الأثنين 2018/12/17

هل يبصر الأسد بـ “بشير” اليوم؟

عاصفة من ردود الفعل الغاضبة أثارتها زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق، وكانت أول زيارة لزعيم عربي يصافح بشار الأسد منذ اندلاع الثورة السورية.

بعيداً عن الأصوات التي تقول إن "البشير" متهم بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية في دارفور وهو مجرم التقى بمجرم آخر لا يبالي بالمنظور الإنساني والتضحيات التي قدمها السوريون، بل لنطلعْ على توقيت الزيارة الذي يعطي دلالة مؤكدة بأن البشير لم يأتِ من تلقاء نفسه لكسر العزلة المفترضة عن نظام الأسد بل كان مبتعثاً من قِبل آخرين، والدليل الأجواء التي سبقت الزيارة، منها وليس كلها؛ دعوة البرلمان العربي بحسب ما ذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" قبل يومين الجامعةَ العربية إلى إعادة مقعد سوريا (نظام الأسد) إلى الجامعة، وزيارة البرلمانيين الأردنيين إلى دمشق ولقائهم بالأسد الذي أشاد بدوره بالزيارة وبعث رسالة للملك الأردني، وزيارة نقيب الصحفيين التونسيين ولقائه ببشار الأسد، وتصريح نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله بأن علاقة بلاده مع نظام الأسد "ليست مقطوعة"، بل "مجمدة"، إضافة إلى اعتزام الإمارات إعادة فتح سفارتها في دمشق بحسب ما ذكر النائب اللبناني "عبد الرحيم مراد" نقلاً عن مسؤولين إماراتيين، والمصافحة الحارة بين وزير خارجية نظام الأسد وليد المعلم ونظيره البحريني خالد بن حمد، ثم غياب أي تصريح عربي وخاصة خليجي حول ضرورة رحيل الأسد.

لكن مَن هم الآخرون الذين أرسلوا البشير حاملاً رسالةً إلى الأسد؟

إذا ما نظرنا إلى واقع البشير ولمن يتبع، سنجد أنه رجل متعدّد الولاءات ومتقلّب المواقف وفق ما تقتضي المصلحة، فهو مقرّب من خصوم وحلفاء بالوقت ذاته، يقاتل مع التحالف العسكري بقيادة السعودية باليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران، وفي نفس الوقت يعيد العلاقات مع الأسد الذي بقي بفضل الدعم الإيراني، يذهب بنا هذا الأسلوب المتخبط إلى سعودية ابن سلمان، فهو الذي انتهج قبل فترة ليست بالطويلة نهجاً مماثلاً لنهج البشير، حينما دعا الأسد إلى الابتعاد عن إيران في مقابل إعادة العلاقات معه وإعادة الإعمار، وذلك بحسب الكثير من المصادر التي ذكرت أن الأسد رفض عرضاً سعودياً بمثابة المقايضة، الأمر الذي يشير إلى أن البشير على الأغلب مبتعثٌ من قبل السعودية التي انقبلت انقلاباً تاماً على الثورة السورية، وغيرت بوصلتها من دعم الثورة إلى محاربتها خاصة مع المنحى الأخير الذي اتبعته في دعم المليشيات الكردية شمال شرق سوريا والحديث عن أنها أرسلت أو سترسل إلى جانب الإمارات قوات عسكرية إلى هناك.

هناك وجهة نظر أخرى تقول إن روسيا هي من يرتّب مثل تلك اللقاءات، خاصة أن البشير زار دمشق على متن طائرة روسية، وموسكو تريد كسر العزلة عن الأسد وإعادة  الوضع طبيعياً لأهداف متعددة تتمحور حول إعادة إنتاج الأسد، لكن أيا تكن وجهات النظر فإن الثابت أن البشير جاء ليشق الطريق إلى نظرائه العرب الذين يجد بعضهم حرجاً في عودة العلاقات مع الأسد، خاصة هؤلاء الذين كانت لهم تصريحات حادة ومواقف سلبية ضد الأسد، ما يعني أن الرئيس المحتمل للزيارات المرتقبة سيكون واحداً من التابعين للنظام السعودي، مثل السيسي وحفتر تمهيداً لزيارات على مستوى أعلى من بقية الزعماء العرب، على غرار الزيارات الثلاث التي قام بها رؤساء تابعون للنظام الروسي في الجمهوريات التي تحلتها أو تهمين عليها روسيا، لكن إن كان البشير في زمن "يوسف" عليه السلام ألقى القميص على وجه "يعقوب" فارتد بصيراً، فهل يبصر من قتل مليون سوري ببشير اليوم ؟ اسألوا هذا للشعب السوري..