السبت 2019/05/18

هل باع الجيش الحر وتركيا مناطق بريف حماة مقابل تل رفعت؟

لا سيناريو شرق السكة ولا سيناريو ريف حمص الشمالي والجنوب السوري وغيره من المناطق التي سقطت بالمصالحات أو الهدن أو الاتفاقات.. المشهد في جبهات ريف حماة الغربي يختلف تماماً عما شهدته الثورة السورية من نكسات خلال السنوات الماضية.

من يتابع خارطة السيطرة بريف حماة الغربي هذه المنطقة السهلية التي يصعب التمترس فيها سيجد فرقاً بسيطاً في الخارطة، حيث سيطرت قوات النظام والمليشيات الإيرانية والأخرى التابعة لروسيا (الفيلق الخامس) على عدة مناطق أبرزها قلعة المضيق وكفرنبودة وقرى أخرى صغيرة في سهل الغاب.

لسنا هنا نقلل من أهمية تلك المناطق التي سقطت بيد المليشيات ، لكن في ذات الوقت يجب لفت الانتباه إلى أن الهجوم من قبل قوات الأسد مستمر منذ أكثر من 3 أسابيع، ويترافق مع قصف جنوني من قبل الطائرات الروسية ، فضلا عن المدفعية والصواريخ التي تقصف كل منطقة بأكثر من 100 قذيفة في اليوم الواحد، وذلك كفيل بأن تنسحب جيوش مدربة من مناطق سهلية يسهل كشف عناصرها وتتبعها من قبل طيران الاستطلاع، لكن فصائل الثورة السورية كان لها أسلوب وتكتيك خاص تمكنت من خلاله من امتصاص الهجمات والضربات المكثفة، فانسحبت من بعض المناطق، والتي بسقوطها سقطت مناطق أخرى نارياً.

صفحات موالية لقوات الأسد اعترفت بمقتل أكثر من 150 عنصراً ما بين مجند نظامي أو ضابط أو عنصر بمليشيا "فيلق القدس" أو "الفيلق الخامس" وغيره من المليشيات التابعة لروسيا أو إيران، وهذا الرقم ليس لكل القتلى، فمن المعلوم أن النظام يتكتم على عناصره القتلى، ومن يقوم بالإعلان هم الصفحات الموالية، ما يدلل على أن عدد قتلى قوات النظام يتجاوز 150 بأضعاف عدة، لاسيما أن الفصائل بمختلف تشكيلاتها نشرت أكثر من مرة أشرطة فيديو توثق لحظات نسف آليات عسكرية أو مجموعات من قوات الأسد دفعة واحدة.

إدلب مقابل تل رفعت؟

العملية المحدودة التي أطلقتها تركيا وسيطر بموجبها الجيش الحر على عدد من القرى الصغيرة في محيط مدينة تل رفعت فتحت المجال واسعاً للتكهنات بشأن حصول اتفاق تركي روسي، يتم بموجبه سيطرة الجيش الحر على تل رفعت ومحيطها مقابل سيطرة قوات الأسد على مناطق محددة بريفي حماة وإدلب، لكن هذا السيناريو غير وارد لاسيما مع المقاومة الشرسة من الفصائل العسكرية، فلو كان هناك اتفاق فعلاً لما اضطرت الفصائل لخسارة جندي واحد، وكذلك لما اضطرت روسيا لشن مئات الغارات الجوية، ومن المعلوم أن تكلفتها عالية جداً، فالطلعة الجوية الواحدة تكلف آلاف الدولارات، والقصف باليوم الواحد قد يكلف 2 مليون دولار.

لذلك من المستبعد حصول أي مقايضة بين تركيا وروسيا في الوقت الحالي، فما السبب إذن في التصعيد الجاري، ولماذا أقدمت روسيا على خرق الاتفاق الموقع مع تركيا في سوتشي ؟

يقول مراقبون إن خرق الاتفاق هو أمر حتمي في يوم من الأيام خاصة من قبل الروس الذين حاولوا توريط تركيا بحرب ضد هيئة تحرير الشام، لكن الأخيرة لم تعط الفرصة لروسيا وقبلت بدخول الجيش التركي وبإنشاء نقاط المراقبة التركية، لذلك ومع مواصلة التهدئة على الأرض وتمكن الأتراك من إدارة ملف شمال غربي سوريا بهدوء، كان لا بد من ضرب الحاضنة وتأليب الشارع السوري في المحرر على تركيا، يضاف إلى ذلك ما أشيع من تقارب تركي أمريكي في ملف المنطقة الآمنة شمال شرق سوريا، حيث تقترب تركيا من تحقيق مكاسب من خلال المباحثات المستمرة مع الجانب الأمريكي، وهذا ما دفع بالروس إلى محاولة خلط الأوراق وإشغال تركيا بملفات جديدة.

لكن غاب عن روسيا أن القوة العسكرية على الأرض تبقى هي المحدد دائماً للمتغيرات الميدانية، فالهزائم التي منيت بها في جبهات ريف حماة الغربي وريف اللاذقية الشمالي جعلتها ترجع خطوات كثيرة إلى الوراء وتعيد التنسيق مع تركيا للضغط على الفصائل، خاصة بعد المعركة الأخيرة التي أطلقوها بريف حماة الشمالي، وسيطروا من خلالها على عدد من المواقع الخاضعة لسيطرة قوات الأسد منذ سنوات مثل الحماميات وتلتها، قبل أن ينسحبوا منها، في رسالة واضحة بأن لديهم إمكانيات عالية وقدرة على الاختراق رغم الترسانة العسكرية لقوات الأسد ومليشياته.

الصواريخ النوعية بيد الجيش الحر

مصادر عدة ذكرت أن تركيا زودت الجيش الحر بصواريخ مضادة للدروع كالتاو والكونكورس والسهم الأحمر، حيث ظهرت الجبهة الوطنية للتحرير أكثر من مرة تستهدف تجمعات لقوات الأسد بصواريخ موجهة، وذلك يعطي إشارة برفض تركيا الهجمات التي يشنها نظام الأسد بدعم روسي، والتي طالت حتى نقطة المراقبة التركية في شير مغار بريف حماة الغربي، لكن تركيا تحاشت ذكر روسيا في التصعيد الجاري، واقتصرت على مطالبتها لموسكو بوقف تصعيد قوات النظام.

ومع استمرار نكسات مليشيات الأسد، بدأت روسيا تسارع للاتصال مع تركيا من أجل الحصول على "هدنة"، لكن هذا العرض قوبل حالياً برفض من قبل الفصائل الثورية التي اشترطت الانسحاب الكامل لقوات الأسد من المناطق التي سيطرت عليها في الهجوم الأخير، لكن ما يجب على الفصائل أخذه بالحسبان أن أمامهم فرصة اليوم لاستعادة مناطق كثيرة خسروها بعد أن تبين لهم ضعف قوات الأسد واعتمادها بشكل أساسي على الطيران الحربي والقصف العشوائي وسياسة الأرض المحروقة، والأهم من هذا كله ألا يجعلوا الاحتلال الروسي هو من يتحكم بوقت سريان الهدنة وانتهائها.. فلا ضامن للاستقرار سوى الوقوف بقوة أمام قوات الأسد وروسيا التي بدأت تحث الخطا نحو هدن جديدة بعد أن بدت لها ملامح أفغانستان جديدة بسوريا.