الأثنين 2019/05/20

هل ينهي ثوار الشمال السوري سرطان “دبيب النمل”؟

منذ نهايات نيسان المنصرم، ومطلِع أيار الجاري، أطلق نظام الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون حملة عسكرية جوية ثم برية في الشمال السوري المحرر، وأسفر التصعيد عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين، وتهجير نحو 150 ألفاً من منازلهم باتجاه الحدود السورية التركية.

الإدانات الدولية للتصعيد الأخير لم تكن كسابقاتها في حلب والغوطة مثلاً، وبدا واضحاً أن ما يهم الغرب هو عدم حدوث موجة نزوح كبيرة قد تجبر تركيا على فتح حدودها نحو القارة العجوز، وباستثناء التنديد الخجول في مجلس الأمن للولايات المتحدة وبريطانيا ضد نظام وروسيا، يحسب المتابع أن مئات الغارات الجوية وأطنان القنابل التي ضربت قرى وبلدات في شمال حماة وجنوب إدلب، هي مجرد عرض تمثيلي لا يستحق أي اهتمام.

تركيا أدانت التصعيد بطبيعة الحال، لاعتبارات عدة، أهمها أنها أحد "الضامنين الثلاثة" في أستانا، وكذلك خشيتها من موجة نزوح تدخل حدودها عنوة أمام الضغط العسكري للنظام.

الأيام الأخيرة من عمر الحملة الأسدية حملت تطورات تفيد بتوقف القصف فعلياً في مناطق جنوب إدلب وشمال حماة، لتبقى بعض الاشتباكات والقصف العنيف في محور "كبانة" بريف اللاذقية الشمالية، وهو محور استراتيجي بطبيعة الحال، إذ تعد "كبانة" من أعلى المناطق في الساحل السوري، وتضمن السيطرة عليها الإشراف على مناطق سهل الغاب في ريف حماة ومناطق أريحا"  و"جسر الشغور" في ريف إدلب.

"الجبهة الوطنية للتحرير" رفضت عرضاً روسياً دعا إلى وقف إطلاق النار بين الجانبين، وقالت الجبهة إن أي حديث عن إطلاق النار مرتبط بانسحاب قوات الأسد من المناطق التي سيطرت عليها في الحملة الأخيرة.

عملية عسكرية محدودة:

روسيا خاطبت اللاعبين الدوليين في الملف السوري منذ بدايات الحملة بأنها جزئية غير شاملة، وبأنها مؤقتة، ما يعني أن قوات الأسد وحلفائه لم تقصد بطبيعة الحال الهجوم الشامل على محافظة إدلب، ولا يتسنى لها ذلك أصلاً لعدة اعتبارات:

1- روسيا تريد بالتأكيد السيطرة الفعلية على أجزاء جديدة من سوريا الخارجة عن سيطرة الأسد، غير أن ملف إدلب يحتّم عليها التعامل بحذر مع العامل الإنساني الحسّاس، فأيّ عملية عسكرية واسعة ستدفع بنحو 3 ملايين مدني يعيشون في إدلب إلى التوجّه نحو الحدود التركية، وأمام عجز أنقرة عن تحمل تبعات هذا الرقم، فإنها ستكون مضطرة لفتح حدودها نحو أوروبا، ما يعني حدوث أزمة قد تفوق ما حصل مع بدايات التدخل الروسي عام 2015.

2- تهالك قوات ومليشيات الأسد لا يسمح بفتح جبهات تشمل ثلاث محافظات "حلب، إدلب، حماة"، فإن العقوبات المفروضة على إيران ساهمت بشكل فعلي في تقليل فاعلية مليشياتها في سوريا، وعلى رأسها "حزب الله" الذي بدا من أشد المتضررين بالعقوبات، ما دفعه إلى إنقاص عدد قواته في سوريا.

القوات الجوية الروسية لا تستطيع فعل شيء في حال عدم وجود قوات برية قادرة على مواجهة الآلاف من مقاتلي هيئة تحرير الشام، بالإضافة إلى فصائل الجيش الحر التي رفضت التسوية في مناطق حمص وريف دمشق ودرعا ومناطق أخرى، واختارت المقاومة حتى النهاية في إدلب.

   3- تختار روسيا مؤخراً نمط الضربات المكثفة المتواصلة لأيام، ثم إعلان إيقاف التصعيد، كي تضمن هروبها وتخلصها من سيل انتقادات دولية قد يلاحقها في مجلس الأمن وسواه، فهي تضمن بهذا الأسلوب تقدم قوات حليفها في أراضٍ محروقة، وفي نفس الوقت تسوّق لنفسها أنها استجابت للدعوات الإنسانية وأوقفت القصف والتصعيد.

 استراتيجية "دبيب النمل":

لماذا تقوم روسيا ومن ورائها مليشيات الأسد وإيران بعمليات كبرى في إدلب مع وجود العوامل السابقة الذكر؟

اختار تحالف الأسد منذ سنوات استراتيجية معينة في المناطق التي يصعب عليه استرجاعُها، أطلق عليها  استراتيجية "دبيب النمل" والاستنزاف، إذ تقوم قوات الأسد بقضم القرى والبلدات المحررة على دفعات وخلال حملات متعددة، وقد يفصل بين الحملة والأخرى شهور مديدة، يثبّت فيها النظام وجوده بما سيطر عليه فعلياً، ثم يعد العدة للحملة التالية. الوقت بالنسبة إليه لا يعني شيئاً، طالما أن المجتمع الدولي أعطاه الرخصة العامة في القتل والتدمير، غير أن رخصة الاجتياح الكامل لإدلب فيها مخاطر عليه وعلى المجتمع الدولي كذلك، فكانت "دبيب النمل" الطريقة المثلى لأكل المناطق المحررة لقمة لقمة، ثم الانقضاض بكل قوة على المناطق التي تُحصَر فيها المعارضة.

ما الذي يتوجب على الثوار فعله حالياً؟

بالنظر إلى المعطيات السابقة لا يمكن القول إن حملة النظام الأخيرة فشلت، فقد ضمنت له السيطرة الفعلية على عدد كبير من القرى والبلدات المحررة في ريف حماة الشمالي.. كفرنبودة وقلعة المضيق والحويز وسواها.. لعل هذه الأسماء كانت معدّة مسبقاً كأهداف للحملة، وكل ما يأتي بعدها مكسب إضافي، غير أن توحد الفصائل المقاتلة في خندق واحد، وصمودها أمام مئات الضربات الجوية الروسية، جعل روسيا تخشى من هجمات مضادة في مناطق الأسد، ما دفعها إلى إرسال طلب للثوار بوقف إطلاق النار، وحين كان رد الثوار الرفض قالت إن النظام سينفذ وقف النار من جانب واحد.

معسكر الأسد يخشى اليوم من ارتفاع المعنويات في الشمال المحرر، ويخشى من معركة كبرى تقلب الطاولة على مليشيات الأسد، قد يصل الثوار فيها إلى حاضنات النظام في ريفي حماة واللاذقية.. فهل يكتفي الثوار بوقف النار ويعترفون بخسارة ما خسروه مؤخراً، وهذا ما يحمل نتائج بعيدة لا تحمد عقباها. أم إنهم سيقلبون موازين روسيا والأسد، ويجهدون لاستعادة كفرنبودة وأخواتها،  ويجعلون من "دبيب النمل" ذكرى سيئة في سجلات معارك الثورة السورية؟!

 منذ بدايات الثورة السورية، عمل نظام الأسد على اتخاذ عامل الوقت سلاحاً يحقق له مزيداً من فرص البقاء، مستغلاً تراخيَ المجتمع الدولي في لجم جرائمه ضد السوريين وممارساته المنافية لكل شرائع حقوق الإنسان. عامل الوقت أتاح للأسد فعلياً الصمود أكثر من ثماني سنوات على الرغم من إدانته بارتكاب عشرات جرائم الحرب.