السبت 2019/06/08

هكذا يكون “بعض” الإعلام العربي شريكاً في مجازر الأسد!

أثار خبر نشرته قناة "العربية" السعودية أمس حول المعارك الجارية في محافظتي إدلب وحماة استياء واسعاً لدى السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تقوم بتدارك الأمر و"إنقاذ" ما تبقى من صورتها.

وقالت القناة السعودية إن ثلاثة وثمانين شخصاً قتلوا خلال معارك شمال غرب سوريا "بين قوات النظام السوري والإرهابيين"، في إشارة إلى الفصائل المقاتلة على جبهات جنوب إدلب والشمال الحموي. ويأتي هذا في وقت تشهد فيه المنطقتان هجوماً شرساً من قوات الأسد وحلفائه الروس منذ نهاية شهر نيسان الماضي، أسفر عن ارتكاب عدة مجازر ومقتل وإصابة مئات المدنيين.

الواقع أن السعي إلى تشويه صورة كل من يحمل السلاح ضد الأسد عن طريق ربطه "بالإرهاب" تقنية استخدمها النظام منذ بدايات انتقال الثورة السلمية إلى العمل المسلّح، بل إن إعلام الأسد درَج على تسمية المتظاهرين السلميين بـ"الإرهابيين" منذ بدايات الثورة الشعبية ربيع العام 2011. وعن طريق الترويج الإعلامي لربط أي عمل مسلح ضد الأسد بتنظيمي الدولة والقاعدة، نجح محور الأسد نوعاً ما في تحويل الرأي العام العالمي، فبعد أن كان بشار الأسد هو الإرهابي الأكبر في سوريا، اختبأت صورته الدموية وراء تنظيمات أدرجت في قائمة الإرهاب العالمية، وباتت محاربة تلك التنظيمات "أولوية قصوى" لدى الدول الفاعلة في الملف السوري.

تدريجياً تحوّلت هذه التقنية إلى ما يشبه "السياسة" لدى القنوات والوكالات العالمية، التي باتت لا تختلف كثيراً عن منطق الإعلام الرسمي لنظام الأسد، ولا يغيب عن الأذهان الخريطة التي وضعتها وكالة الأنباء الفرنسية "اف ب" لمدينة حلب عام 2016، والتي كتبت فيها اسم "تنظيم الدولة" على أنه التشكيل العسكري المسيطر على المدينة، على الرغم من عدم وجوده أصلاً فيها.

لم تلبث هذه السياسة الماكرة أن انتقلت إلى الإعلام العربي، ليس الموالي للأسد طبعاً فهذا مفروغ منه، بل الإعلام الذي حرص على تغطية ومناصرة الثورة السورية خلال سنوات، ثم انقلب على عقبيه بعد التطورات الإقليمية والدولية، وسعي روسيا إلى إعادة التطبيع مع نظام الأسد.

قناة "العربية" السعودية لا تخرج عن هذا الفلك، فالمملكة التي كانت من أشد المنافحين عن ثورة السوريين لم تعد بالتأكيد كذلك، بعد أن أصبحت هي والإمارات حاملة للواء الثورات المضادة، واللاعن الأكبر للثورات الشعبية في المنطقة. لم يعد الأسد عند هؤلاء وحشاً يفتك بالسوريين ويرتكب بحقهم أشنع مجازر العصر الحديث، ولم يعد نظامه يشكّل خطراً على الأمن الإقليمي والدولي، بل بات التطبيع معه – بمنطق هؤلاء – وسيلة من وسائل محاربة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

تجاهل ما يرتكبه الأسد وحلفاؤه من مجازر مروّعة في الشمال السوري، وتجاهل عدد كبير من فصائل الجيش الحر – الموصوف دولياً بالمعارضة المعتدلة -، وتسليط الضوء على مشاركة "هيئة تحرير الشام" في المعارك، هو تبرير مجاني للأسد بأن يواصل طقوس الإبادة الجماعية، بما أن خصومه "إرهابيون"، ورغبة ضمنية من هؤلاء بأن يعاد في إدلب نفس سيناريو الموصل والرقة والكثير من المدن التي دفعت فاتورة "محاربة الإرهاب"، وهو كذلك شيطنة للفصائل العسكرية التي قاومت لسنوات نظام الأسد وكل مشاريع التطرف في سوريا، ولا يشكّ عاقل بأن من يخطط لذلك وينفذه في الإعلام العربي شريك للأسد قانونياً وأخلاقياً في المحرقة السورية.