الأحد 2016/11/27

نواف البشير … الهذيان الممتع

التلصص سلوك فطري، لا يمكن أن يغادره الإنسان، ما هطلت ديمة في شتاء، وما فاض نهر في ربيع، وما تحركت دبابة لتقضي على الديمقراطية في الشرق الأوسط. 

في أعصر سابقة كان التلصص مُكلفاً؛ فكيف لك أن تتسوَّر المنازل؛ حتى تستطلع ما يقول الناس، أو أن تطلَّ من وراء ستار، ترنو عن كثب؛ علَّك تظفر بخصوصيات الناس. 

تغير الزمان وصرنا في عصر التقنية، وصار للتلصص مفهوم آخر اسمه التسريبات، والتعاطي معه يكون بحالة خَدَر؛ كأن تصنع كوب كابتشينو، وتستمتع بالتسريب، بينما كان يكلفك هذا الموضوع في زمن مضى فك رقبتك.

الشيخ نواف البشير بطل آخر تسريب، والحديث من حيث وجهةُ نظر التلصص ممتع وصادم؛ لأنه ينضوي ضمن مفهوم الهذيان، وهذا الشرط الأساسي الذي يجعل التلصص ممتعاً، حيث يقول : أنا ما عندي دعم .. السعودية وقطر لا تريدني .. الأخونجية كلاب .. النظام هو الشرعية، أنا حاقد على هذه المعارضة وهذه الثورة، النظام أقرب لي من هؤلاء، أنا كنت أعين رؤساء البلديات وأعضاء مجلس الشعب، رياض حجاب كان يصب قهوة عندي، سأعيد القانون 49 ليصير 949 وسأعدم الجميع، أنا علماني.

هذيان صادم، ولكنه ممتع، لأنك تستنتج أن هذا الرجل يصرخ وهو على حافة هاوية، ويكاد يسقط إما أن تنقذوني أو أقتلَ نفسي أو أقتلكم، لتقول في النهاية: يا لهذا الجنون !!!

في الجانب الآخر من التسريب الرجل المجهول أبو بكر، و الذي أفصح عن اسمه الحقيقي عند الدقيقة السادسة عشرة، بعد أن طلب نواف البشير منه ذلك، ولكن بعد أن أخرج الخمير والفطير، سكته قصيرة، ثم ذُكر الاسم: محمد طالب، وفي الجانب الآخر من التسريب أيضا يأخذ التلصص شكلاً آخر للمتعة؛ شكلاً مشوباً بالحذر والترقب والتفكر في ماهية الشخصية التي تحاور نواف البشير.

كانت الشخصية مبهمة، لا تستبين منها توجهاً أو انتماء، وأنت في حالة التلصص مع الكابتشينو، لذلك لابد من أن تجلس القرفصاء على الكنبة، وتترك هذيان نواف البشير، وتعود لتتلصّص مرة أخرى مهتما بكلام أبي بكر أو محمد طالب.

من دخل ظفار حمَّر؛ أي تكلم لغة أهل حمير، وهذا مثل عربي يعني: أن من دخل مدينة تكلم بلغة أهل البلاد، ولكن هجرة العلويين الجماعية إلى دمشق منذ مطلع السبعينات جعلتهم يسكنون في كانتونات معزولة، وتسرب إلى لسانهم بعض من مفردات أهل دمشق، ولكنهم مهما حاولوا تقليد هذه اللهجة الدمشقية تظهر لغة عش الورور ومزة 86، ومساكن الضباط، وهي أماكن تجمع العلويين في دمشق، وهذا ما ظهر للمدقق في لهجة محاور نواف البشير.

ضابط المخابرات، الذي كان يحاور نواف البشير كان منضبطا لديه أفكار واضحة يريدها، من مثل: لو تساعدنا في تفكيك الشبكات .. نريد تعاوناً وتنسيقاً ريثما تنكشف خيوط الملفات، والشيخ نواف في كل ذلك يريد أن يوصل أمرا واحدا : النظام يمثلني .. أنا لست مع المعارضة، الثورة أمر سيئ .. والمحرك الأساسي له هو الرغبة ليعود لتعين أعضاء مجلس الشعب ورؤساء البلديات وكي يعود الناس ليصبوا له القهوة وفق مفاهيم العلمانية والليبرالية التي يؤمن بها.