السبت 2018/04/21

وصول اليمين المتطرف للسلطة بأوروبا .. تكريس للإسلاموفوبيا والاستبداد

رغم أن معظم الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة لا تزال جزءا من المعارضة، إلا أن بعضها اكتسب نفوذاً كبيراً يضاهي نفوذ الأحزاب الحاكمة، كما هي الحال في النمسا، وبلغاريا، وفنلندا.

والأكثر من ذلك، أن سياسة اليمين المتطرف باتت تحظى بتقدير واسع، حتى بين أحزاب يمين الوسط وأحزاب يسار الوسط.

ومن الأمثلة الحديثة على ذلك حزب "فيدز" المجري (يتزعمه رئيس الوزراء فيكتور أوربان)، الذي ينتمي إلى حزب الشعب الأوروبي ويمثل أحزاب يمين الوسط الديمقراطية المسيحية.

وربما تكون بعض أحزاب يمين الوسط بمثابة واجهة أخرى لسياسات اليمين المتطرف.

وينتمي إلى حزب الشعب الأوروبي أيضا "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" الذي تتزعمه المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل.

وباتت تلك الأحزاب اليمينية تسعى نحو تعميم سياساتها المتطرفة العنصرية على المجتمع، ومثال ذلك التحرك الأخير من جانب اليمين المتطرف في النمسا لفرض حظر الحجاب على التلميذات المسلمات، بدءا من مرحلة الروضة حتى نهاية مرحلة الدراسة الابتدائية.

ومن الواضح أن هذا لا يمثل في ظاهره قضية كبيرة، لأن التلميذات المسلمات عادة في تلك السن لا يرتدين الحجاب على أي حال.

لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن اليمين المتطرف يحاول السير على خطى تدريجيه لتنفيذ اتجاهاته العنصرية، وسط مطالبات بتوسيع الحظر ليشمل من هن في سن الرابعة عشرة.

وبعد ذلك بفترة وجيزة، بدأ أعضاء في الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني مناقشة هذا الاقتراح الذي تتردد أصداؤه في النمسا.

وتحاول الحكومة النمساوية الترويج لتلك السياسات ضمن إطار "قانون حماية الطفل"، مدعية حماية الفتيات الصغيرات من "الإسلام السياسي".

وتضمر هذه التحركات معان مفادها أن سلطة الرجل المسلم تشتمل على استخدام القوة والعنف، والادعاء بأن تلك السياسات تستهدف حماية المرأة المسلمة من ذلك العنف المزعوم.

من جهته، أوضح وزير التعليم النمساوي، هاينز فاسمان، أن هذه الخطوة الأخيرة كانت "عملاً رمزيًا" لحماية الثقافة النمساوية.

وربما كان ذلك يعكس في باطنه أيضا نظرة عالمية تتعلق بالحفاظ على "سيطرة العرق الأبيض" على أوروبا والغرب، من خلال إصدار تشريعات ترمي إلى إضفاء رؤية موحدة على مجتمع متنوع.

وبرر المستشار النمساوي سيباستيان كورتس، وهو المستشار الأول والوحيد الذي لديه صليب في مكتبه، تلك المساعي قائلا: "هدفنا هو مواجهة أي تطور للمجتمعات الموازية في النمسا".

وبينما لا يعد معظم المسلمين جزءا لا يتجزأ من النخبة في معظم الدول الأوروبية، ويمثلون طبقة اجتماعية مهمشة، فإن هذا يعكس بشكل أساسي مخاوف الطبقة الحاكمة ذات الصلة بضمان "التفوق الأبيض".

وكان ذلك أيضا هو الدافع الأكثر أهمية وراء قيام النمسا فعليا بحظر الحجاب على النساء العاملات في الشرطة والنيابة والمحاماة بالمحاكم العام الماضي.

والسبب في عدم تنفيذ مثل تلك اللوائح قبل نحو 40 عاما على سبيل المثال، أن النساء المسلمات في ذلك الوقت كن يدخلن منشآت وزارة العدل لتنظيف الأسطح والأرضيات فقط، لكن الآن أصبح الجيل الجديد من المسلمات لديهن الرغبة في دخولها كخبيرات في القانون.

وبالتالي، فإن هذه المبادرات السياسية تتحدث لغة لا لبس فيها مفادها أن "المساواة لا تشمل كل مواطن بعد الآن".

وهذا يذكرنا بالنسخ القديمة من الديمقراطيات، حيث كان المواطن هو ذلك الرجل الأبيض الأرستقراطي، مع استثناء النساء والعبيد وكثير غيرهم.

ومن أجل أن يعم مبدأ المساواة كأساس للديمقراطية يجب أن يضمن المعاملة المتساوية لجميع المواطنين - ليس فقط بحكم الواقع بل أيضاً بحكم القانون.

ومع ذلك يمكن في العديد من البلدان الأوروبية الطعن على هذه القوانين في المحاكم، إلا أن الأمر يعتمد على قدرة الأقلية المتأثرة على الحشد والتعبئة.

ومثل هذه التشريعات المثيرة للجدل، مثل حظر المآذن، تعد جزءا من الدستور في سويسرا على سبيل المثال، وتظل المفارقة هنا في التمييز في المعاملة بين أطياف المجتمع الواحد على أساس عنصري قائم على الدين.

ويقول دانيال بايبس، أحد رموز ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، وهو جزء من شبكة الإسلاموفوبيا المنظمة في الولايات المتحدة، إنه "لأول مرة في أوروبا الغربية، وصلت حكومة إلى السلطة تدعو إلى سياسات مناهضة للهجرة ومعادية للإسلام".

وأكد بدوره الفكرة التآمرية التي تزعم أنّ "المسلمين طابور خامس يريدون تغيير المشهد الاجتماعي وأسلمة الغرب بهدف إقامة نظام سياسي فاشي جديد".

أخيرا، تعد إحدى الوظائف الرئيسية لهذه الشعوبية المعادية للإسلام هي تحويل الانتباه عن القضايا السياسية الحقيقية، مثل إصلاحات الرعاية الصحية في النمسا التي ستؤثر في المقام الأول على الفقراء.

وتؤدي التغييرات في العلاقة بين الدولة والمواطن إلى سياسات تعكس في جوهرها تحركًا نحو مزيد من الاستبداد.


المصدر : الأناضول