الأثنين 2019/12/30

هل تغيرت خطوط المواجهة بين الولايات المتحدة والأذرع الإيرانية؟

أثارت الضربات الأمريكية، أمس الأحد، على مواقع لـ"الحشد الشعبي" قرب الحدود السورية العراقية، موجة من الغضب لدى ما يسمى "محور الممانعة" المتمثل بنظامي إيران والأسد، والمليشيات التابعة لهما في المنطقة، كما فتحت موجة من التساؤلات حول فرض الولايات المتحدة خطوطاً جديدة للتعامل مع مليشيات كانت بالأمس القريب تقاتل معها ضد تنظيم الدولة.

لا بد من القول أولاً، إن أذرع إيران في العراق ولبنان وسوريا، على الرغم من تنديدها بالضربات، إلا أنها تعرف جيداً كيف تستثمرها لصالحها أمام الرأي العام، بالظهور في صورة الطرف "المقاوم"، ولا سيما أن تلك المليشيات متهمة في البلدان الثلاثة بتنفيذ أجندة إيران وليس الأجندة الوطنية. ففي العراق مثلاً، تواجه مليشيات "الحشد الشعبي" اتهامات متلاحقة بقتل المتظاهرين العراقيين واغتيال وخطف ناشطي الحراك السلمي، تنفيذاً لرغبة طهران بوأد "ثورة تشرين الأول"، ولا يختلف الأمر كثيراً عن حال مليشيا "حزب الله" مع المتظاهرين اللبنانيين.

السؤال الآن.. هل فعلاً تغيّرت خطوط المواجهة بين الولايات المتحدة ومليشيات إيران في العراق، إثر تكرار استهداف قواعد أمريكية هناك واتهام تلك المليشيات بالمسؤولية؟ ..وهل ستضع واشنطن حداً لعربدة "فيالق خامنئي" بالمنطقة؟

الإجابة عن هذا السؤال لا تتعلق بأحداث جديدة، بل تتعلق بتاريخ المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران نفسها، تلك المواجهة التي كلما حمي وطيسها قويت شوكة إيران أكثر وامتد نفوذها بالشرق الأوسط أكثر فأكثر.

في سوريا مثلاً.. وافقت الولايات المتحدة ضمنياً على تغلغل إيران ومليشياتها العراقية واللبنانية والباكستانية والأفغانية الخ.. منذ بدايات الصراع، وصمتت واشنطن عن كل ما فعلته تلك المليشيات بالسوريين من مجازر وتهجير وتغيير ديمغرافي. وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً، سنجد أن الولايات المتحدة واجهت مليشيات إيران فقط عندما أرادت الاقتراب من مناطق نفوذها في البادية السورية (التنف)، أو حول حقول النفط والغاز (في دير الزور)، وما عدا ذلك، فالأمر بين الطرفين "سمنة على عسل" كما يقول المثل العامي.

وفي العراق لا يختلف الموضوع عنه في سوريا، فبالأمس القريب قاتلت الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع مليشيات إيران لدحر تنظيم الدولة، وصمتت كلياً عن انتهاكاته الفظيعة في محافظات الأنبار والموصل وكركوك وصلاح الدين، واكتفت بالتنديد إزاء قمع تلك المليشيات احتجاجات العراقيين المطالبة بالتحرر الفعلي من الهيمنة الإيرانية، وها هي اليوم تتحرك فقط عندما تعرّضت قواعدها لهجمات.

وعلى الرغم من أن أهم شروط واشنطن لرفع العقوبات عن إيران، هو كف يد مليشيات خامنئي في عدة بلدان عربية، إلا أن هذا الشرط كما أسلفنا لم يغير من الواقع شيئاً، فقوة الحوثيين باليمن تزداد إلى الدرجة التي يهددون فيها دول جوارهم بضربات نوعية، ونفوذ "حزب الله" في لبنان لا يزال سيّد الموقف، ولا يزال "نصر الله" هو الذي يمسك خيوط اللعبة السياسية هناك مدججاً بترسانة سلاحه الإيراني. وفي سوريا تسيطر مليشيات إيران على مناطق واسعة في دير الزور وحلب والبادية والجنوب، وتشارك كذلك الأسد مجازره في إدلب دون أي رد فعل أمريكي.

خطوط المواجهة إذاً بين الولايات المتحدة ومليشيات إيران ليست وليدة أحداث اليوم، وليست خاضعة لظروف البلدان التي تنتشر فيها هذه المليشيات، بل يخضع الأمر تماماً لتعرّض المصالح الأمريكية للخطر أو لا، فطالما بقي كل طرف ملتزماً بحدود نفوذه فلا توتر أو مواجهة مهما كان مصير بلدان المواجهة وشعوبها، أما إذا تعدى نفوذ مليشيات إيران إلى تهديد الوجود الأمريكي ولو على سبيل الدعاية، فإننا سنشهد ضربات مماثلة لن تغير شيئاً على أرض الواقع، سوى أنها ترسم بوضوح شديد "الخطوط الأمريكية الحمراء" في سياستها بالمنطقة، وسوى أنها تعطي إيران وأذرعها مزيداً من التعاطف، ومزيداً من شعارات "المقاومة".