الأربعاء 2017/06/21

واشنطن تكبح “شهوة روسيا والأسد” أم ترسم “حدود التقسيم” ؟

لا نبالغ بالقول إن ما قبل اتفاق "تخفيف التصعيد" في سوريا لا يشبه ما بعده، ويصح نوعاً ما أن نصدق الأقوال والتصريحاتِ التي جعلت هذا الاتفاق بداية نظرية لعملية تقاسم "الكعكة السورية" وتحويل ما كان يعرف بالجمهورية العربية السورية إلى مناطق نفوذ، تخضع للسيطرة الأميركية الروسية عبر وكلاء على الأرض.

منذ إقرار اتفاق "تخفيف التصعيد" في السادس من شهر أيار، تفرّغت موسكو وواشنطن لجني ما حققتاه من تفاهمات على مدار أعوام حول سوريا، وبدأت الدولتان العظمَيان على ما يبدو تخطوان نحو المرحلة التالية من مراحل وجودهما في سوريا وهي مرحلة "تثبيت الخطوط".

ولعل المنطقتين اللتين تمثلان حالياً قضية "تثبيت الخطوط" هما منطقة جنوب الرقة، ومنطقة البادية السورية، وفي كلتا المنطقتين تظهر روسيا طرفاً أغرته شهوانية التقدم على الأرض وانتزاع مناطق جديدة، بينما تظهر الولايات المتحدة طرفاً يدافع عن خطوط لا بد أن اتفاقاً ما رسمها بين الدولتين، ولم تأتِ بمحض الصدفة.

في البادية السورية تحشد روسيا قواتها المتمثلةَ بمليشيات إيرانية وقوات الأسد، بغية الوصول إلى معبر التنف من جهة، وبغية فتح طريق إلى ريف محافظة دير الزور الشرقي من جهة أخرى، وعلى مسار آخر تحشد كذلك شرق مدينة تدمر حيث تقدمت كيلومترات واسعة ولم يعد يفصلها عن السخنة إلا القليل.

لهاث واسع وراء قضم مناطق أكثر، تقابله الولايات المتحدة بغارات جوية ضربت أربع مرات مليشيات إيران والنظام، كي تبعدها عن معبر التنف الذي يحوي فصائل يدعمها البنتاغون، وفي تلك المنطقة البعيدة عن أضواء الإعلام والتغطية لا يستطيع أحد أن يتكهن بغاية واشنطن من تلك الضربات، هل هي تهدف إلى الحد من توسع الرقعة التي يسيطر عليها الأسد ؟ أم إن

مقاتلات  F16   الأميركية ترسم خطوط السماح والمنع في البادية وكأنها تقول لروسيا : هذا لك وهذا لي فلا تقربيه ؟!

أما المنطقة الثانية التي يتجلى فيها الصراع أو التماسَ فتقع جنوب غرب الرقة، حيث تقترب خطوط مليشيات الوحدات الكردية المدعومة أميركياً، من خطوط قوات الأسد المدعومة روسياً، ويجري السباق الساخن بين الطرفين في عدة قرى تقع إلى الجنوب من مدينة الطبقة، حيث اشتبكا قبل أيام في بلدتي الشويحان وجعيدين ( 40 كم جنوب الرقة)، وشنت مقاتلة (سوخوي 22) تابعة للأسد غارات على مواقع الاشتباكات، وجاء الرد الأميركي سريعاً بإسقاط المقاتلة،   يوم الأحد 18 -6 -2017 في تطور لافت على مسار التنافس الأميركي الروسي.

التبرير الأميركي جاء بالقول إن إسقاط المقاتلة جاء دفاعاً عن الحلفاء الأكراد، و"دفاعاً عن النفس"، بينما جاء الرد الروسي غاضباً، فاتخذت موسكو قراراً فورياً بإيقاف التنسيق مع واشنطن في الأجواء السورية.

في كلتا منطقتي التنافس لن يدورَ السؤال حول روسيا، لأنها ظهرت كما أسلفنا عقب اتفاق تخفيف التصعيد كطرف مرتاح بعد تجميد "الجبهات الساخنة" مع فصائل المعارضة، ما أعطاها تفرغاً لبدء انتزاع مناطق تنظيم الدولة، وأخذ أكبر قدر ممكن من تركة "التنظيم الذي يُحتَضر"، إنما يدور السؤال حول طبيعة الموقف الأميركي، فالولايات المتحدة  تظهر من جهة أنها تحاول إيقاف طموح روسيا والأسد في الوصول إلى مناطق الثروات في الشرق السوري، ويظهر كذلك أنها تحاول رسم "خطوط التقسيم" وتحديد "مناطق النفوذ" ومنع روسيا من التعدّي على ما لم يقع في حصتها ودفعها بالقوة أحياناً إلى احترام الترتيبات التي لم تظهر بالتأكيد على ألسنة مسؤولي البلدين، لكن مراقبين يرون أنها تمت بالفعل، في كواليس صنع القرار الدَّولي.