الخميس 2016/11/03

هل أضحى الانتحار وسيلة الشعوب المغلوبة لنيل حريتها ؟

تكررت حوادث قتل النفس والانتحار مؤخراً في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وعلى الأخص الدول العربية الواقعة هناك.

وإذا ما دخلنا في الأسباب الداعية لمثل هذه الأعمال سنجد أن أغلبية المنتحرين من الطبقة الفقيرة المضطهدة وأنّ ظلماً ما دفعهم إلى هذا الفعل، فمِن بو عزيزي في تونس إلى محسن فكري في المغرب العربي إلى أمثالهم في مصر والجزائر وغيرها من البلدان.. كلها أسماء عربية أصبحت أيقونات للربيع العربي الذي ازدهرت فيه ورود الشهداء وأينعت أوراقه لتثمر تغييراً كبيراً في البنية السياسية والاقتصادية بل وحتى الديموغرافية لبعض البلدان.

لكن السؤال المطروح هنا.. لماذا يستخدم هؤلاء الانتحار كوسيلة للاحتجاج؟ وهل أصبح مرتكبو هذا الأمر أيقونة للمطالبين بالحرية والعدالة ؟ بل السؤال الذي يؤرّق هو: هل تضيء شمس الحرية في مكبّ للقمامة مثل ما حدث مع الشاب المغربي؟!

وللإجابة عن مثل هذه التساؤلات سأضع نفسي في مكانهم وأحاول أن أفكر كتفكيرهم للوصول إلى الحقيقة التي غابت حتى عن المنتحرين شخصياً.

بداية.. لا بدّ من توضيح لماهية الانتحار، فهو عبارة عن خلل سلوكي ونفسي في الفرد ناتج عن صدمة أو حزن كبير يقوم خلاله الشخص المنتحر بتوجيه طاقته السلبية ضد نفسه، بمعنى أن يفكر ويعقد النية على أذية نفسه وإلحاق أكبر ضرر فيها للهروب، أو إيجاد الراحة الأبدية كما يظنّ.

ثانيا..، لم نسمع قط على مرّ التاريخ بأنّ ثائراً ما في بلد ما رمى بنفسه من شاهق لطرد الغزاة أو تحقيق العدالة الاجتماعية.

وإذا ما نظرنا جدياً للموضوع فسنجد أنّ جميع الدول سواء المتحضرة أم التي لا زالت تعيش في العالم الثالث، نجدها جميعاً ترفض هذا السلوك وتحاربه، في حين لا تبيح الأديان هذا التصرف وإن كان دافعه إيجابياً، فجسم الإنسان وصحته منحة وأمانة وهبها الله له، والحياة والموت لا تكون إلا بأمره، وعلى المرء إعمار هذه الأرض بالعلم والعمل والسعي الجاد والحقيقي لإحداث تغيير نحو الأحسن، وليس الهروب من المشكلات بداعي الانتفاض السياسي.

كما يجب علينا التفريق بين التضحية وإيثار مصلحة الآخرين على المصلحة الشخصية، وبين إزهاق الروح حرقاً أو غرقاً أو طعناً أو رمياً في مكبّ للقمامة مثلاً.

وهناك مسألة أخرى تستدعي منا اهتماما بالغا .. هي ظاهرة الإضراب عن الطعام، التي يلجأ إليها الأسرى الفلسطينيون الذين يعانون الأمرَّيْن في سجون الاحتلال الصهيوني، فباعتقادي أنها ورقة للضغط والمطالبة بمحاكمة عادلة وليست وسيلة للانتحار الثوري الذي انتشر مؤخراً في بلادنا العربية.

بالعودة إلى المنتحرين وخلفياتهم الاجتماعية نجد أنهم لم يمارسوا من قبل أي عمل سياسي أو حقوقي للدفاع عن المستضعفين بالأرض، وكلامي هذا لا أقصد فيه إهانة تلك الشخصيات بل أبغي الوصول إلى الطريق الصحيح للثورة ضد الطغاة، وكما يقال " التغيير الثوري بحاجة إلى فكر ثوري" فمجتمعاتنا بحاجة إلى مفكرين ومصلحين أكثر ممّا هي بحاجة إلى منتحرين ومختلين عقليا.

السوريون وظاهرة الانتحار:

عندما شاهد الناس في سوريا ما حدث في تونس ومصر ومن بعدهما ليبيا والبحرين واليمن، أخذوا يُعدّون العُدة لانطلاق الثورة ضد طاغية الشام، على الرغم من كل التدابير الأمنية المتخذة من قبل النظام، لكنّ منهج الانتحار بكل أشكاله كان غائباً عن البال، وحلّ محله الدعوة للتظاهر العلني السلمي بكل الساحات كما حدث في مصر، وسمعنا بعض طرائف الكلام التي تسخر من ظاهرة الانتحار كقولهم " إن أهل حمص اجتمعوا يريدون القيام بثورة فجاؤوا بتونسي وأحرقوه" وأمثالها من هذه الأحاديث.

والمتابع للأحداث وبدايات الثورة السورية يعلم يقيناً أن هذا الأمر مرفوض حتى حين بدأ عهد الإضرابات عن العمل استثنى الثوار بعض الصيدليات حفاظاً على الأرواح وتحسباً لأي طارئ.

إذاً لم نلحظ توجهاً لدى الناس نحو هذه الظاهرة رغم أنهم تعاطفوا معها في بداية الأمر لكن ظهور محسن فكري أعاد للأذهان فكرة الانتحار، خاصة مع وجود حكام رائعين لا يظلم أحد في ديارهم المباركة إطلاقاً!!!.

والحقيقة أنه يجب على السوريين في كل العالم أن يطمئنوا، فلن ينتحر أحد منهم داخل البلاد بعد الآن لأي سبب كان، لا لشيء وإنما لأنه لم يعد هناك أحد يصلح للانتحار، فالناس إما نازح أو لاجئ أو مهجّر أو أشباح بشرية تنتظر فرجاً قريباً أو موتاً كريماً.