الجمعة 2016/10/07

يا زعماء العالم .. رفقاً بالطراطير العرب

ليستْ كوميديا مصطنعة أو مشاهد تمثيلية تلك التي تحصل مع رؤساء عرب في المحافل الدولية وقاعات الاجتماعات الدبلوماسية، التي فاقت عالم الكوميديا الساخرة، بل هي صورة حقيقة تعكس أزمة الثقة بالنفس التي يُعاني منها هؤلاء، الذين تسربلوا بالعار وتجلببوا بالدنيئة.

من بشار ابن حافظ إلى حيدر العبادي مروراً بالسيسي وليس انتهاءً بمحمود عباس وغيره من "أشباه الرجال" الذين يبدون في مكان سحيقٍ ومسافة شاسعةٍ عن صفة الرئيس وما يترتب عليها، فمنهم من وجد نفسه رئيسًا ومنهم من وصل إلى الحكم عنوة..

وإذا ما ابتدأنا بآخرهم.. فإننا سنجدُ هالةً من الاحتقار والذل تسربل بها عباس أثناء هلاك السفاح شمعون بيريز، فعلى غير الأجواء التي سادت الشعوب الإسلامية من فرحٍ وسرور بنفوق أبرز وحوش هذا العصر، بدا عباس حزينًا أكثرَ من الصهاينة، متأثراً بموته وجلسَ مطأطًئا رأسه وقد اغرورقت عيناه بالدماء في تعزيته بشمعون، وقد كانتْ في الثلاثين من سبتمبر، وهو التاريخ الذي قَتلَ فيه جيشُ الاحتلال الطفلَ الفلسطيني محمد الدرّة، وهو في حضن والده تحت تصوير الكاميرات من التاريخ نفسه في العام 2000، أي قبل 16 عاماً.

ليس هذا ما يثيرُ السخرية ويكشف مدى امتهان الإسرائيليين لعباس الذي وصفَ بيريز بأنه " شريك صنع السلام" بل إن عباس تقدمَ بطلب رسمي لنتنياهو من أجل السماح له بحضور الجنازة، ولم يدخل إلا بعد أن احتقروه ووفدَهُ وطلبوا دراسةَ ملفاتهم الأمنية، وصَغُرَ عباس في نظر الفلسطينيين والشعوب العربية أكثر عندما عانق وصافح نتنياهو وزوجته قائلا " لقد مضى وقت طويل" .. فبماذا يمكن أن يُوصفَ عباس بعد فعلته تلك!!.

لم تتوقف دوامة الذل التي أحاطت بعباس في أثناء هلاك شمعون، حيث تجاهلَ وزيرُ الخارجية الأمريكي جون كيري ولمرتين مصافحتَهُ عمدًا وقصدا، في مشهدٍ بدا فيه عباس في قمة الوضاعة وفي أعلى درجات الامتهان والخزي، إذ مدَّ يده مرتينِ ثم سحبهما بعد تجاهل كيري وتكبُّرِه عليه، كثيرٌ من الكتاب ومدوّني الفيس قالوا إنَّ عباس بداً محرَجاً، لكنَّ هذا غير صحيح، إذ إنَّ مثل تلك الشخصيات خُلقتْ دون كرامةٍ، ولا تعرف طعمًا سوى طعمِ العبودية والذل.

السيسي هو الآخر الذي تحصل معه مشاهد ساخرة تشبه كوميديا "عادل إمام"، لكنَّ الفرق بين الاثنين، أنَّ عادل إمام يتصنَّع الكوميديا تصنُّعًا، لكنّها عند السيسي طبعٌ تطبَّعَ به، إذ إنه ومنذ انقلب على الشرعية لا يزال يضع نفسه بمواقف محرجة ويُهان ويُحتقر في أي محطةٍ تحطها قدماه .. ، ففي قمة العشرين التي انعقدت مؤخرًا كان السيسي متجاهَلاً من الجميع، لا أحد يكترث لوجوده ، وقد أظهرتْ لغةُ جسده مدى استغرابه، ولم يكنْ يعرفُ ماذا يفعل في هذه الزحمة الدبلوماسية الرفيعة من حوله، وعقب انتهاء اللقطات التذكارية للحاضرين.. هرول السيسي تجاه أوباما منتظرًا مصافحته، بينما كان الأخير يسلم على وزراء ورجال آخرين متجاهلا السيسي الذي ظل يقترب منه لنيل مصافحته، ولم يكسب تلك المصافحة التي يراها رفعةً من قدره، إلا بعدَ أنْ صغَّرَ أوباما من قدره، حيث إنه لم يسلم عليه إلا بعد انتهى من مصافحة الجميع، وأخذ بيده سريعاً ومضى، وهذا واحد من حزمة كبيرة جدا من مشاهد الكوميديا المذلة التي لحقت به في المحافل الدولية..

وليس بأفضل منهما رئيس وزراء حكومة بغداد حيدر العبادي إذ إنه وعلى الرغم من كونه خاتمًا بيد الأمريكيين، فإن أوباما كذلك في العام 2015 في هامش اجتماع الدول السبع في ألمانيا، أدار له ظهره، بينما كان هو يلهث لنيل مصافحته، حيث صوّرت الكاميرات حينها عدم مبالاة أوباما واستخفافه بحيدر العبادي على الرغم من أنه يجلس بمحاذاته، ويُحادِثُ مديرة البنك الدولي كريستين لاغارد، التي كانت تجلس بجانبه الآخر في الوقت نفسه.

وإذا ما انتهينا ببشار فإننا سنلحظ أنه الأكثر بين هؤلاء هشاشة ووضاعة، ويذكر الجميع حين استُدعيَ استدعاءً إلى قاعدة حميميم العسكرية في اللاذقية دون أن يعرف من سيلتقي، وظهر في الفيديو دون مرافقين له بعد أن أقرَّ بعظمة لسانه بأنه متفاجئٌ من زيارة شويغو وزير دفاع روسيا، وبدا في قمة الدهشة، في خللٍ وخرقٍ سافرٍ للبروتوكولات الرئاسية حيث ظهرَ بشار وكأنه موظفٌ لدى الروس.

المواقف التي تُعبّر عن وضاعة الأسد واندثار صفة الرئيس عنه كثيرة جدا ولا يتسع المجال لذكرها، ولكننا سنمر على موقف آخر سريعا، عندنا سافر بشار بشكل سري إلى روسيا في طائرات الشحن دون مرافق، واستُقبلَ بطريقة تختلف جملة وتفصيلاً عن الاستقبالات الرسمية في استقبال الرؤساء، ما يعني أن روسيا نفسها لا تعترف به كرئيسٍ لكنها تستخدمه وتدافع عنه لمصالحها.

الجامعة العربية.. مجلس "العجزة"

وبالعودة إلى بيريز... لم يكن عباس وحده في ميدان التعزية، حيث أوفدت كلٌّ من الأردن والمغرب ومصر وزراء للمشاركة بها، وربما الكثير من الحكام العرب قام بالتعزية سراً، في خيانةٍ كبيرة للشعوب العربية والإسلامية، واعترافٍ ضمني بالكيان الصهيوني الذي قام في الأصل بفضلهم ولتواطئهم، وهم ليسوا إلا بيادق تُحركها أمريكا والغرب خدمةً لبقاء الكيان واستمراريته، وما مجلسُ الجامعة العربية إلا دارٌ للعجزة في الأصعدة كافة؛ سياسياً وعسكرياً وفكرياً ، تلك الجامعة التي لا ترفع رايةً إلا راية السلام والحلول السياسية مهما كان فحش وبطش الجهة المتعدية، ( ما يجري في سورية كمثال)، وأما عن القضية الفلسطينية فإن مجلس الجامعة وعلى مرور السنين الطوال من الهزيمة في العام 1967 ، لم يقدم حتى اللحظة أي مبادرة فعالة لكبح جماح الصهاينة، فالعار إذاً الذي جلبه الحكامُ العرب لشعوبهم لن تغسله سوى ثوراتٍ تطيح بهم وتعيدُ للأمة العربية تاريخَها المشرّف، حين كان يرتعدُ الرومُ من ذكر الخلفاء العباسيين ورسائلهم، كرسالة الغضب الذي أرسلها هارون الرشيد إلى نقفور "كلب الروم" الذي ارتعدتْ فرائصُه بعد أنْ قَدِمَ هارون الرشيد بجيشٍ مزلزلٍ إلى هرقلة قرب القسطنطينية (إسطنبول) ، واضطره إلى الصلح ودفع الجزية صاغراً، أو كرسالة خالد بن الوليد إلى الفرس وفيها "إذا أتاكم كتابي فأسلموا تسلموا، أو اعتقدوا منا الذمّة، وأجيبوا إلى الجزية، وإلاّ والله الذي لا إله إلا هو لأسيرنَّ إليكم بقومٍ يحبّون الموت كما تحبّون الحياة، ويرغبون في الآخرة كما ترغبون في الدُّنيا… والمقام يطول في هذا المجال..

.. فأين الحكام العرب في الوقت الحالي من سيرة الأمة المشرفةِ على مرِّ العصور، لقد أصحبوا الآن في نظر الغرب طراطيرَ لا يقدمون ولا يؤخرون. سيرتُهم حافلة بلعقِ أحذية الغرب في سبيل بقائِهم على كرسيّ الحكم والتشبث بالسلطة التي اضطهدوا وسلبوا بها حقوق شعوبهم، فشتان شتانَ بين هذا وذاك!!