الخميس 2019/01/03

هل يتفكك “التحالف الدولي” إن غادرت واشنطن سوريا؟

منذ إعلان الرئيس الأمريكي قرار مغادرة القوات الأمريكية سوريا خلال الشهور المقبلة، كانت فرنسا (العضو في التحالف الدولي) من أكثر الرافضين والمستنكرين لقرار الانسحاب الأمريكي.

تصريحات عدة أُطلقتْ من مسؤولين فرنسيين أكدت أن فرنسا ستواصل مهمتها في سوريا، وأن السبب الذي دفع باريس للتدخل لم ينتهِ بعدُ، وهو محاربة تنظيم الدولة، آخر تلك التصريحات كان على لسان وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي التي ذكرت في كلمة من قاعدة "إتش 5 " الجوية بالأردن أن "العمليات بسوريا ستتواصل وأن القرار الأمريكي أحادي الجانب ولا يزال قيد المناقشة".

كثُرت التساؤلات بعد الموقف الفرنسي عن الدور الذي ستتولاه باريس بعد الانسحاب الأمريكي، فبينما يرى البعض أن التحالف الدولي سينفرط عقده في حال غادرت واشنطن، تشير تصريحاتُ المسؤولين الفرنسيين إلى نية باريس توسيع دورها في سوريا، وقد التقى وفد من مليشيا "ب ي د" بمسؤولين فرنسيين في الإليزيه بعد أقل من يوم من قرار ترامب بدعوة كانت من باريس، وجرى خلال المباحثات التأكيد أن باريس ستقوم بدعم "ب ي د" وترفض العمليات العسكرية ضدها بدعوى جهود محاربة تنظيم الدولة.

تمتلك فرنسا قاعدة عسكرية في ريف الرقة وعدد جنودها يقدر بمئتين، أي إنه لا يشكل عشرة بالمئة من عدد القوات الأمريكية في سوريا، شاركت القوات الفرنسية في دعم المليشيات الكردية وتقديم الاستشارات لها في المعارك ضد التنظيم، كما قصفت المدفعية الفرنسية مواقع لتنظيم الدولة في الآونة الأخيرة شرق دير الزور، وتقول مصادر محلية إن القوات الفرنسية ونظيرتها البريطانية عززت وجودها شرق دير الزور بعد قرار الانسحاب الأمريكي.

عن موضوع استمرارية التحالف الدولي بعملياته في سوريا بعد الانسحاب الأمريكي يقول الخبير العسكري والاستراتيجي العقيد "فايز الأسمر" في حديث مع الجسر إن "فرنسا بالمُطلق لا تستطيع سد الفراغ لا جوياً ولا على الأرض، فهي لا تريد ذلك، وعملياً هي لا تملك أكثرُ من 200 جندي وبحماية أمريكية موزعين في القواعد الأمريكية"، ويشير "الأسمر" إلى أن "مساعدة باريس اللوجستية بالإمدادات لـ "ب ي د"، لا يمكن أن يحميها بالمطلق من تركيا أو النظام إن انسحبت واشنطن من الميدان الذي يتطلع إليه الكثيرون لتحقيق أهدافهم، وأقصد النظام وإيران وروسيا وتركيا".

تركيا بالفعل كانت ردت على الحراك الفرنسي حول دعم "ب ي د" بالقول إن ذلك غير مفيد لا لباريس ولا للمليشيات الكردية وتوعدت بأنها ستُنهي وجود المليشيات الكردية، حصلت تحركات عسكرية للجيش الحر والجيش التركي في محيط منبج قبل أيام، والجميع ظن أن أوانَ المعركة قد آن، غير أن ذلك لم يحصل حتى الآن، وسط أنباء أُشيعتْ عن مباحثات بين فرنسا وتركيا وروسيا والولايات المتحدة لتولية "قوات النخبة" التابعة لـ "أحمد الجربا" مهمة الانتشار بمناطق شرق الفرات بعد الانسحاب الأمريكي، كما تناقل آخرون أنباء عن مباحثات أخرى لتحلّ قوات إماراتية مصرية محل القوات الأمريكية بحماية جوية من التحالف الدولي، كل ذلك يأتي وسط أخبار تناقلتها الصحف الأمريكية (منها نيويورك تايمز) بأن عملية الانسحاب الأمريكي ستكون بطيئة ولمدة 4 أشهر دون ذكر الأسباب.

يقول العقيد "فايز الأسمر" عن هذا الموضوع: "مغادرة القوات الامريكية ستكون بطيئة ومرحلية والسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام قال إن ترامب يتفهم أن 3 أمور يجب أن تتحقق بالانسحاب، وهي: أولاً ضمان هزيمة تنظيم الدولة نهائياً، وثانياً عدم ملء الفراغ من قبل إيران وهو حسب ما تريد إسرائيل، وثالثاً تأمين حماية شركائهم "قسد" والأكراد، ويشدد المحلل الاستراتيجي على أنه يتصور "أن الأمر لن ينتهي بهزيمة تنظيم الدولة لأن الهدفين الآخرين لم يتم تحقيقهما، وبالتالي أعتقدُ أن ترامب لديه مفاجآت أخرى ربما يؤجل أيضاً انسحابه ثانية حتى تحقيق تلك الأهداف أو من يقوم بالوكالة عنه وأقصد تركيا، أو قوات عربية مصرية وإماراتية وبدعم جوي وحماية من واشنطن، كما تسرب من موقع ديبكا الإسرائيلي، ما يعني أن الامور لاتزال ضبابية في المواقف شرق الفرات وهناك أشياء تتم تحت الطاولة ستظهر في قادم الأيام".

الجذير بالذكر أن موقف باريس تتوافق فيه مع دول أوروبية أخرى مشارِكة في التحالف الدولي رأت أن محاربة تنظيم الدولة يجب أن تستمر، ما يشير إلى احتمالية بقاء التحالف الدولي، عزَّز ذلك تصريح لترامب قال فيه إن واشنطن ستحمي الأكراد بعد انسحابها من سوريا، وهذا ما يعيد المشكلة بالنسبة لتركيا إلى مربعها الأول، ويعطي دلالة بأن الوضع قد يبقى على ما هو عليه خاصة في شرق الفرات الذي بات محل أنظار أطراف دولية وإقليمية عدة، في وقت تجد فيه واشنطن أن مكاسبها بقيت على حالها بتمويل مالي أقل وبدون وجود يُذكر على الأرض... فما شكل الصفقة المرتقبة شرق الفرات وهل سترضي جميع الأطراف؟ ..  لا أحد يستطيع الفصل في هذا الأمر حتى الآن خاصة مع منع الولايات المتحدة قوات نظام الأسد وروسيا من التقدم في منبج وشرق الفرات بأساليب عدة منها ضربات جوية استهدفت قوات الأسد غرب دير الزور خلال محاولة إصلاح جسر للعبور للضفة الثانية، بالتزامن مع عدم إعطاء الأمريكيين لتركيا الضوء الأخضر لشن عملياتها العسكرية ضد "ب ي د".