الثلاثاء 2018/05/22

“وينعمون بالأمان”.. تقرير مستفز في “وكالة الأنباء الفرنسية” كأنما صيغ بلسان الأسد!

"في محيط الجامع الأموي، يلتقط ابراهيم محرز صورة مع أصدقائه وينشرها على تطبيق انستغرام مرفقة بتعليق "دمشق آمنة.. سوريا بخير" وذلك بعد ساعات من إعلان الجيش طرد تنظيم الدولة الإسلامية من جنوب العاصمة".

بهذه المقدمة افتتحت وكالة الأنباء الفرنسية تقريراً حول دمشق حمل عنوان "سكان دمشق يطوون صفحة الحرب وينعمون بالأمان للمرة الأولى منذ سنوات". وينقل التقرير الذي نشره موقع "فرانس برس" باللغة العربية اليوم الثلاثاء، شهادات لسكان دمشق يعبّرون فيها عن فرحهم "بنهاية الحرب" في دمشق، وينقل كاتب التقرير مشاهد من عاصمة الأمويين تحتفي "بانتصار الأسد".

في واقع الأمر ليس هذا التقرير أول مادة استفزازية تكتبها الصحافة الغربية حول ما يجري في سوريا، وليست هذه المادة فريدة من نوعها لدى وكالة الأنباء الفرنسية التي ما فتئت تمارس "مِهنية الصحافة" حين يتعلق الأمر بمجازر الأسد وحلفائه على مدار ثماني سنوات، بينما لا تجد حرجاً عندما تصبح بقصد أو بلا قصد ناطقة بلسان نظام الأسد!

يبدأ الاستفزاز في مادة "فرانس برس" من العنوان الذي يحمل مغالطات كثيرة وكبيرة، لا يمكن أن تختلف بحال من الأحوال عما يجده القارئ في وسائل الإعلام التابعة لنظام الأسد أو الموالية له.

"سكان دمشق يطوون صفحة الحرب".. فما جرى في سوريا خلال الأعوام المنصرمة لدى وكالة الأنباء الفرنسية ليس ثورة شعبية قتل الأسد مليون سوري ليقمعها، بل إن ما كان هو مجرد "حرب"، بما تحمله هذه الكلمة من دلالات تشير إلى وجود جيشين متكافئين يتصارعان على السلطة، ولا علاقة للشعب نهائياً بما يجري.

"وينعمون للأمان" .. في هاتين الكلمتين تختصر الوكالة الفرنسية حكاية السوريين مع أشد الأنظمة إجراماً وقذارة في تاريخ البشرية، إذ إن الأسد الأب ومن بعده الابن طالما ساوم السوريين على معادلة عنوانها "الأمن مقابل الحرية"، وأمام هذه المعادلة حرم نظام الأسد السوريين من أبسط حقوقهم مقابل الحصول على "نعمة الأمان"، وفي الوقت الذي خرجوا ضده يطلبون أبسط حقوقهم، حاربهم على تلك "النعمة"، وساعده كل من أصدقائه وأعدائه ليجعل "الثورة" في أعين بعض السوريين نقمة حرمتهم "الأمن والأمان".

لو كانت وكالة فرانس برس مهنية بالفعل لوجب عليها أن تعتذر قبل كل شيء عن هذه الكلمة في عنوانها المستفز وتقريرها الكاذب، الذي حمَّل بطريقة خبيثة جماعات المعارضة مسؤولية "فقدان الأمان" في دمشق وريفها، وأشار بأسلوب قذر جداً إلى أن قوات الأسد هي التي أعادت الحياة لسكان العاصمة وجعلتهم "يُولدون من جديد".

في تقريرها المستفز كشفت وكالة "فرانس برس " وجه الغرب الحقيقي في التعامل مع الثورة السورية، إذ يعجب المرء كيف تكون فرنسا إحدى الدول الصقور التي تطالب منذ 2011 برحيل بشار الأسد، بينما تقوم وكالة أنبائها الرسمية بتلميعه وتزيين نظامه عبر تقاريرها ومصطلحاتها وتغطياتها بل وخرائطها، إذ لا يمكن نسيان خريطة لمدينة حلب نشرتها "اف ب " وضعت فيها ايم "تنظيم الدولة" داخل المدينة في تبرير وقح لما كان يقوم به الأسد وروسيا آنذاك من مجازر وجرائم حرب.

في التقرير الكارثي يَظهر المدنيون في دمشق -ويُفترَض أنه عيّنة عن مواطني سوريا-، وهم يمجّدون انتصار بشار الأسد على "الإرهاب"، ويتنفسون الصعداء من "حرب" لم يكونوا أبداً طرفاً أساسياً فيها حين ثاروا بوجه خمسين عاماً من حكم آل الأسد، التقرير يزيف الحقيقة ويلتف على الواقع، ويتغاضى عن أن هذه "الحرب" -إذا صحّت تسميتُها بالحرب- قتل فيها بشار الأسد مليون شخص ليبقى على كرسي الحكم، ودمَّر فيها المدن التي ثارت عليه، وتسبب بفرار نحو 10 ملايين من ديارهم، أكثر من 6 ملايين منهم لاجئون في دول الشتات.

(( ويوضح الشاب الجامعي بفخر "بات بإمكانك الآن التوجّه من دمشق إلى ريفها، ومنه إلى حمص (وسط)، مروراً بحماه إذا أردت، والعودة إلى طرطوس وصولاً الى اللاذقية غرباً، دون أن تكون هناك أي خشية أو خوف من الإرهابيين" .. ومع بث احدى القنوات التلفزيونية المحلية أغان وطنية مؤيدة للجيش، يسارع خليل الى رفع الصوت. ويقول ممازحاً "الاستيقاظ على الأغاني الوطنية بكل تأكيد أفضل حالاً من الاستيقاظ على أصوات القصف والانفجارات". )).

هكذا تصور "فرانس برس" لقرائها الأوضاع في سوريا، وتروّج "لانتصار الأسد"، وهكذا تزور الحقائق بوقاحة منقطعة النظير، دون الحديث ولو إشارةً إلى أن دمشق التي جعلتها نموذجاً "لنهاية الحرب"، شهدت أكثر من مرة مجازر استخدم فيها الأسد السلاح الكيماوي عندما عجز عن التقدم في بلداتها، كما لم تشر "فرانس برس" إلى أنّ ثمن "انتصار الأسد" هو حرب إبادة شنها على الشعب السوري، وتغيير ديمغرافي عاقب به النظام وحلفاؤه سكان المدن الثائرة، حتى إن السكان الأصليين لدمشق "الهادئة اليوم" لم يعودوا فيها، بل نقلتهم حافلات التهجير القسري إلى مناطق أخرى، وهذا بحد ذاته طعنة في تقرير الوكالة الفرنسية، التي لا ندري بالضبط هويات الشهود الذين أدلوا لها بتصريحات وشهادات..هل هم سكان دمشق فعلاً ؟؟