الأحد 2017/10/22

يأبى الأكراد السوريون إلا أن يتّعظوا بأنفسهم !

في الوقت الذي يجّر فيه مسعود بارزاني يوما بعد يوم ذيول الهزيمة والخيبة بعد تخلي حلفائه الغربيين بشكل عام عنه وعن مشروعه الانفصالي الذي أصر على السير فيه رغم تكرار الدعوات للرجوع عنه حتى من الأمريكيين و بدا اليوم مستسلماً،، نجد على الطرف المقابل في سوريا المليشيات الكردية الانفصالية بجميع فروعها تحتفل مزهوة بما تسميه "النصر" في مدينة الرقة وترفع صوراً لزعيم منظمة "ب ك ك" "عبد الله أوجلان" رغم ما يعتري ذلك من حساسيات في الداخل السوري والدول المجاورة ولا سيما تركيا، ثم تتعهد بأن تضم الرقة إلى الحكم الذاتي.

وبغض النظر عن خطورة رفع "قسد" صور "أوجلان التركي" في أراضٍ سورية عربية وما من الممكن أن يجره من حرب أهلية فهي خطوة ليست مفاجئة ويعلم الجميع أن المليشيات تتخذ من محاربة تنظيم الدولة ذريعة لوجودها وتهيئة الأجواء لمشروعها الانفصالي كما في شمال العراق، إلا أن المجريات الأخيرة التي دارت في شمال العراق خلال فترة قصيرة انتزعت بها حكومة العبادي والحشد الطائفي كامل كركوك ومناطق أخرى من سيطرة البيشمركة تشي بأن مصيراً مخيباً للآمال ينتظر المليشيات الكردية في سوريا يدفع بها إلى حفرة عميقة تهوي بها دون أن تجد من يمد لها حبلاً يخرجها من تلك الحفرة، لتندم بعد ذلك يوم لا ينفع الندم على جميع الاحتفالات التي قامت بها في المدن السورية العربية بعد أن طردت منها أهلها وهجرتهم.

يقول مراقبون إن الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لمليشيات "ٌقسد" في سوريا لا يعدو أن يكون في إطار محاربة تنظيم الدولة وقد يكون أقصى ما تقدمه واشنطن للأكراد بسوريا هو إبقاء المناطق التي يسيطرون عليها تحت إدارة "الحكم الذاتي" ، وترغب الإدارة الأمريكية في إبقاء الأكراد ورقة بيدها لمحاربة تنظيم الدولة من جهة، والضغط على تركيا وإيران من جهة أخرى ، ويبدو أن واشنطن تحاول إمساك العصا من المنتصف فهي لا تميل إلى هذا بأكثر مما تميل إلى ذاك، وقد انتقدت على استحياء رفع "قسد" صور أوجلان في الرقة بعد غضب شديد من تركيا، لكنها في الوقت نفسه لن تقطع الدعم عن "قسد" والتنظيمات الكردية على الرغم من تصنيفها لـ "ب ك ك" منظمة إرهابية، أيْ بالمختصر إن الأكراد بسوريا باتوا من حيث علموا أو لم يعلموا حجرة تحركها واشنطن تجاه مصالحها دون أن تعطيهم أكثر مما ترغب هي، ومن المستبعد أن تتخلى واشنطن عن أنقرة في سبيل حلم الأكراد بالدولة المستقلة، لكن كما قلت يبقى الأكراد ورقة ضغط لصالح الأمريكيين بالمنطقة ويبقى المستقبل مرهونا بتبدل الموقف الأمريكي وما له من مصالح.

وإذا كان إقليم شمال العراق الذي بدت فيه الأجواء مهيأة أكثر لحلم الدولة الكردية الذي طال انتظاره كثيراً وقطع شوطاً كبيراً لتحقيقه، فإن أجواء ذلك الحلم في سوريا يلزمها سنين عجاف كي تصل إلى جزء يسير مما وصل إليه الوضع في شمال العراق من اعتراف محلي ودولي بحكومة أربيل ، وعلى الرغم من ذلك فإن برزاني بعدما صعد كثيراً آملاً بمواقف من حلفائه مؤيدةٍ للانفصال ووصل إلى قمة الهرم حينما فاز بنتيجة الاستفتاء نراه هوى سريعا حينما تابع كيف أخذته على حين غِرة يد مليشيات الحشد الطائفي وقوات بغداد الموالية لإيران العدو اللدود "المفترض" لحليفتهم "المفترضة" أمريكا، ولن يكون حال "الأكراد السوريين الانفصاليين" قطعاً بأفضل حالاً من نظرائهم في شمال العراق، بل إن رداء الخذلان والخيبة والانتكاسة سيرتدونه شاؤوا أو أبَوا، لكنهم يصمون آذانهم عن سماع تلك الحقيقة ويغلقون أفئدتهم عن إدراكها ويأبون إلا أن يتجرعوا من نفس كأس الخذلان التي ذاقها أسلافهم من حلفائهم الذين وعدوهم بحلم الدويلة بعد أن استهلكوهم بشريا وأحرقوا شبابهم في معارك ضد أعداء الحلفاء، وليس على الأكراد السوريين سوى انتظار نهاية تنظيم الدولة بشكل كامل ليروا ذلك بأم أعينهم ويتعظوا بأنفسهم بعد أن أغلقوا أعينهم عن الاتعاظ بغيرهم.