الأثنين 2019/11/25

هل يقبل السوريون في الخارج بالعودة إلى “المنطقة الآمنة”؟

كثيرة هي المطالب الداعية لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، لكنها كانت تفتقر إلى الأرضية التي تهيئ ظروف تلك العودة، ومن أكثر الظروف التي كانت تشكل عائقاً أمام عودة السوريين بقاء نظام الأسد على سدة الحكم واستمراره في سياسة التنكيل وسحق معارضيه، ولعل مناطق "التسويات" خير مثال على عدم تغيير نظام الأسد من العقلية الأمنية القمعية التي يتخذها ضد شعبه.

ذلك الواقع تدركه الدول المستضيفة للاجئين السوريين وفي مقدمتها تركيا، ولذلك كانت تطالب خلال سنوات طويلة الدول الغربية بإنشاء منطقة آمنة لا مكان للأسد فيها، تتيح عودة آمنة للاجئين السوريين في أراضيها وفي دول اللجوء عموماً.

الطموح التركي ظل سراباً حتى تشرين الأول من العام 2019 بعد إطلاق عملية "نبع السلام"، ففي هذه العملية العسكرية بدأت ملامح المنطقة الآمنة بالظهور، وهي من حيث المساحة الجغرافية وإن لم تكن كما كانت ترغب تركيا؛ فإنها تعد مقبولة ويمكن إسكان أكثر من مليون لاجئ فيها إن توافرت الظروف المواتية، فهي تمتد على مساحة أكثر من مئة كيلو متر وبعمق 30 كم على طول المساحة بين مدينتي رأس العين شمالي الحسكة وتل أبيض شمالي الرقة، في حين كانت ترغب تركيا بأن تكون من عين العرب وصولاً إلى المالكية في أقصى الحدود السورية التركية شرقاً.

لكن وإن كانت الشريحة الأكبر من السوريين لا ترغب بالعودة إلى "حظيرة الأسد"، فإن شريحة أخرى منهم لا يستهان بعددها ترغب بالعودة إلى سوريا إلى منطقة لا مكان للأسد ومليشياته فيها.

المنطقة الآمنة في شمال شرق سوريا تعد بالنسبة للكثيرين الطموح الكبير في إنهاء مأساة اللجوء في دول الجوار، لكن الكثير منهم ينظر إليها في ظروفها الراهنة بعيدة كل البعد عن الأمن، الأمر الذي يقلل من فرص قبولهم بالعودة في حال كانت طوعية لمن يعيش منهم في تركيا، خاصة أن تركيا تحتضن ما يقارب 3.5 مليون لاجئ سوري، وقد صرحت أكثر من مرة بأنها ترغب في أن تعيد إلى المنطقة الآمنة ما يقارب مليون لاجئ، وقد طالبت الاتحاد الأوروبي بدعم تلك المنطقة، وهدد الرئيس التركي بفتح أبواب اللجوء إلى أوروبا إن لم يتم دعم تركيا في ملف اللاجئين.

"عبد الرحيم" لاجئ سوري من منطقة تل أبيض يقيم في تركيا منذ أكثر من 4 سنوات قال لدى سؤالنا له عن إمكانية عودته إلى مدينته بعد سيطرة الجيش الحر عليها إنه لا يفكر بالعودة في الوقت الراهن، وأرجع السبب في ذلك إلى التفجيرات التي تضرب المنطقة بين الفينة والأخرى، وسط عجز من الفصائل المدعومة من قبل الجيش التركي في ضبط الأمن في هذه المنطقة.

أما "ليث" وهو لاجئ سوري أيضاً في تركيا وأحد أبناء مدينة الباب في ريف حلب الشرقي والتي سيطر عليها الجيش الحر بدعم تركي منذ العام 2016 قال لدى سؤالنا له عن سبب عدم عودته إلى مدينته، رغم مرور كل تلك السنوات على طرد تنظيم الدولة منها إن الوضع الأمني أكثر ما يؤرقه للعودة، يقول: " سألت أصدقائي وأقربائي وقالولي لا ترجع. خليك بتركيا تشتغل وتعيش بأمن. هون ما في أمن. ممكن بأي لحظة تفجر سيارة أو ميتور مفخخ".

ويُرجِعُ "عمر" (لاجئ آخر من دمشق يعيش في تركيا) أسباب عدم رغبته بالعودة لسوريا إلى الوضع الاقتصادي المنهار في سوريا مع انهيار الليرة، يقول "إذا رجعت بشو بدي أشتغل وأديش ممكن طلع بآخر الشهر، الوضع بسوريا من سيء لأسوأ. والليرة رح توصل للألف، بظل بشتغل بتركيا ومتلي متل الناس يلي هون".

منطقة عملية "نبع السلام" شهدت منذ سيطرة الجيش الوطني السوري على مدن عدة فيها تفجيرات دامية أوقعت عشرات الضحايا المدنيين، ومثل هذا الحال ينطبق على منطقي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، واللتان تشهدان بين الفينة والأخرى تفجيرات دموية بواسطة دراجات وسيارات ملغمة، يرجح ضلوع عناصر من مليشيا "قسد" بها.

ومن خلال متابعة التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي غداة أي تفجير يحصل فإن الشريحة الأكبر من السوريين في الخارج باتت تنظر إلى المنطقة الآمنة بعدم الارتياح، وتطالب أولاً بضبط الأمن كي تكون العودة متاحة، فبدون ضبط الأمن لن يكون هناك أي ما يشجع لتلك العودة، لاسيما أن السوريين لجؤوا بحثاً عن الأمن، فكيف يهربون من الأمن الذي لجؤوا إليه إلى عدم الأمن الذي فروا بسببه ودفعوا ربما كل ما يملكون للوصول إلى تركيا أو أي دولة لجوء أخرى ؟ .

لذا فإن أمام تركيا مهمة ليست بالسهلة لإقناع اللاجئين السوريين بالعودة إلى المنطقة الآمنة المرتقبة، فشرط تحقيق الأمن فيها على المدى القريب والبعيد أساسي لا يقل عن أهمية توافر الظروف الاقتصادية المهمة للكثيرين أيضاً، فكيف لشخص أن يعيش آمناً في منطقة تضربها التفجيرات الدامية في كل ليلة وضحاها ؟.