الأربعاء 2019/09/04

الحلّ في سوريا خارج إطار الإحاطات والقرارات والمسارات!


مركز الجسر للدراسات..


سداسية كوفي عنان:

تبدأ قصة إحاطات المبعوثين الدوليين إلى سوريا بخطة سلام النقاط الست التي قدمها "كوفي عنان" في شباط/فبراير 2012 والمتمثلة في الالتزام بالتعاون مع المبعوث في عملية سياسية تشمل كل الأطياف السورية، والالتزام بوقف القتال، وإنهاء استخدام الاسلحة الثقيلة داخل المدن وبدء سحب التركيزات العسكرية داخل وحول التجمعات السكنية، وضمان تقديم المساعدات الإنسانية، وتكثيف وتيرة وحجم الإفراج عن الأشخاص المحتجزين تعسفيا، وضمان حرية حركة الصحفيين في أنحاء البلاد، واحترام حرية التجمع وحق التظاهر سلميا كما يكفل القانون.

وجدت هذه النقاط الست طريقها لتظهر في القرار 2042 الصادر بتاريخ 14 نيسان/أبريل 2012، وكان ذلك أول قرار يتخذه مجلس الأمن حول سوريا بعد ما يزيد عن سنة كاملة من بدء الأحداث فيها. الذي تضمّنها إلى جانب رسالة كان قد أرسلها النظام للأمم المتحدة مؤرخة بتاريخ 1 نيسان/أبريل 2012 يعلن فيها التزامه بـ:

1-وقف تحركات القوات نحو المراكز السكنية.

2-وقف كل استخدام للأسلحة الثقيلة في تلك المراكز.

3-بدء سحب الحشود العسكرية في المراكز السكانية وحولها.

4-وتنفيذ كل ذلك في موعد أقصاه 10 نيسان/أبريل 2012.

في 23 أبريل/نيسان 2012 صدرت المذكرة (S/2012/250) وأحال الأمين العام للأمم المتحدة في طيّها الاتفاق المبرم في دمشق بين النظام، والأمم المتحدة بتاريخ 19 نيسان/أبريل حول "آلية المراقبة التابعة للأمم المتحدة". كانت المذكّرة قد افترضت فيما افترضته أنّ النظام قد نفّذ التزامه السابق المنصوص عليه بتاريخ 10 نيسان/أبريل 2012، ثمّ تمّ بموجب مذكرة التفاهم هذه نشر بعثة المراقبين الدوليين في سوريا بعدد أولي من 300 عنصر من المراقبين العسكريين غير المسلحين، إضافة إلى عنصر مدني واحد.

كانت هذه المذكرة بعد النقاط الست، والالتزامات الثلاثة، هي الإضافة الثالثة التي ظهرت في القرار 2043 تاريخ 21 نيسان/أبريل 2012 مع التأكيد على وجوب تنفيذها جميعاً.

 ظهرت النقاط الست لآخر مرة في بيان جنيف 30حزيران/يونيو 2012، لتندثر مع استقالة كوفي عنان بتاريخ 3/8/2012، ولتندثر معها مذكرة التفاهم، وبعثة المراقبين الدوليين.

بعد هذه الاستقالة بأسبوعين تمّ تعيين الأخضر الإبراهيمي مبعوثاً أممياً في سوريا خلفاً لكوفي عنان، وصدر في عهده القرار 2118 تاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2013 القاضي بتشكيل لجنة تحقيق حول الأسلحة الكيماوية للنظام، وقاد خلالها مفاوضات جنيف 2 شهر كانون الثاني/يناير 2014، ليستقيل إثر فشلها بتاريخ 13/5/2014.

استلم المبعوث الثالث "ستافان دي مستورا" مهام عمله في 10/7/2014 الذي رحّب به القرار 2165 الصادر بعد أربعة أيام من تعيينه في 14 تموز/يوليو 2014.

رباعيات دي مستورا:

يبدو أنّ الأيام الأربعة هذه الفاصلة بين تعيين دي مستورا وتدوين اسمه في قرار من قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالشأن السوري، ستصبغ مسيرة المبعوث التي ستمتد إلى أربع سنوات وأربعة أشهر.

مجموعات العمل الأربع:

ورقة الحقيقة، التي عرفت فيما بعد بمجموعات العمل الأربع، ورقة دي مستورا الثانية التي أعلن عنها من طرف الأمين العام والمبعوث الخاص في جلسة مجلس الأمن بتاريخ 29 تموز / يوليوز 2015، بعد رفض مجلس الأمن ورقته الأولى التي سمّاها "مسودة الإطار التنفيذي لبيان جنيف". وزعم دي مستورا أنها كانت ثمرة مشاوراته مع مجموعات واسعة من السوريين، واللاعبين الإقليميين والدوليين بهدف تفعيل بيان جنيف، وتوضيح عناصره الأساسية، وأشار دي مستورا في مقدمة ورقته أن " النتائج المتوقعة من كل مجموعة عمل مؤطّرة، سيتم تجميعها وتلخيصها في وثيقة واحدة. من ثمة ستعتمد هذه الوثيقة كأساس لاتفاق سوري – سوري لتنفيذ بيان جنيف في كافة محاوره"

المجموعة الأولى: الأمن والحماية للجميع: تركّز على الأولويات الإنسانية الملحة، بما في ذلك إنهاء الحصار، وتوفير اللوازم الطبية، وحماية المدنيين، وإطلاق سراح المعتقلين.

المجموعة الثانية: العسكر، الأمن، مكافحة الإرهاب: تعالج قضايا تتعلق بالتنسيق الأمني، محاربة الإرهاب، وقف إطلاق النار، إطلاق سراح المعتقلين، انسحاب المقاتلين الأجانب، إيقاف التدخل الأجنبي، إصلاح قطاع الأمن.

المجموعة الثالثة: القضايا السياسية والقانونية: تركّز على تطوير المبادئ الأساسية للمرحلتين الانتقالية والمستقبلية، هيئة الحكم الانتقالي، العدالة الانتقالية والمساءلة، الأعمال التحضيرية لعقد حوار وطني، والأعمال التحضيرية للإصلاح (للتعديل) الدستوري وللانتخابات.

المجموعة الرابعة: استمرارية الخدمات العامة، وإعادة الإعمار، والتنمية: تركّز على الحفاظ على مؤسسات الدولة، وتقديم الخدمات العامة؛ وضمان (وجود) قيادة مسؤولة، وشرعية، وخاضعة للمساءلة التي تلهم الثقة العامة، والتي تعمل وفقا لمبادئ الحكم الرشيد وحقوق الإنسان؛ وأولويات التنمية وإعادة الإعمار؛ والحفاظ على الثروة الوطنية، وتنسيق المساعدات الدولية، والتنمية الاقتصادية والمالية.

أيضاً على غرار النقاط الست، وجدت هذه المجموعات الأربع طريقها لتكون الفقرة الرابعة التي تعدّ أساس القرار 2254 تاريخ 18 كانون الأول/ديسمبر 2015، والتي تحوّلت فيما بعد لتُعرف بـ "السلّات الأربع".

السلّات الأربع في جولة جنيف 4:

قاد "دي مستورا" الجولة الثالثة من محادثات جنيف بين شهري آذار/مارس، ونيسان/أبريل 2016، دون ظهور مصطلح "السلّات الأربع" وكان أول استخدام علني له في الدعوة الموجّهة لكل من المعارضة والنظام لحضور الجولة الرابعة، حيث ذكر "دي مستورا" في إحاطته أمام مجلس الأمن 8 آذار/مارس 2017 إثر ختام الجولة الرابعة أنه "ظهر جدول أعمال واضح يتكوّن من أربع سلّات" على النحو التالي:

السلّة الأولى: سلّة هيئة الحكم، تتناول جميع القضايا المتصلة بالقيام خلال فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، بإنشاء هيئة حكم ذات مصداقية، وشاملة للجميع، وغير طائفية.

السلّة الثانية: سلّة الدستور، تتناول جميع القضايا المتصلة بالقيام خلال فترة مستهدفة قدرها ستة أشهر، بتحديد جدول زمني، وعملية لصياغة دستور جديد.

السلّة الثالثة: سلّة الانتخابات، تتناول جميع القضايا المتصلة بضمان أن يمكن -عملاً بدستور جديد- إجراء انتخابات حرة ونزيهة خلال 18 شهراً، تحت إشراف الأمم المتحدة.

السلّة الرابعة: سلّة مكافحة الإرهاب، تتناول القضايا المتصلة بمكافحة الإرهاب، وهيئات إدارة الأمن، وتدابير بناء الثقة.

رباعية أستانا.. مناطق "خفض التصعيد" الأربع في مسار أستانا:

ومن باب التذكير فقط، فقد بدأ التناوب يسير بين جولات جنيف الأممية، وبين جولات مسار أستانا الذي افتتحته الدول الضامنة الثلاث روسيا وتركيا وإيران، والذي افتتح جولاته مطلع عام 2017، وأعلن في جولته الرابعة 4 أيار/2017 عن أربع مناطق خفض تصعيد في حمص وإدلب والغوطة الشرقية وجنوب سوريا.

رباعيّة "المجموعة المصغّرة":

كانت جولة جنيف 8 أواخر عام 2017 آخر جولة يقودها "دي مستورا" في الملف السوري الذي بدا أنه وصل إلى طريق مسدود، وهنا رأت دول مسار أستانا مطلع عام 2018 الفرصة سانحة لتحويله من مسار عسكري كما كان يوصف، إلى مسار سياسي أيضاً، وتم دعوة الأطراف المشاركة فيه إلى مؤتمر حوار في سوتشي يناقش قضية الدستور، وتشكيل اللجنة الدستورية. ولإبقاء مسار مواز مفتوح مقابل مسار أستانا ريثما تعود الأمور إلى نصابها في جنيف، اجتمعت الدول الخمس: الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والسعودية، والأردن، في باريس 23/1/2018، وسرّبت قبل انعقاد سوتشي بثلاثة أيام ورقة تضمّنت أربع توصيات للمبعوث الخاص وللأمم المتحدة لاتباعها في مسار جنيف:

 التوصية الأولى: الابتعاد عن أسلوب الجولات، والاتجاه إلى عملية سياسية متواصلة، وتشكيل فرق عمل تركز على الدستور والانتخابات، وتدابير بناء الثقة مثل ملف المحتجزين، وإعادة تفعيل فرق العمل المعنية بوقف إطلاق النار، وايصال المساعدات الإنسانية.

التوصية الثانية: أوصت المبعوث الخاص للأمم المتحدة أن يعمل على تركيز جهود الأطراف على مضمون الدستور المعدّل، وعلى الوسائل العملية للانتخابات التي تشرف عليها الأمم المتحدة، وعلى خلق بيئة آمنة ومحايدة في سوريا يمكن أن تُجرى فيها هذه الانتخابات، والعمل على إدراج مسألة التصويت للسوريين في الخارج.

التوصية الثالثة: أوصت الأمم المتحدة أن تبدأ بالتركيز على المبادئ الدستورية العامة التي ستضع إطاراً للمناقشات اللاحقة بشأن مضمون الدستور الجديد، أو نصّه الفعلي، أو الإصلاح الدستوري.

التوصية الرابعة: أوصت الأمم المتحدة أن تركز أولاً على جوهر عناصر العملية الانتخابية، وليس على العملية التي يتم من خلالها صياغتها واعتمادها رسمياً.

خماسيّات بيدرسن:

تولّى النرويجي "جير بيدرسن" مهام عمله مطلع عام 2019، وقدّم في إحاطته الأولى في 28 شباط/فبراير أعلن فيها عن خمس أفكار جوهرية اعتبرها خمسة أهداف له في مسيرة عمله:

أولاً: البدء وتعميق الحوار المستمر مع النظام والمعارضة حول بناء الثقة في بيئة آمنة وهادئة ومحايدة.

ثانياً: رؤية إجراءات ملموسة أكثر بشأن المعتقلين والمختطفين والمفقودين من خلال التحاور مع أطراف أستانا والأطراف السورية وجميع الأطراف المعنية.

ثالثًا: إشراك مجموعة واسعة من السوريين في العملية.

رابعاً: عقد لجنة دستورية ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة في أسرع وقت ممكن.

خامساً: مساعدة الأطراف الدولية على تعميق الحوار الخاص بهم لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في التوصل إلى تسوية سياسية موثوقة ومستدامة للصراع السوري وتتمتع بشرعية دولية.

خماسيّات القلق:

في إحاطته الرابعة 29 آب/أغسطس 2019 طلب بيدرسن من مجلس الأمن أن يسمح له أن يبرز "خمسة بواعث قلق رئيسية فورية فيما يتعلق بالوضع على أرض الواقع".

القلق الأول: الوضع في الشمال الغربي بسبب الهجوم بالغارات الجوية والقصف بالصواريخ وقذائف الهاون الذي يشنّه النظام على آخر منطقة خفض

تصعيد في إدلب وما حولها، والقتل والتشريد الذي يعاني منه السكان المدنيون.

القلق الثاني: الوضع في الشمال الشرقي، حيث زادت حدة التوترات في تموز / يوليو مع حشد القوات على الجانب التركي من الحدود.

القلق الثالث: التوترات الإسرائيلية الإيرانية، بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع في أطراف دمشق تابعة لفيلق القدس الإيراني والمليشيات الشيعية في سوريا.

القلق الرابع: أحداث جنوب غرب سوريا، والأنباء عن اعتقالات ومظاهرات وحالات اختفاء واغتيالات تقع هناك، إضافة للتحديات في مخيمي الركبان والهول.

القلق الخامس: الأُسر السورية التي تواجه العديد من الأخطار -الصراع العنيف والإرهاب والتهجير والتجنيد الإلزامي والاحتجاز التعسفي والتعذيب وتشتيت الشمل والعنف القائم على النوع وعدد لا يحصى من قضايا الحماية الأخرى، كما يواجه السوريون مستويات غير مسبوقة من الفقر والقصور الاقتصادي والشعور باليأس، ولا يزال ملايين اللاجئين السوريين يرون عقبات أمام العودة الآمنة والكريمة والطوعية.

خمسة جيوش:

بالطبع لا ينسى بيدرسن أن يذكّر مجلس الأمن بوجود خمسة جيوش دولية تعمل عبر الأراضي والمجال الجوي السوري في حالة توتر أو حتى في صراع، تشكّل تهديداً حقيقياً للسلم والأمن الدوليين.

ما سبق هو الخارطة التي تستوعب تقريباً كل العناوين الكبرى التي تحتاج إلى معالجة في الملف السوري، مع تفاصيل شائكة تحت كل عنوان، يبدو المرء أمامها يواجه أحجية مستحيلة الحل، أو بالغة التعقيد في أدنى حالاتها، فإلى جانب مسار الأمم المتحدة ومجلس الأمن المشلول تقريباً، نجد أيضاً مسارين دوليين متنافرين بشكل كبير، فلا تخلو واحدة من دول المسارين من خلاف مع دولة أخرى أو أكثر من الطرف الآخر، أو حتى ممّن معها في طرفها.

ومع ذلك يرى بيدرسن الحل في جمع هذه التعقيدات بلاعبيها ومشاريعهم في " منتدى مشترك في جنيف" أو في "إطار مشترك" والأكثر استغراباً أنه لا ينوي " أن يحل هذا الإطار بديلاً عن المسارات الموجودة بالفعل، حيث أعربت عدة دول عن تقديرها لفائدة وأهمية هذه المسارات بالنسبة لأعضائها"

لا يمكن لعاقل أن يقول إنه سيخلط الزيت بالماء في إناء واحد وهما على حالتهما الطبيعية، وبيدرسن يدرك هذا جيداً، وهو لا يريد فعله حتماً حين يخلط تلك المسارات في إطار واحد، وهو لا يملك الأدوات اللازمة لمثل ذلك،

فما الذي يريده بيدرسن إذاً؟

بيدرسن لا ينظر إلى المسارات، فهو يعلم استحالة مزجها، هو ينظر إلى أصحابها، وبالأخص دول الفيتو الخمس، بعد 12 فيتو جعلت سوريا أرضاً مسدودة، وهم إذا اتفقوا في هذا الإطار عندها يمكن أن يبدأ مجلس الأمن مرحلة ما بعد خارطة الإحاطات والقرارات والمسارات التي بقيت حبراً على ورق، فيما دفع السوريون ثمنا باهظاً وهم ينتظرون الحل منها.