفينة الواحدة أحياناً أكثر من 4000 لاجئ، وترسو جميعها في ميناء اللاذقية، خلال شهر يمكن تفريغ أوربا بشكل كامل من اللاجئين السوريين، في عملية نقل رخيصة الثمن، ولا بأس بتأخر السفن عدة أيام في البحار، المهم سرعة التخلص من اللاجئين وقطع الطريق عليهم برفض العودة حين وصول أخبار معاناة اللاجئين الذين سبقوهم بالوصول إلى مراكز

الإيواء وغدر النظام بهم. والانتهاكات الشنيعة التي ترتكبها المليشيات الطائفية بحقهم.

سرعة هذه الخطة وقلّة كلفتها سترجّح كفّتها على النقل الجوي، وقد يكون البحر المتوسط "درب آلام" السوريين، الذي نجوا من عذاب الغرق فيه، ليعودوا إلى الغرق في عذابات آل الأسد، قد يحسدون من غرق في رحلة اللجوء الأولى.

 

خطة النقل البري:

سيغادر 84.000 لاجئ يومياً دول الجوار الأربع: تركيا ولبنان والأردن والعراق، من 18 محطة انطلاق، وبمجموع 107.400 رحلة برية تنقل 5.370.000 لاجئ سوري. خلال شهرين سيكون قد عبر هؤلاء الملايين الخمسة الحدود عائدين إلى مراكز إيواء أنشأها الروس خصيصاً لهم.

 

مراكز الإيواء (المعتقلات النازيّة):

أنشأ الروس 76 مركز إيواء موزعين على الشكل التالي: 31 مركزاً في ريف دمشق، 3 القلمون الشرقي، 24 حلب، 3 حماة، 7 حمص، 8 دير الزور، يقولون إنها قادرة على استيعاب 336.500 لاجئاً، ثم يضعون تفاصيل موقع كل مركز وعدد اللاجئين الذين سيأوون إليه، واحتياجاته لتقديم الخدمات الحياتية الضرورية لهم.

يختم الروس خطتهم بمناشدة المجتمع الدولي في مساعدة نظام الأسد على تكاليف استقبال اللاجئين وإعادة الإعمار فـ 40-70% من المدن الكبرى مدمرة، وأن مركز المصالحات الروس سيعمل جنباً إلى جنب مع النظام لتنفيذ خطة إعادة اللاجئين هذه، وأنه بدون المساعدات الخارجية فإن النظام لن يكون قادراً على استعادة هؤلاء اللاجئين، وهي رسالة تهديد للأوربيين لا يمكن القول عنها إنها مبطنة، بل هي رسالة إجرامية بالغة الوقاحة، أن النظام سيتكرّم بالسماح بعودة اللاجئين، على أن يتولى الأوربيون جميع تكاليف هذه العملية.

 

ما هي ردود الفعل الدولية على هذه الخطّة؟

ورد في التقرير الذي نشرته وزارة الدفاع الروسية إعلان مصر رغبتها الانضمام إلى عملية عودة اللاجئين السوريين. خلال اللقاء بين السفير المصري لدى روسيا إيهاب طلعت نصر ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف يوم 25 تموز/يوليو الماضي، كذلك جرى لقاء بين مجموعة العمل للدفاع والخارجية الروسية مع رئاسة لبنان. وخلاله تم تحديد الخطوات المشتركة المطلوبة لعودة اللاجئين السوريين في أسرع وقت ممكن. ويقول الروس إنهم يتوقعون أن ينضم الأردن وتركيا إلى هذه العملية أيضاً.

من ناحية الدول الأوربية ينقل التقرير عن الفريق أول ميخائيل ميزينتسيف ازدياد "عدد الدول الأجنبية التي أعلنت عن جاهزيتها للانضمام إلى العملية الإنسانية الواسعة لعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم بسوريا". ويضرب المثال بفرنسا التي بدأت فعلياً بإرسال بعض المساعدات الإنسانية إلى الغوطة الشرقية.

أما تقرير ممثل الخارجية الروسية نيكولاي بورتسيف، فقد نقل قيام "المؤسسات الدبلوماسية الروسية بما في ذلك البعثات الدائمة لروسيا في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بتنشيط الجهود الدولية لكي تساند عملية عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم". وأن العمل مستمر على المحور الأوروبي. وأن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ورئيس هيئة الأركان العامة ونائب وزير الدفاع الروسي الجنرال فاليري غيراسيموف التقيا بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس فرنسا إيمانويل ماكرون لبحث هذه الخطة.

 

بالمقابل أعلنت إيرلندا عدم وجود الرغبة لدى اللاجئين السوريين للعودة إلى وطنهم. كما إن النروج تعتبر سوريا بلداً غير آمن، أما السويديون فيقولون: إنهم مستعدون لنقاش قضية عودة اللاجئين السوريين بعد الحصول على ضمانات حماية المدنيين في سوريا.

 

موقف نظام الأسد:

يقول تقرير وزارة الدفاع الروسية إنه بتاريخ 25 تموز/يوليو استقبل بشار الأسد "الوفد المشترك تحت رئاسة المبعوث الخاصة لرئيس روسيا الاتحادية في التسوية السورية لافرينتيف ونائب وزير الخارجية الروسية فيرشينين. وركّز اللقاء على مهام إعمار البلاد بعد الحرب بما في ذلك تحقيق أسرع عودة للاجئين السوريين إلى وطنهم. ورحب بشار الأسد بخطوات روسيا في هذا السياق، وشدَّد على جاهزية إنشاء جميع الظروف المطلوبة لاستقبال وإقامة اللاجئين الذين يعودون إلى سوريا بصورة آمنة ومتميزة".

 

خديعة "السفارات السورية" حول العالم للاجئين:

يطلب الفريق أول ميخائيل ميزينتسيف في اجتماعه مع ممثلي الخارجية الروسية بحث موضوع ما حصل عليه الضباط المناوبون في مركز استقبال وتوزيع اللاجئين حول "قائمة المشاكل التي يسأل اللاجئون عنها غالباً في المعابر". والتي تتلخص بطريقة تسوية أوضاع اللاجئين؛ والإجراءات حيال الوثائق المفقودة، وشروط عودة اللاجئين إلى مساكنهم قبل الحرب؛ وأداء الخدمة العسكرية؛ وتحديد التعويضات وحالات الحصول عليها عن المنازل المدمرة والملكيات المنهوبة (في إشارة على ما يبدو للقانون رقم 10)؛ وتنظيم نقل ممتلكات اللاجئين عبر الحدود، وأنه يجب على وزارة الخارجية الروسية العمل مع وزارة الخارجية السورية لوضع قواعد واضحة للسوريين بشأن عودتهم الى بيوتهم في شكل مذكِّرة. وأنه يتوجب توزيع هذه المذكرة في السفارات السورية في الدول الأجنبية، وكذلك في جميع المعابر. وبالإضافة إلى ذلك، من المهم تسليم هذه المذكرة إلى جميع اللاجئين.

 

الموقف من هذه الخطة:

أولاً: وقبل كل شيء فعودة اللاجئين أمر منوط "بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين" التابعة للأمم المتحدة، واستناداً إلى اتفاقية اللاجئين 1951، وبروتوكول 1967، والمبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي 2002، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 71/1 المُعنوَن بـ "إعلان نيويورك من أجل اللاجئين والمهاجرين"، وبما يتماشى مع إعلان حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، وإن مفوضية اللاجئين هي الوحيدة ذات صلاحية تقرير هل عودة اللاجئين السوريين تعتبر طوعية وآمنة، أم إنها إعادة قسرية وخطيرة سيخضع مرتكبوها للمساءلة والمحاسبة القانونية حال لحق ضرر بأي لاجئ أعيد قسراً إلى سوريا.

 

ثانياً: اللاجئون السوريون ليسوا مهاجرين "اقتصاديين" تكون عودتهم مرهونة بتحسن الظروف الاقتصادية في بلادهم، أو ببدء عملية إعادة إعمار ما دمّرته الحرب، بل هم لاجئون سياسيون بامتياز خرجوا بسبب اضطهاد النظام لهم، وخوفهم على حياتهم وأعراضهم، ولعدم رغبتهم بالعيش في ظل نظام الأسد، ولا زالوا غير راغبين بالعودة إلى هذا النظام، وعليه فعودتهم مرهونة بعملية الانتقال السياسي التي أقرّها بيان جنيف 2012، وقرارات مجلس الأمن وخصوصاً القرار 2254.

 

ثالثاً: على اللاجئين السوريين حماية أنفسهم من هذه الخطة الخبيثة، وإيصال صوتهم للمنظمات الحقوقية والإنسانية في الدول التي لجؤوا إليها، والتحدث إلى وسائل الإعلام، والاعتصام في الساحات العامة لبيان ربط عودتهم بحدوث انتقال سياسي في البلاد يزيح نظام الأسد القاتل من السلطة كشرط أول لعودة آمنة للبلاد.