الأحد 2017/10/29

أمريكا تتجه نحو خلق وضع لـ”النصرة” في إدلب يشبه “حزب الله” في لبنان

( هيئة تحرير الشام " الفرع السوري للقاعدة قد برز كبديل أقل تطرفاً لتنظيم الدولة في عالم الجهاد، وقد يؤدي هذا إلى خلق وضع-على الأقل على المدى الطويل-تبدأ فيه القاعدة تشبه جماعة حزب الله اللبنانية "وهي جهة فاعلة غير حكومية عنيفة عززت شرعيتها السياسية").. هكذا وصف " كولن بي كلارك الخبير السياسي والزميل في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب" النصرة في تقريره الصادر عن مؤسسة "راند" الأمريكية بعنوان " الوجه المعتدل لتنظيم القاعدة".

يرى التقرير أن تغيير اسم التنظيم من جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام ثم إلى هيئة تحرير الشام كان "محاولة من الجماعة لتقديم نفسها كبديل معتدل للمجموعات الأكثر تطرفاً في سوريا، بما في ذلك تنظيم الدولة".

وعلى عكس ما هو معلن دولياً في استمرار النظر لهيئة فتح الشام على أنها لا تزال جزءاً من تنظيم القاعدة الأم يقول التقرير: "رأى كثير من خبراء مكافحة الإرهاب إعادة التسمية تلك خدعة فجة، غير أنها ربما عملت على إعادة صياغة صورة القاعدة داخل سوريا. كان قرار فرع القاعدة في سوريا المحسوب بعناية بأن ينأى بنفسه عن المنظمة الأم محاولة لتصوير نفسه كقوة شرعية وقادرة ومستقلة في الحرب الأهلية السورية الجارية، كما هدفت الخطوة إلى إثبات أن مسلحي الجماعة مكرَّسون لمساعدة السوريين في الانتصار بنضالهم، وستمهّد الطريق أمام حلفائها السابقين للحصول على الأهلية لتمرير مساعدات عسكرية لها من مجموعة من الدول الأجنبية".

وبعد سلسلة من المقارنات بين ممارسات التنظيمين للتدليل على وحشية وإرهابية تنظيم الدولة مقابل ليونة واعتدال النصرة " في حين يقتل تنظيم الدولة المرتدين، فإن القاعدة غير مبالية، وحيث يسعى تنظيم الدولة إلى تطبيق معايير دينية صارمة، فإن تنظيم القاعدة يبدو أقل صرامة"، يخلص التقرير إلى أنه "على عكس تنظيم الدولة ، يُنظر إلى القاعدة على أنها تعمل مع السكان المحليين، وتمتلك الموارد اللازمة لتوفير مظاهر الحكم". "كما أن تنظيم القاعدة أظهر استعداداً للعمل مع جماعات أخرى، كما فعل في سوريا، حيث عادةً ما يكلِّف السكان المحليين بتسيير الأمور في المناطق التي يحكمها، في حين يتعاون مع المعارضة أو حتى يدسّ مقاتليه في مواقع أقل أهمية داخل التسلسل الهرمي للمعارضة". "وفي الوقت نفسه، تمكن فرع القاعدة في سورية من تعزيز اسمه من خلال توفير الخدمات المحلية، بما في ذلك المياه والكهرباء، والعمل في الوقت نفسه على دعم المخابز المحلية ومراقبة أسعار المواد الغذائية الأساسية في السوق. وقد أعلنت الجماعة ​​أنها ستمتنع عن مهاجمة الغرب (ولو مؤقتاً) لتجنب الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب ولكي تركز مواردها المحدودة على الإطاحة بنظام الأسد، وهي الأولوية العليا للمسلمين السنة في سوريا". "في الوقت الراهن، يبدو أن الجدال الدائر حول مفهوم "العدو القريب مقابل العدو البعيد قد تم حله. ورغم أن تنظيم القاعدة سيبقى منظمة عالمية، فقد اعترف بأنه يحقق نجاحات أكبر عندما يركز على القضايا المحلية بدلاً من المواجهة مع الغرب."

قضية الامتناع عن مهاجمة الغرب، هي العقيدة العسكرية الأهم في كل سلسلة المقارنات، وهي التي ستحمّل تنظيم الدولة وحده وزر الإرهاب العالمي، حيث يشير التقرير إلى أنه "ونتيجة لعقيدته العسكرية، تحمل تنظيم الدولة وطأة عمليات مكافحة الإرهاب التي تقوم بها الولايات المتحدة وحلفائها، فقد تركت الدعاية المتواصلة التي يبثها التنظيم والموجَّهة ضد الغرب والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة دون خيار سوى العزم على تفكيك الخلافة، ما يترك للقاعدة في سوريا حرية إعادة بناء مصداقيتها وشرعيتها السياسية بين السوريين المحليين".

إن هذا القبول الدولي والمحلي بتنظيم القاعدة في سوريا سيمنحها (الشرعية الدائمة) كما يقول التقرير، و "إن مستقبل تنظيم القاعدة و تنظيم الدولة سوف يتم تعريفه إلى حد كبير من خلال المنافسة بين التنظيمين، وقد ادعى تنظيم الدولة أنه يقود الحركة الجهادية العالمية على مدى السنوات الثلاث الماضية، ولكن تراجعه الحالي قد يصاحبه صعود للقاعدة. ففي محافظة إدلب السورية، نجحت القاعدة في زرع الدعم الشعبي وهي الآن تستقبل مقاتلي تنظيم الدولة السابقين في صفوفها وهو مؤشر واضح على أن استراتيجيتها في الصبر والرويّة بدأت تؤتي ثمارها. تدرك قيادة تنظيم القاعدة أن استجابة الجماعة للربيع العربي كانت متصلِّبة وهي الآن تقوم بتعديل وتركيز مواردها وطاقتها على المخاوف الأبرز للسوريين السنّة، وهي استراتيجية ساعدت القاعدة على زرع جذورها في جميع أنحاء الجزء الشمالي الغربي من البلاد".

بقراءة بسيطة لما بين سطور التقرير، تظهر الإشارة أنه كي يكسب تنظيم القاعدة هذه الشرعية الدائمة، فعليه إلى جانب الامتناع عن مهاجمة الغرب أن يدخل في صراع مع تنظيم الدولة، وأن ينجح في إقناع الجهاديين بالانضمام إلى صفوفه، وترك التنظيم، يقول التقرير: "إن النزاع الدائر سيحدد السيطرة على الأراضي والقدرة على تجنيد المقاتلين من مجموعة الجهاديين ذاتها وربما قبل كل شيء النفوذ. ويهدف نهج القاعدة الأكثر توازناً والقابل أكثر لأن يتنبأ به إلى كسب الدعم الشعبي".

يختم التقرير بالقول: "ستحل الذكرى الثلاثون لتأسيس القاعدة السنة القادمة 2018، وإن قدرتها على تأسيس شرعية سياسية واسعة النطاق من خلال صورة مجددة يمكن أن تدفع المجموعة للأمام خلال عقدها الثالث وما بعده".

يعتبر هذا التقرير تأكيداً لما ظهر في دراسات سابقة أنه سيتم تجميد الوضع في إدلب على ما هو عليه تحت سيطرة النصرة لمدة عامين قادمين على الأقل، ريثما تنتهي الحرب على تنظيم الدولة شرق سوريا، وهو فيما يبدو نقطة التقاء المصالح الدولية والإقليمية جميعاً، ويعطي تفسيراً منطقياً لحدثين أحدهما يعاكس هذه الرغبة الدولية، وآخر يتفق معها.

 الحدث الأول: هو الحشود التركية لاقتحام إدلب واستئصال هيئة تحرير الشام، ثم توقّفها فجأة وتحوّلها إلى نقاط مراقبة فقط لمنطقة خفض تصعيد شملت إدلب في أستانا 6 بطريقة مفاجئة لم يكن لها أن تحدث باعتبارها منطقة تقع تحت سيطرة "تنظيم إرهابي" مصنف كتصنيف تنظيم الدولة ، ولا يمكن تأمين أي نوع من الحماية له، دخول إدلب في اتفاقية خفض التصعيد جنّب تركيا موجة لجوء غير مسبوقة كانت ستحدث لو بدأت المعركة إن كان من الجانب التركي، أو من جانب قوات النظام وحلفائه.

الحدث الثاني: إعلان حكومة الإنقاذ التابعة للنصرة في إدلب، وتحرك الأشخاص الذين يعملون على تشكيلها بحرّية عبر الحدود، والترويج لها عبر وسائل الإعلام دون الخوف من تبعات الترويج لمنظمة "مصنفة إرهابياً"، التفسير الوحيد لهذه الخطوة هو أنه بضوء أخضر، أو بأمر دولي لها، وأن هناك وعوداً بتسهيل دخول مساعدات وأموال لهذه الحكومة كافية لإدارتها، وتقديم الخدمات للسكان المحليين، يمكّنها من كسب القبول والشرعية بينهم، مقابل الالتزام بمعايير الاعتدال المطلوبة منها، والانخراط في عمليات مكافحة تنظيم الدولة.

في ظل هذين المتغيّرَين يمكن إكمال رسم الخارطة السورية للأعوام القليلة القادمة على الشكل التالي: حكومة نظام الأسد في دمشق والمحافظات التي لاتزال خاضعة له، وثلاث حكومات محلية إلى جانبها: حكومة النصرة في إدلب، وحكومة ميليشيات PYD الكردية شرق الفرات، والحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف في منطقة درع الفرات، جنوب سوريا يصعب ظهور حكومة محلية فيها بسبب معارضة الأردن لها، ورغبتها باستعادة النظام السيطرة على حدوده ومعابره الجنوبية.

النظام يريد بعد مؤتمر حميميم أن تنفرد إدلب بكونها منطقة خفض تصعيد فمصيرها خارج نطاق إرادته بالكلية هو إرادة دولية، فيما سيكون برأيه مآل باقي مناطق خفض التصعيد العودة التدريجية إلى سلطة النظام.

حكومة ميلشيات PYD سيساومها النظام على القبول بحكم ذاتي موسع الصلاحيات شرط تبعيتها للحكومة المركزية، لن يحدث هذا، أمريكا تريد إبقاء نفوذها شرق الفرات لضبط التمدد الإيراني إلى المتوسط.

الحكومة السورية المؤقتة ستبقى كذلك لمنع التمدد الكردي غرب الفرات باتجاه عفرين، وسيكون لها دور في استيعاب السكان الذين لا يريدون البقاء تحت حكم النصرة، أو الميليشيات الكردية، والعائدين من تركيا، والمرفوضي اللجوء في أوربا.

على المعارضة المشاركة في أستانا غداً أن تدرس خياراتها جيداً، خصوصاً أنها ستُدعى لحضور حميميم باعتبارها موقّعة على خفض التصعيد، وقد يعلن أيضاً إغلاق مسار أستانا ونقل ملفاته إلى حميميم.

كذلك على المعارضة المشاركة في الرياض 2 إعادة ترتيب أوراقها، ووضع استراتيجيتها للمحافظة على مسار جنيف الأممي الذي هو أهون الشرّين مقابل مسار حميميم القادم.