الأحد 2017/07/23

فرصة لنظام الأسد في دير الزور

فابريس بالونش  - معهد واشنطن

تركّزت الكثير من التكهنات في الآونة الأخيرة على مستقبل مدينة ومحافظة دير الزور في سوريا. وشكّل النقاش حول وجهة نظر الولايات المتحدة بشأن دور إيران في سوريا أحد الأسباب الرئيسية لهذه التكهنات - وعلى وجه الخصوص هدف إيران  بإنشاء جسر بري من طهران الى بيروت. وبالفعل، تشير التحركات العسكرية على الأرض إلى أن قوات الأسد وحلفاءها سيستعيدون دير الزور.

مدينة مطوّقة من قبل تنظيم الدولة :

في عام 2012، خسر نظام الأسد نصف مدينة دير الزور أمام المعارضة، وسرعان ما سقطت بعد ذلك المقاطعة بأكملها، وفي حين يربط طريق يمر عبر تدمر (بالميرا القديمة)، الجزء الذي يسيطر عليه النظام من دير الزور إلى حمص استولى تنظيم الدولة في أيار/مايو 2015 على تدمر وعزل عناصر النظام وسط منطقة شاسعة يسيطر عليها الجهاديون، وبالفعل، تقلّصت الأراضي التي يتحكم بها النظام بعد الهجمات المتتالية لـ تنظيم الدولة، وفي السابق، كانت امدادات الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام تصل من المطار، ولكن في كانون الثاني/يناير 2017 فقد النظام سيطرته على الطريق الذي يربط المدينة بالمطار وتوقفت هذه التدابير. ومن أجل درء الهجوم النهائي، تقوم قوات النظام والقوات الروسية وحتى القوات الإيرانية بقصف الخطوط الأمامية لتنظيم الدولة بالصواريخ من دون توقف. وبفضل الدعم الذي توفّره الطائرات المروحية تبقى إمكانية التواصل مع الخارج ممكنة، كما تلقي طائرات الشحن كميات كافية من المساعدات لإطعام المدنيين الذين ما زالوا مقيمين في المنطقة التي يسيطر عليها النظام، ويبلغ عددهم100,000  نسمة.

ويترسّخ الدفاع الصارم للنظام وحلفائه عن دير الزور في عزمهم على استعادة شرق سوريا في نهاية المطاف،  وأُسند هذا الدور إلى أحد أفضل الجنرالات السوريين، عصام زهر الدين، الذي يعتمد على "كتائب الحرس الجمهوري" أي قوات النخبة.

وفي كانون الثاني/يناير 2017، أرسل «حزب الله» مئات المقاتلين كتعزيزات إلى دير الزور التي كانت تتعرّض لهجمات تنظيم الدولة ، وعبّأ «الدفاع الوطني»، إحدى القوات شبه العسكرية للنظام، جميع الذكور الذين تتجاوز أعمارهم 15 سنة في هذا الجهد. ويساند نظام الأسد أيضاً 600 مقاتل من عشيرة "الشعيطات" التي تسعى إلى الانتقام من المجزرة التي ارتكبها تنظيم الدولة في قراها.

حذر قوات النظام في الصحراء :

في ربيع عام 2016، وبعد استئناف عملية تدمر حاولت قوات الأسد إعادة فتح طريق تدمر - دير الزور ولكنه سرعان ما تخلّى عن المشروع بعدما واجه مقاومة قوية من قبل تنظيم الدولة، وحُشدت بعد ذلك جميع القوات المتوفرة للسيطرة على حلب، حيث أدّت السيطرة عليها في كانون الأول/ديسمبر 2016 إلى فتح المجال أمام عشرات الآلاف من المقاتلين لدخولهم المحتمل إلى شرق سوريا. وتتمركز الميليشيات الشيعة الأجنبية على الخطوط الأمامية أيضاً. ومنذ آذار/مارس 2017، يتقدّم النظام وحلفاؤه نحو الشرق، مستفيدين من انسحاب تنظيم الدولة من حول تدمر، وفي مطلع حزيران/يونيو، وصلوا إلى الحدود السورية العراقية، ومنعوا بالتالي المتمردين المدعومين من الولايات المتحدة والمتمركزين في التنف [من التقدم]. وتخطط حالياً قوات الأسد للاستيلاء على المنطقة الصحراوية شرق مدينة سلمية، وبالرغم من هذا التقدّم المحقّق في أماكن أخرى، لا يبدو أن الهجوم الخاطف على دير الزور محتمل نظراً لخطر الفشل المرير، كما حدث في كانون الأول/ديسمبر 2016، عندما أدى هجوم مضاد شنّه تنظيم الدولة إلى إجبار مقاتلي النظام على التخلي عن تدمر.

ويتقدّم نظام الأسد  وحلفاؤه بشكل منهجي في "البادية"، ويستولون على نقاط المياه، وطرق المواصلات، وحقول النفط والغاز، ومناجم الفوسفات، وتحتاج سوريا إلى مواردها لإعادة بناء بنيتها التحتية وضمان الأمن الاقتصادي. وأُسندت مهمة استعادة السيطرة على هذه المنطقة الصحراوية، الغنية بالنفط والغاز، إلى «لواء صقور الصحراء» وهو جيش خاص يموّله رجل الأعمال أيمن جابر المقرّب من بشار الأسد. فهو يحصل على حصة من إنتاج النفط والغاز من الآبار المحررة. وفي خريف عام 2016، دُمج «لواء صقور الصحراء» مع "الفيلق الخامس" في قوات الأسد ولكنه يحتفظ باستقلالية كبيرة ويتقاضى جنوده رواتب مستقلة. وهم أيضاً على خط المواجهة لاستعادة محافظة دير الزور، التي أنتجت ثلثي النفط السوري في عام 2011.

السُخنة، العقبة الأخيرة :

في أيار/مايو 2017، عندما شنّت الميليشيات الشيعية العراقية هجوماً على الحدود السورية - العراقية قطعت مسافة 150 كلم في يوم واحد على طريق من دون عوائق، على طول أرض مستوية في منطقة تم إخلاؤها من قبل تنظيم الدولة، إلّا أنّ الوضع يختلف في دير الزور التي تبعد مسافة 200 كلم عن تدمر. فعند التوجّه من تدمر إلى دير الزور تغطي التلال القسم الأول الممتد على مسافة 70 كلم وحتى السخنة، ولا بدّ للنظام أن يسيطر عليها أولاً قبل استخدامه الطريق الأكثر سهولة للاجتياز،  وفي حزيران/ يونيو 2017، استغرق النظام نحو شهر للسيطرة على قرية آراك وهذا دليل على حجم التحدي، وتتركّز الجهود حالياً على السخنة وهي واحة ضمّت حوالي 20,000 نسمة في عام 2011 وتحصّن فيها تنظيم  الدولة منذ ذلك الحين. وتشكّل السخنة العقبة الأخيرة قبل دير الزور، وتقع في وسط شبكة سكك حديدية تمتدّ عبر "البادية" الوسطى إلى حلب، والرقة، وسلمية، ودير الزور. وبالتالي، من المرجح أن تستمر المعركة لبعض الوقت، وهذا هو سبب تقدم النظام نحو السخنة من عدة جبهات: تدمر، والرصافة، وسلمية.

وسيسهّل الطريق المستوي شمال شرق السخنة تقدّم قوات النظام، ولكن ذلك لا يعني أن قوات النظام ستشن غارة خاطفة. بل على العكس من ذلك، فتمديد خطوط الاتصالات من شأنه أن يعرض للخطر مثل هذا الهجوم إذا لم يتم مسبقاً تطهير الصحراء من عناصر تنظيم الدولة. وإذا هدّد التنظيم بشن هجوم جديد على حامية دير الزور، يستطيع النظام من جانبه أن يرسل دائماً تعزيزات عبر الطائرات المروحية قبل فتح الطريق البري. وبدلاً من ذلك، قد يختار النظام تجنّب السخنة وبلوغ دير الزور مباشرة من محطة ضخ النفط الثالثة في شرق تدمر.  ولكن يبدو أن تنظيم الدولة يدافع بقوّة عن هذه المحطة، نظراً لأن النظام بقي على بعد ما يقرب من عشرة كيلومترات غربها منذ منتصف حزيران/يونيو، بدلاً من استيلائه على الموقع. وتتسم المحطة بأهمية استراتيجية كبيرة، بوصفها نقطة لجمع النفط في وادي الفرات ومفترق طرق مؤدية إلى البوكمال، والميادين، ودير الزور.

هل يتم التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا في وادي الفرات؟

منذ نيسان/إبريل 2016، تمركزت «قوّات سوريا الديمقراطية» التي تدعمها الولايات المتحدة على بعد 40 كلم تقريباً شمال دير الزور ولكنها لم تحاول الاقتراب قط. وهذا الأمر منطقي في ضوء السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا قد تأتي قوّة يهيمن عليها الأكراد لإنقاذ نظام الأسد ؟ ولماذا قد تضحّي بحياة رجالها لتحرير مدينة عربية بعيدة عن الأراضي الكردية؟ وتماماً كما ينظر السكان العرب المحليون إلى الوضع يمكن اعتبار وصول المقاتلين الأكراد على أنه مجرد تغيير في الأسياد.

ويبدو أن القوة الأكثر ملاءمة لتحرير المحافظة لا بدّ أن تكون سنيّة عربية في تركيبتها وهذا ما يوضّح الدعم الأمريكي لـ «جيش أسود الشرقية»، وهي جماعة معارضة كانت في الأصل في هذه المنطقة. ومع ذلك سيصدّ تطويق النظام وحلفائه للتنف في أيار/ مايو 2017أي هجمات جديدة تشنّها هذه الجماعة في منطقة دير الزور، إلا إذا أخرجت الولايات المتحدة المتمرّدين جوّاً من التنف إلى الجنوب من الحسكة، في المنطقة التي تديرها «قوّات سوريا الديمقراطية». مع ذلك، لا يتعدّى عدد أفراد هذه القوات البضع مئات وفرص انتصارها على تنظيم الدولة ضئيلة من دون دعم «قوّات سوريا الديمقراطية». بالإضافة إلى ذلك، فإن خصومها المحتملين يشملون أيضاً الميليشيات الشيعية العراقية، التي احتلت مواقع إلى جنوب وشرق وشمال مدينة دير الزور وهي مستعدة للهجوم، وبالتالي تكتسب السيطرة على الطريق المؤدية إلى دير الزور.

وإذا نجحت الميليشيات الشيعية في مثل هذا الجهد، ستكون الاشتباكات مع العشائر السنيّة المحلية التي لا ترغب في رؤية الميليشيات الشيعية تحتل أراضيها مخيفة. وقد توقّع الأسد هذه الاحتكاكات إلى حدّ ما من خلال الحفاظ على الولاء والحوار مع بعض زعماء العشائر. وآتى هذا النهج بثماره في حالة نواف البشير، رئيس اتحاد "البقارة" النافذ، الذي عاد من منفاه في إسطنبول للعيش في دمشق في كانون الثاني/يناير 2017. و بصفته مؤيداً للنظام في وادي الفرات، يجسّد البشير على نحو مثالي نوع الشخصيات المحلية التي يستطيع النظام تخويلها السلطة بعد الحرب.

وبطبيعة الحال، لدى حلفاء واشنطن في الخليج علاقات مع القبائل العربية المحلية أيضاً ويمكن تفعيل هذه العلاقات، رغم أن مثل هذه الجهود قد تستلزم مبالغ كبيرة من المال ودعم عسكري على الأرض. ومع ذلك، فوفقاً لمقال لديفيد إيغنيشس في صحيفة "واشنطن بوست" في 4 تموز/يوليو 2017، ربما تكون واشنطن وموسكو قد قسّمتا بالفعل وادي الفرات: الرقة للولايات المتحدة ودير الزور لروسيا.

متسع من الوقت لقوات نظام الأسد :

يبدو أن الوضع العسكري الحالي يؤكّد وجود هذه الصفقة بين الولايات المتحدة وروسيا، وهي صفقة لا تعجب نظام الأسد من دون شك، حيث هو يسعى لاستعادة السيطرة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات و"سد الثورة"، والرقة، ما إن يتم تحرير المدينة من قبل «قوّات سوريا الديمقراطية». ومع ذلك، إذا أراد النظام إعادة فرض نفسه في محافظة دير الزور سيحتاج إلى الدعم الجوي الروسي، وسيتعيّن عليه بالتالي الرضوخ لإرادة موسكو. وفي خطوة تظهر استعداد روسيا الواضح لتكون شريكة جدية للولايات المتحدة في سوريا، لم يردّ الكرملين بقوة على إسقاط الأمريكيين لطائرة سورية هدّدت قوات سوريا الديمقراطية قرب الرقة في 18 حزيران/يونيو.

ومن الممكن أن يستعيد نظام الأسد مدينة دير الزور بالكامل في خريف عام 2017 مع إبعاد تنظيم الدولة نحو البوكمال. وتشير الأدلّة إلى أن تنظيم الدولة لن يتمكن من السيطرة على المدينة في حين أن النظام ينحني ولكن لا ينكسر. ومن جهتهم، فإن الثوار الذين تدعمهم الولايات المتحدة لا يتمتّعون بالقوة الكافية لمحاربة تنظيم الدولة والوصول إلى دير الزور، ما يترك المجال أمام قوات النظام لتنفيذ حملتهم بصبر.

( فابريس بالونش، هو أستاذ مشارك ومدير الأبحاث في "جامعة ليون 2"، وزميل زائر في معهد واشنطن )