الأثنين 2017/07/03

هل تسعى روسيا لتوريط تركيا والفصائل بحرب مفتوحة في إدلب ؟

يوم واحد فقط وتبدأ أبرز جولة في تاريخ المفاوضات السورية التي ستجري في أستانا، فالجولة الخامسة من المباحثات ستناقش في سابقة هي الأولى من حيث نوعها موضوع دخول قوات روسية بالاشتراك مع أخرى تركية إلى إدلب المدرجة ضمن مناطق "تخفيف التصعيد" والتي تشكل نسبة السيطرة فيها لفصيل "هيئة تحرير الشام" أكثر من 50 بالمئة، وحسب ما أعلن متحدث الرئاسة التركية إبراهيم كالن الخميس الماضي، فإن العمل حاليا يتم على آلية تقضي بوجود قوات بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة في سوريا، موضحا أن تلك الآلية تقضي بوجود قوات روسية تركية في منطقة إدلب، وروسية إيرانية في محيط دمشق، وأردنية أمريكية في درعا.

الجانب التركي إذاً هو من أسدل الستار عن تلك الفكرة التي لاقت صدى واسعا في أوساط السوريين وأثارت غضب العديد منهم، فروسيا تعد بالنسبة إليهم عدو قتل وشرد من أطفالهم ونسائهم ورجالهم مئات الآلاف، فكيف ستدخل إلى مدينتهم أو المناطق الأخرى التي تحررت بحماة وسهل الغاب واللاذقية من حاولت وأصرّتْ بكل ما أوتيت من قوة لمنع تحريرها، وتدخلت بكل ثقلها عسكرياً لمنع زحف الثوار نحو معاقل النظام الأخرى !.

بالفعل هي خطوة مجرد الكلام عنها يعد بالنسبة للسوريين ولغاً بدماء الثورة السورية، وتهويناً لا محدوداً للتضحيات التي قدمتها، لكن ألم تدرك روسيا ذلك ولماذا تقدم على طبخ مثل تلك الخطوات مع الدول الضامنة؟ ! ، وكأنها لم تشبع من مكسب تجميد قتال الجيش الحر ضد النظام أو تحويل سوريا إلى مناطق نفوذ واضحة المعالم.

واقع الأمر أن روسيا تعي وتدرك وتلمس أيضًا حجم الحقد الذي يكنه لها السوريون، لكنها بهذه الخطوة التي إن أُقرَّتْ فعلاً وتم التصديقُ عليها بين الدول الثلاث الضامنة فإنها تكون ضربت عشرة عصافير بحجر واحد.

إذا ما نحّينا جانباً الموقفَ الشعبي من نشر قوات روسية بالمناطق المحررة رغم اليقين باستهجان تلك الخطوة، فإننا لن نستطيع تنحية الجانب العسكري المتمثل بفصائل لا تلقى أي قبول دولي، ومصنفة على لائحة الإرهاب، ومن هذا المنطلق فإن تلك الخطوة ستفتح على تركيا باباً هي في غنى عنه من حرب مفتوحة مع الفصائل التي توصف دولياً بالمتشددة، والتي في الأصل عبرت عن رفضها لمقررات أستانا، فـ "هيئة تحرير الشام" التي تحمل ثقلاً على الأرض لا يمكن التقليلُ من شأنه في المناطق المحررة، عبّرت عن رفضها لذلك المقترح ،  ونشرت بياناً قالت فيه إنها تابعت تصريحات للمتحدث باسم الرئاسة التركية ابراهيم كالن، مفادها بأن قوات روسية - تركية ستدخل إدلب ضمن سياق بنود اتفاقية أستانا، وقالت الهيئة: "إننا لم نكن جزءاً ولا طرفاً مشاركاً أو موافقاً على مؤتمر الآستانة منذ بداية انعقاده وإلى الآن وعليه فإننا غير ملتزمين بما ينص عليه الاتفاق".

وأضافت: " لا نرضى أي تدخل خارجي يقسم بلادنا لمناطق نفوذ تتقاسمها الدول أو تحول لساحة جلب مصالح من طرف واحد على حساب شعبنا ثم يسلم لطبق من ذهب للنظام".

من خلال تلك التصريحات الحادة اللهجة الرافضة جملة وتفصيلاً كل ما يتولد من مباحثات أستانا نستنتج أن الفصيل ذي الثقل الكبير على الأرض سيقف بوجه القوات التركية، وفي ذلك حرب استنزاف بها مصلحة لروسيا في كلتا الحالتين " الدخول وفشله" فهو سيؤدي إلى إضعاف الجانب التركي الذي تشير التحليلات إلى أنه قد يدخل إدلب من إحدى البوابتين، أولها من جهة مناطق تل رفعت وعفرين، وقد ألمحت تركيا بذلك بتشديدها على وجوب تطهير منطقة عفرين من الإرهاب، وفي ذلك هدف بعيد لا يقتصر على طرد المليشيات الكردية من عفرين كما يظن الكثير، بل إنه يتعدى ذلك إلى وصل مناطق درع الفرات مع ريف حلب الغربي المفتوح مع إدلب.

أما المحور الثاني فإنه قد يكون من داخل الأراضي التركية المقابلة لأطمة شمالاً، وكلا الخيارين سيكلفان تركيا وينهكانها بشرياً ومادياً لمجرد موطئ القدم الذي تسعى أن تحط عليه، ربما أضعاف مضاعفة من خسائرها قبيل تمكنها من طرد تنظيم الدولة من منطقة الباب.

كما إن تلك الخطوة ستضرب الفصائل ببعضها، فحتى الفصائل التي توصف بالمعتدلة سترفض دخول قوات تركية تُمهدُ لدخول قواتٍ روسيةٍ لاحقا، وقد نشهد محرقة كبيرة من الاقتتال لا تميز بين معتدل ومتشدد، بل إنها ستطحن الجميع، الأمر الذي سيقود منطقة إدلب ومعظم المناطق المحررة إلى الهاوية والسقوط الذي تحلم به روسيا ومن خلفها نظام الأسد.

وهذه التنبؤات المرعبة تُوضع الآن في ملعب الفصائل المشاركة بعملية أستانا 5، التي تترك لها تركيا مجال الموافقة والرفض والتعديل على المقترحات، فالواجب عليها تغليب المصالح على المفاسد والتفكير بنظرة مستقبلية، لا الانجرار وراء المكر الروسي بدعاوى ظاهرُها محاربة القاعدة والإشراف على تأمين المنطقة، وباطنُها الإجهاز على الثورة والمناطق المحررة.