السبت 2017/06/17

هل أصبح “الحصار الثلاثي” على قطر في خبر كان ؟

قد يكون من الصعب الحكم على نجاح أو فشل الحصار الثلاثي على قطر منذ أيامه الأولى، ومن غير المنطقي القول إن قطر لم تتأثر به إلى حد ما، لكن من الجنون والحماقة تصورَ تبعات ذلك الحصار كما روَّجت له قناتا العربية وسكاي نيوز والإعلام السعودي الإماراتي بشكل عام الذي سارع إلى تصوير قطر وقد أصابها الشلل، وأورد عشرات الأخبار بأن الأسواق أصبحت خالية على عروشها، وذلك بعد إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية في حصار يهدف لعزل قطر وخنقها وتحجيم دورها المتنامي في المنطقة والذي لا جُنحة عليه سوى أنه يغرد بنغمةٍ لم يَرقُ نَغمُها للبعض، لعل أبرزها محاربة الدوحة للتوجهات الداعمة للثورات المضادة لشعوب الربيع العربي.

أشاع الإعلام الحاقد على قطر بشكل مواظب وغير منقطع إضافة لما روّجه من شيطنة قطر وإلصاق تهمة دعمها للإرهاب أشاع فكرة أن المصارف والبنوك والشركات ستتوقف، في محاولة منه لدفع المستثمرين ورؤوس الأموال إلى الانسحاب، بهدف دفع الاقتصاد القطري نحو التصدع والتمزق الذي يُراد له، لكن ما جرى لم يكن في حسابات المقاطعين الذين بنوا خطواتِهم تلك على توقعات مغلوطة ونصائح مزوّرة بأن قطر سترضخ لمطالبهم سريعًا بعد عزلها وحصارها، ناسين أن الدوحة تتمتع بعوامل عدة تجعلها متينة وصامدة سنين طويلة أمام مقاطعتهم، وكأن حصاراً لم يقع..
إليك أبرز عوامل الصمود القطري التي تجعل الدول المقاطعة المنتظرةَ قرار استسلام قطر وقبولها الوصاية تنتظر طويلاً وتخيب في نهاية المطاف:

أولاً - ميزات الداخل:

دولة قطر لا تعتمد فقط على الممرات البرية بل إن لديها موانئ ضخمة مثل ميناء حمد الدولي الذي يصلح أن يكون بديلاً عن الحدود البرية الوحيدة لقطر مع السعودية، فالميناء قادر على استيراد حاويات ضخمة من البضائع، كما إن النصيب النسبي لتجارة المقاطعين صغير جدا، فنحو 90 % من المواد الغذائية تصل قطر من خلال البحر والجو بحسب ما أكده رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر خليفة بن جاسم بن محمد آل ثاني، يضاف إلى ذلك أن الاقتصاد القطري متنوع، لا يعتمد على النفط فقط كما السعودية والإمارات، فهي تعد ثالث أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، فضلاً عن عوامل أخرى من ارتفاع دخل الفرد والاحتياطات المُدَّعمة والسيولة المالية الضخمة التي مكّنت قطر من امتصاص صدمات الحصار.

ثانيا - العلاقات العميقة مع الخارج:

من العوامل التي مكّنت الدوحة من استيعاب الحصار بشكل سريع العلاقاتُ التي تتمتع بها مع دول إقليمية مثل تركيا، التي عارضت الحصار وأصبحت بضائعها تتدفق بشكل متواصل إلى الأسواق القطرية، وتعهدت تركيا بأنها ستستمر بذلك، كما شكلتْ البضائع التركية بديلاً سريعا ومناسبا للسلع السعودية الإماراتية، وتعتبر الخطوة التركية الأخرى إرسالَ قوات عسكرية إلى قطر رسالة إلى المقاطعين أن الدوحة ليست وحدها وستظل أنقرة تأخذ بيدها، يضاف لخطوة تركيا الدافعة بالسوق القطري نحو الاكتفاء أن الأسواق الدولية الأخرى مفتوحة أمام قطر وتتمنى أن تشتري منها الدوحة ما تريد ولن تأبه لمقاطعتها من قبل الدول المحيطة بها.

ثالثاً - التضامن الدولي مع قطر الرافض لقرار المقاطعة:

كان التضامن الدولي مع قطر عاملاً آخر من عوامل مواجهة الحصار، فالسعودية والإمارات لم تحظيا بتأييد لخطوتهما ولم تستميلا سوى حكومات هي وصية عليهما مثل السيسي وحفتر ودول أخرى لم نسمع بها إلا عندما انضمت إلى قرار المقاطعة، ولم يكن الحال كما كان عندما قررت السعودية قطع العلاقات مع إيران في 2016 بعد حرق سفارتها وقنصليتها في طهران ومشهد، فحينها انضمت العديد من الدول العربية والإسلامية إلى خيار الممكلة ومن بينها قطر، كما إن خطوات المقاطعين من حصارٍ واستصدارٍ لقوائم إرهابية قوبلت برفض واسع من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية ذات الثقل كمنظمة العفو الدولية.

حتى الموقف الأمريكي فإنه ظل متقلِّباً بشأن مقاطعة قطر فتارة يدعمها وتارة يلمز بها، وكم طرأ من تناقضات في تصريحات ترامب والساسة الأمريكيين الآخرين، لكن لعل آخر صفقة وقعتها الدوحة مع واشنطن قبل أيام بشراء مقاتلات بقيمة 12 مليار دولار تدل حتماً على الرضا الأمريكي تجاه قطر ورفض اتهامها بدعم الإرهاب، وهو مؤشر على حتمية فشل الحصار وأنه قد يعلن هزيمته في أقرب وقت.

إذاً كل ذلك وغيره عوامل تجعل قطر صامدة إلى ما لا نهاية أمام هذا الحصار الذي يجمع الخليجيون وغيرهم من أصحاب البصيرة والنباهة أن أثره النفسي والمجتمعي كان أكثر قساوة وجحيماً من أثره المادي، فهو تزامن مع شهر رمضان .. وكم من صلات أرحامٍ تقطعت وكم من أسرٍ تمزق شملها بعده، ستبقى تلك المقاطعة والحصار نقطة سوداء في تاريخ العلاقات الخليجية فهي التي أوصلت في سابقة تاريخية إلى منع القطريين من أداء فريضة العمرة، واعتقال وسجن من يبدي مجرد كلمة تعاطفٍ مع قطر، بل ووصل ذلك إلى حدٍّ كبير من الغطرسة والتصلُّف في التحكم بما تحل مشاهدته على التلفاز في الفنادق وما تحرم !