الثلاثاء 2019/04/09

هل تندلع الحرب بين واشنطن وطهران بعد تصنيف الحرس “منظمة إرهابية”؟

كان تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية للحرس الثوري "منظمة إرهابية" أولى خطوة من نوعها؛ خطوة تبدو في "الظاهر" تصعيدية تهمدُ لمزيد من الضغط على النظام الإيراني وعزله، وعزل كل الدول والكيانات التي تتعامل معه، بهدف إجباره على الرضوخ، والقبول بما قبل به زعيم كوريا الشمالية للتخلي عن برامج السلاح النووي، فضلاً عن ترك دعم المليشيات المسلحة في دول الشرق الأوسط.

لكن بعيداً عن التحليلات والتوقعات التي تذهب إلى أفق بعيد من احتمال أن يجر هذا القرار إلى مواجهة ميدانية بين القوات الأمريكية ومليشيات الحرس الثوري في عدد من البلدان التي تنتشر فيها قوات من البلدين، لا يبدو أن هذا القرار سيخرج عن نطاق العقوبات الاقتصادية، على الرغم من أن إيران توعدت بخطوة مماثلة وتصنيف البنتاغون على أنه "منظمة إرهابية"، رداً على تصنيف أهم كيان في جيشها على أنه "إرهابي".

شكّلت "المنظمات الإرهابية" في تصنيف كل من تلك الدولتين شن عمليات عسكرية لإنهائها، فمثلاً واشنطن صنّفت تنظيم الدولة والقاعدة وهيئة تحرير الشام وبوكو حرام وحركة الشباب وغيرها من المنظمات على أنها "إرهابية"، فشنت عليها ولا تزال عمليات عسكرية، تسببت في تراجع سيطرة تلك التنظيمات أو إنهائها كما حصل مع تنظيم الدولة في سوريا والعراق، وكذلك إيران حينما صنفت تنظيم الدولة أو هيئة تحرير الشام وغيرها على أنها "إرهابية" شنت ضدها عمليات برية، وقدمت دعماً عسكرياً ومالياً لنظام الأسد بتلك الحجة.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن.. بما أن واشنطن وطهران نفذتا عمليات عسكرية ضد من اعتبرتهما منظمات "إرهابية"، فهل ستشنان ضربات ضد بعضهما البعض بمناطق النفوذ ؟ . لا أثر لذلك على الأرض إطلاقاً، خاصة أن التنسيق غير المعلن بين طهران وواشنطن جارٍ على قدم وساق خاصة في العراق وسوريا التي تتقاسمان السيطرة عليها، ويعرف كل واحد منهما حدود الآخر، فلا يتجاوزها ولا يسمح لقواته بالتجاوز.

في العراق مثلاً.. أمكنة القواعد العسكرية الأمريكية معلومة لجميع المليشيات المدعومة من قبل إيران، ولم تكن التهديدات بإزالة تلك القواعد إلا على شاشات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي، وأيضاً لا يجب أن يُنسى أن مقاتلات التحالف الدولي هي من كانت تقدم الدعم لمقاتلي مليشيا الحشد حينما سيطروا على مناطق تنظيم الدولة شمال العراق وصولاً إلى الحدود مع سوريا، الأمر الذي يشير إلى أن واشنطن هي من قوّت من شوكة المليشيات الإيرانية في المنطقة، وهذا ليس بجديد على الولايات المتحدة التي مهّدت لكسر البوابة الشرقية للدول العربية من خلال الإطاحة بنظام صدام حسين والإتيان بنظام الملالي ليحل محله، فجميع الزعماء الأمريكيين الذين وصلوا السلطة منذ الإطاحة بنظام صدام حسين لم يسعوا إلى تسليم العراق لأبنائه، بل إن من كان بيده الأمر والنهي هي الجماعات والأشخاص الأقرب لإيران مثل نوري المالكي واليوم عادل عبد المهدي، وهذا ينطبق على سوريا أيضاً، فواشنطن وحلفاؤها تآمروا على الثورة السورية، وأبقوا في السلطة نظام الأسد أحد أكثر الأنظمة المقربة من إيران، ولم تقدم الولايات المتحدة أيَ دعم للثوار السوريين لإنهاء هذا النظام الذي فتح الباب على مصراعيه لمليشيات الحرس الثوري، وسعى كذلك إلى توطينها بشكل دائم بعد تهجير السكان الأصليين.

عسكرياً في سوريا.. كان السواد الأعظم من عمليات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم الدولة وبدرجة أقل هيئة تحرير الشام، في الوقت الذي تغاضت فيه قوات التحالف عن التمدد الإيراني، وظهور قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري أكثر من مرة في البوكمال، وهذا ما يشير إلى رغبة أمريكية غير معلنة في منح إيران مزيداً من التوسع جغرافياً في المنطقة العربية، بهدف إبقاء دول عدة لاسيما الخليجية تحت الابتزاز الأمريكي، على عكس ما فعلته مع قادة سابقين في القاعدة ظهروا في سوريا، فهؤلاء سرعان ما بادرت الولايات المتحدة إلى اغتيالهم، مثل أبو فراس السوري.

يمكن القول إن تصنيف الولايات المتحدة للحرس الثوري منظمة إرهابية سيزيد من تعقيد تعامل واشنطن نفسها مع الدول التي تتعامل مع إيران، لاسيما العراق ولبنان، لذلك لا يُتوقع أن تطبق واشنطن القرار بتفاصيله العملية، لاسيما أنها سبق وأن صنفت "فيلق القدس" التابع للحرس على أنه منظمة إرهابية، ولم يُرَ أي أثر لهذا القرار على أرض الواقع، فالنفوذ الإيراني في تصاعد مستمر من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى اليمن، والخطر يهدد دول عربية أخرى.

ستقتصر أساليب الضغط الأمريكي (إن وُجدت) على إيران على العقوبات الاقتصادية التي تضرر منها بشكل أكبر الشعب الإيراني لا الحكومة، ولم تغير حتى الآن من سياسة طهران وتدخلاتها في الدول العربية، بل إن المسؤولين الأمريكيين لم يتحدثوا إطلاقاً عن نيتهم في تصعيد العمل على الأرض ضد إيران، وهذا ما ينطبق أيضاً على المسؤولين الإيرانيين.