السبت 2017/08/12

من “ميافارقين” إلى جوبر.. هل يتعظ أمراء اليوم بأمراء الأمس ؟!

سمِّه ما شئت من الأسماء أو الأساطير التي اقترنت بحوادث الاختفاء وابتلاع البشر، أو سمِّه باسم أشهر المدن صموداً على مر التاريخ، فكلها يمكننا أن نسقطها اليوم مثالاً على ذاك الحي الصغير شمال شرق العاصمة دمشق.

يذكرني صمود "حي جوبر" المحاصر منذ أكثر من 3 سنوات، وحيرة قوات الأسد والمليشيات الإيرانية على أسواره بحَيرةِ "أشموط" ابن هولاكو اللعين على أسوار مدينة "ميافارقين" في ديار بكر، التي ظلت عصية لمدة طويلة على المغول رغم حصارها الطويل، فحي جوبر وعلى مدار أكثر من شهرين تعرض لحملة بربرية غاشمة استخدمت فيها قوات النظام كل الوسائل التدميرية والأسلحة الثقيلة التي أحالت معظم أبنيته القديمة والمعالم التاريخية فيه أثراً بعد عين، وعلى الرغم من ذلك فإن قوات "الفرقة الرابعة" التابعة لماهر الأسد ذاقت في الأيام الأخيرة مرارة الهزيمة كثيراً ، إذ سجّلت معارك الثوار هناك الذين يتبع معظمهم لفيلق الرحمن نحو 60 قتيلاً وعشرات الجرحى فضلاً عن تدمير عشرات الدبابات والمدرعات والآليات الثقيلة، وتتجاوز الحصيلة البشرية لقوات النظام في الشهرين الماضيين مئتي قتيل.

وبعد فشل النظام بحملته على إخضاع حي جوبر لجأ إلى البلدة التي تجاوره وهي عين ترما، والتي إن سقطت فسيُعتبر الحي بحكم الساقط نارياً بعد أن يحاصر، وهو ما أدركته الفصائل العسكرية التابعة لفيلق الرحمن والتي أبدت صموداً موازياً لصمودها في جوبر وتصدَّت لكافة الهجمات.

دخول مثلث "جوبر عين ترما زملكا" ضمن اتفاقية التهدئة الروسية بالغوطة لم يكن مسبباً لإيقاف النظام هجومه وإصراره على إسقاطه، بل على العكس فإن روسيا زعمت أن في تلك المناطق "هيئة تحرير الشام" كي تشرعنَ الهجوم، على الرغم من أن المنطقة تخلو من أي تواجد لأي عنصر تابع لذلك الفصيل الذي قاتله أصلاً فيلق الرحمن في الفترة الأخيرة، وبالتالي ليس هناك أي مبرر لركون بقية الفصائل كجيش الإسلام أو أحرار الشام أو غيرها من الفصائل التي صامت عن مهاجمة النظام بدعوى وجوب الالتزام بالاتفاق الذي يعلمون جيداً كم مرة خرقه النظام بالقصف حتى على المواقع التي يتمركز بها جيش الإسلام ذي الثقل العسكري في الغوطة.

ومع نية النظام استمرار التصعيد الذي بلغ ذروته بدعم جوي روسي ومليشيوي إيراني كالذي حصل في المناطق السورية التي سقطت مسبقاً، لا يزال يقع في الغوطة ما يحز في النفس ويُدمي القلب من هجمات متبادلة بين الفصائل المتواجدة هناك ، الفيلق يتهم الأحرار والأحرار تتهمه ، والجيش يتهم الفيلق والفيلق يتهمه ، والهيئة تتهم الفيلق والجيش، وكلاهما يتهمها ، والجميع يُخوّنُ الجميع، ونار المشاحنات لا تكاد تنطفئ في موضع حتى تشتعل في موضع آخر، بينما يحاول النظام الزحف نحوهم عبر جوبر الذي سيكون بوابته لإنهاء كل تلك الفصائل بعد أن تكون قد أنهكتْ بعضها بعضاً.

وباستذكار ما حصل في "ميافارقين" قبل مئات السنين من تخاذل كل ملوك وأمراء حلب ودمشق والكرك وغيرها من نصرة الأمير الشجاع محمد الكامل واشتغالهم بالهجوم على إقطاعات بعضهم، أو عقد مصالحات مع هولاكو اللعين فإن المدينة سقطت مؤخراً بيد المغول بعد صمود منقطع النظير وحصار طويل، ثم استفرد هولاكو لاحقاً بهؤلاء الأمراء الذين هادنوه واحداً تلو الآخر حتى أنهاهم وسلب مدنهم وأحرقها واغتصب نساءها، وذلك ما يُخشى اليومَ على حي جوبر المحاصر الذي تخاذلت عن نجدته معظم الفصائل واشتغلت ببعضها كحال هؤلاء الأمراء أواخر عهد الخلافة العباسية.

نعم لقد سطر التاريخ صمود "ميافارقين" كما سجّل في الوقت نفسه أسماء كل من تخاذل بسيفه عنها ولحقه العار، وسيُسطرُ التاريخ اليوم كذلك بسالة وصمود هذا الحي الصغير الذي إن تُرك على هذه الحال فلن يدوم صموده في ظل الهجمة المستمرة ليلاً ونهاراً عليه، وسط تخاذل محلي وحرب مصالح شخصية بين الفصائل، فهل يتعظ أمراء اليوم بأمراء الأمس..؟