الأربعاء 2021/01/27

نظام الأسد يدخل العملية الدستورية في لعبة “العروبة والسيادة والإرهاب”

تدخل الجولة الخامسة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية يومها الثالث دون أي تقدم يذكر على صعيد كتابة الدستور أو وضع المبادئ الأساسية الأولى له.

 

وكما هو الحال بالنسبة للجولات الأربع الماضية، خرج وفد نظام الأسد عن جدول الأعمال المحدد، واتجه إلى إدخال عملية الإصلاح الدستوري في حفرة "السيادة والعروبة والإرهاب". 

 

وينظر إلى هذه الجولة بعين الأهمية كونها من المفترض أن تناقش ولأول مرة المبادئ الأساسية لدستور البلاد الجديد، لكن هذه الآمال اصطدمت من جديد بمحاولات التعطيل من جانب وفد النظام، والذي يحاول وفق مراقبين إضاعة الوقت حتى الوصول إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمقرر تنظيمها، في أبريل المقبل.

 

ويسعى نظام الأسد أيضا من خلال التزامه بالحضور في جميع جولات اللجنة الدستورية رغم عمليات التعطيل إلى إيصال فكرة للمجتمع الدولي بأنه منخرط في إطار التسوية السياسية الخاصة بالملف السوري، وهي خطوة تدحض جميع الروايات المضادة له بأنه لا يريد أي حل سلمي وسياسي للبلاد التي أنهكتها الحرب في تسع سنوات مضت.

 

وتعتبر اللجنة الدستورية السورية من مخرجات مؤتمر "سوتشي" الذي عقدته روسيا في مطلع عام 2018، ويعوّل عليها في وضع دستور جديد لسوريا، وتحظى بدعم ورعاية من الأمم المتحدة، والتي تراها الطريق الوحيد للوصول إلى الحل السياسي، بحسب رؤية مبعوثها إلى سوريا، غير بيدرسون.

 

"النقاشات إلى سيرتها الأولى"

على مدار الجلسات الماضية من اللجنة الدستورية كان ملاحظا تغطية إعلامية جزئية من جانب وسائل الإعلام الرسمي التابعة لنظام الأسد، لكنها لم تتجه إلى تناول أي خبر يتعلق بمخرجات الأيام الثلاثة من الجولة الخامسة، وهو ما رصده موقع "الحرة" على وكالة الأنباء التابعة للنظام "سانا" وبعض الصحف شبه الرسمية كصحيفة "الوطن". 

 

ويعطي غياب التغطية الإعلامية من جانب وسائل إعلام نظام الأسد لاجتماعات الجولة الخامسة مؤشرا على عدم إيلاء أي أهمية من قبل الأخير لمسار الإصلاح الدستوري، والذي يقف في الوقت الحالي أمام مرحلة "مفصلية"، حسب وصف لأحد أعضاء كتلة المجتمع المدني في اللجنة في أثناء حديث مع موقع "الحرة". 

 

تقول إيلاف ياسين عضو كتلة المجتمع المدني: "في اليوم الأول من الجولة الخامسة كان واضحا أن وفد النظام السوري ليس لديه أي نية في الدخول بالنقاش الدستوري، علما أن جدول أعمال هذه الجولة هي المبادىء الأساسية في الدستور ".

 

وتضيف ياسين لموقع "الحرة" أن وفد المعارضة طرح على المبعوث الأممي، غير بيدرسون منهجية النقاش، لكن وفد النظام رفض ذلك، كما رفض أيضا مقترح الأمم المتحدة لتنظيم ووضع منهجية النقاش، بحيث تفضي هذه الخطوة إلى صياغة مواد دستورية أولية من قبل اللجنة المصغرة، ومن ثم عرضها على اللجنة الموسعة لإقرارها.

 

وعلى مدار اليومين الماضيين من اجتماعات الجولة الخامسة تشير ياسين (حاليا في جنيف) إلى أن منهجية النظام تبدو كإضاعة الوقت، حيث طلب رئيس الوفد، أحمد الكزبري وضع محددات للصياغة قبل عملية صياغة الدستور، وبالتالي "إعادة النقاشات إلى سيرتها الأولى"، أي إلى نقطة الصفر. 

 

"عروبة وسيادة وإرهاب":

وتعتبر عملية تعديل الدستور من المسائل المتعلقة بصلب النظام في سوريا، إذ اشترط الدستور عام 2012، وطبقا لما ذكره دستور عام 1973، أن يكون التعديل باقتراح من "رئيس الجمهورية" أو ثلث أعضاء "مجلس الشعب".

 

وكان معارضون وحقوقيون قد أشاروا إلى أن فكرة اللجنة الدستورية، ومنذ انطلاقها لم تكن موجودة في الوثائق الدولية ولا في كل قرارات مجلس الأمن، التي هي في الأصل الحاضنة القانونية للحالة السورية.

 

وكانت الفقرة الرابعة من قرار مجلس الأمن "2254" قد نصت على أن العملية السياسية في سوريا تتضمن إنشاء حكم شامل وغير طائفي خلال ستة أشهر، وعقب ذلك يتم النظر في النظام الدستوري للوصول إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في 18 شهرا، أي أن الدستور حسب الوثائق يأتي ما بعد "هيئة الحكم الانتقالي".

 

حسن حريري أحد أعضاء اللجنة المصغرة في اللجنة الدستورية تحدث عن نتاج اليومين الماضيين من اجتماعات الجولة الخامسة، بالقول إنه تم تقييم عدد من المداخلات من قبل الفرقاء الثلاثة (النظام، هيئة المفاوضات السورية، كتلة المجتمع المدني).

 

ويضيف حريري في تصريحات لموقع "الحرة" أن مداخلات وفد "هيئة التفاوض" كانت واضحة تماما، إذ كان يسبق كل مداخلة نص دستوري محكم الصياغة، ومن ثم يعرض مقدم النص إحاطة به وبأهميته، بحيث تكون هناك أسباب كاملة تستدعي وجوده.

 

وبذات العملية سلك أعضاء من كتلة "المجتمع المدني" نفس المسار من خلال تقديم نصوص دستورية وإحاطة كاملة بها، مع التأكيد على أهميتها بأن تدرج في الدستور القادم للبلاد.

 

ويضيف حريري أن وفد حكومة النظام قدم عدة إحاطات ومداخلات، لكنها لم تكن على المستوى المطلوب بالنسبة لجدول الأعمال المتفق عليه، والذي ينص على مناقشة المبادئ الدستورية، مضيفاً: "وفد الحكومة السورية ركّز على موضوع السيادة والإرهاب والاحتلالات الأجنبية، وتمترس عند هذا الحد، بالإضافة إلى تركيزه على عروبة الدولة".

 

"جولة مفصلية":

في سياق ما سبق ومع بدء اجتماعات اليوم الثالث من الجلسة الخامسة تحدثت تقارير إعلامية عن وصول وفود من الدول الفاعلة بالملف السوري إلى العاصمة السويسرية جنيف، من أميركا وروسيا وإيران، وذلك لعقد لقاءات مع الأطراف القائمة على اللجنة، في مسعى لإحداث خرق ما في عملية الإصلاح الدستوري، وهو الأمر الذي أكده مصدر من وفد المعارضة في حديثٍ لموقع "الحرة". 

 

وتوضح عضو كتلة المجتمع المدني، إيلاف ياسين أن وفد المعارضة في اللجنة التزم في اليومين الماضيين بالحديث عن المبادئ الدستورية في الدستور، وطرح صياغات لعدة مبادئ، لكن وفد النظام تجاهل نقاشها أو التعليق عليها، وتابع في سرديته المتعلقة بالموارد الطبيعية الوطنية المسيطر عليها من "الاحتلال الأمريكي والعقوبات الاقتصادية، وتوجيه اتهامات بالعمالة لبقية الأطراف تلميحا أو تصريحا في بعض الأحيان".

 

وتضيف ياسين أن كتلة المجتمع المدني طرحت أيضا مبادئ أساسية للدستور، كالعدالة الانتقالية وحق العودة الآمنة والطوعية وغيرها من المبادئ، لكن النظام لم ينخرط بالنقاش فيها، واستمر في سلوكه القائم في تجاهل ما تم طرحه من قبل الوفود المشاركة، وعاد للحديث في الاحتلالات والعقوبات الاقتصادية، ولم يدخل بأي نقاش رغم الدعوات من قبل المجتمع المدني والمعارضة السورية.

 

وبوجهة نظر ياسين، فإن الجولة الخامسة التي من المفترض أن ينتهي جدول أعمالها في 29 من يناير الحالي تعتبر "مفصلية"، لأنها ستحدد المسار الدستوري ومآلاته وإلى أي طريق ستفضي؟، وتشير ياسين "هل سيذهب النظام بسلوكه إلى تفجير العملية الدستورية وبالتالي وقوفها؟ أو سيتم الضغط على النظام دوليا للانخراط بالعملية الدستورية؟".

 

"لعبة سياسية":

لم يخف نظام الأسد منذ عام مضى موقفه الرسمي من "اللجنة الدستورية السورية" بل كان صريحا بذلك وبشكل خاص على لسان بشار الأسد، في أثناء مقابلة له على "زيفيردا" التابعة لوزارة الدفاع الروسية، أكتوبر 2020.

 

الأسد قال حينها إن "تركيا والدول الداعمة لها، بما فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها، غير مهتمة بعمل اللجنة الدستورية بصورة بناءة، ومطالبها تهدف إلى إضعاف الدولة السورية وتجزئتها"، وأنه يرفض التفاوض حول قضايا تخص استقرار سوريا وأمنها.

 

ووصف الأسد محادثات اللجنة في جنيف بأنها "لعبة سياسية"، وأنها ليس ما يركز عليه عموم السوريين، في لقاء آخر مع وكالة "سبوتنيك" الروسية، في أكتوبر 2020.

 

فالشعب السوري، برأي الأسد، لا يفكر بالدستور، ولا أحد منه يتحدث عنه، واهتمامات الشعب السوري تتعلق بالإصلاحات التي ينبغي تنفيذها، والسياسات التي يحتاج تغييرها لضمان تلبية احتياجات الشعب السوري.

 

ويرى الدبلوماسي السوري السابق، بشار الحاج علي أن "النظام السوري لا يريد الدخول في العملية الدستورية، لذلك يعمد التركيز على ما يسمى بـ"الثوابت الوطنية"، في خطوة لاستفزاز الطرف المعارض، للوصول إلى مرحلة التعطيل. 

 

ويقول علي في حديث له لموقع "الحرة": "النظام يحاول تمرير قليل من الرسائل الإيجابية بأنه مستمر بالعملية السياسية وليس الدستورية، وذلك من أجل تحضيراته للاستحقاق المقبل في أبريل".

 

ما سبق من رسائل إيجابية يعتبرها الدبلوماسي السوري السابق "رسائل روسية من موسكو بأنها تعمل في إطار العملية الدستورية، ويوجد تجاوب من قبلها مع الحل السياسي وقرار مجلس الأمن 2254، لكن هذا الأمر لا يمنع من الاستحقاقات المقبلة".

 

ويشير علي إلى أن النظام "لن يدخل بجدية في عملية الإصلاح الدستوري، إلا بنوع من المرونة"، متوقعا أن ينسحب نقاش "المبادئ الدستورية" إلى جولات أخرى.