الأحد 2016/10/02

من غروزني إلى حلب جحيم الموت يتكرر

على عتبات الموت كانت هناك مدينة لبدت سماءها غيومُ الحقد الأسود حاملة معها عناوين للموت الروسي الذي لم يعد يراعي كبيرا ولا صغيرا ؛ مدينة يقطنها خمسة آلاف نسمة كانت مدينة عصرية بالمقاييس الروسية إلا أن الإستراتيجيين الشيشان خططوا لجعل مدينة غروزني الميدان الأول للحرب حيث استدعت القيادة الشيشانية كل المسؤولين على إدارة البلاد وتم اتخاذ كل التدابير الدفاعية كما أمرت القيادة الشيشانية قواتها بأن تكون دائمة الحركة داخل العاصمة غروزني حتى لا يكون هناك خط جبهة مستقر أو معركة حاسمة تكون الغلبة فيها لروسيا التي تملك كل الأسلحة الثقيلة كما أن القيادة حددت قتل مئة جندي يومياً كهدف لإجبار الجيش الروسي على الانسحاب ولو بعد حين.

الهجوم الروسي بدأ يوم الحادي والثلاثين من ديسمبر عام ألف وتسعمئة وأربعة وتسعين حيث دخل الجيش الروسي عبر ثلاثة محاور من الشرق والغرب والشمال وكان المجاهدون الشيشان يتابعون الهجوم الروسي عن بعد وكانت خطتهم تقتضي ترك الروس يتوغلون إلى مشارف وسط المدينة حتى يصعب عليهم الانسحاب ثم الهجوم عليهم بعد غروب الشمس.

خرابٌ حل بمدينة كانت مرتعاً لأحلام (مريم وحيدوفا) الملقبة (شهرزاد الشيشانية) التي اتعبتها الذكريات عن الخراب الذي حل بالشيشان وهي الحال نفسه التي راودت عمران دقنيش الذي خرج بأحلامه من وسط الركام ليهز العالم بنظراته التي تحكي قصص الموت الحي والدمار الذي لحق بمدينة حلب.

من جديد تعود صفحات التاريخ لتتناقل حرب غروزني لتجد في حلب توءمها الحي الذي لايزال ينادي للحياة متشبثاً بكل معاني الصمود تلك المدينة التي باتت ركاماً أراده الروس عنواناً لحربهم الجديدة.

عامٌ مر على الحملة الروسية العسكرية في سوريا وقد بات واضحاً لدى الروس أن قوات النظام لا تستطيع موازنة الغارات الجوية والحفاظ على زخم المعركة على الأرض ومن هنا فإن الحل الروسي لغياب قوة الجنود بات واضحاً وبشكل كبير في مدينة حلب وهو ما تمثل في زيادة شراسة القصف الجوي من أجل محو الهدف وتحويل منطقة الثوار في شرق حلب إلى غروزني في هذه الحرب التي لا ترحم.

الحرب الجديدة أو مصطلح حرب الموت الحي هو ما يمكن اختزال هذه المحرقة التي تجري اليوم على مرأى المجتمع الدولي؛ كل هذا يدفع باتجاه اعتقاد راسخ وواضح وهو أن نهاية الهدنة الأخيرة مرتبطة بحدثين أولاً الغارات الجوية التي قامت بها المقاتلات الأمريكية وقتلت اثنين وستين جندياً سورياً بعدما اعتقدت أنهم من تنظيم الدولة ليأتي الرد في اليوم التالي حيث تم ضرب قافلة المساعدات الإنسانية التي كانت في طريقها إلى حلب الشرقية ليُسدل الستار بذلك على هدنة ولدت بالأصل معاقة.

مشاهد عاصفة رعاها مجلس الأمن الدولي حيث وصفت السفيرة الأمريكية سامنثا باور الممارسات السورية بالبربرية فيما قال السفير البريطاني ماثيو ريكوفت إن ما يجري هو جريمة حرب أما السفير الفرنسي فقال: إن حلب بالنسبة لسوريا هي ما مثلته سراييفو للبوسنة أو ما مثلته غورينكا في الحرب الأهلية الإسبانية وهذا كله يشير إلى أن روسيا قد توصلت إلى نتيجة وهي أن حلفاءها الإيرانيين ونظام الأسد على الأرض لا يستطيعون استعادة حلب ولهذا فإنها تخطط لتسويتها بالأرض.

حالٌ لاتيشبه أي محرقة ولا حتى أي مأساة عرفها التاريخ؛ فروسيا تمعن القتل والدمار جيداً فلأنها لم تستطع هزيمة عدد كبير من الفصائل الثورية قررت تدمير حضارتهم نيابة عن النظام وإجبارهم على الخروج من منطقتهم التي أصبحت أرضاً قاحلة وبالتالي ضمها لدويلة يحكمها الأسد.

سيناريو شبيه بسيناريو غروزني فالروس كعادتهم يراوغون ويراوحون رغم كل المعارضات الدولية لهم إلا أنهم يعتقدون مطاردة رجال العصابات بينما هم يقضون على السكان الآمنين ويدمرون قرى بأكملها فيما الشعب الشيشاني بالأمس والشعب السوري اليوم مضطران لمجابهة الشتاء الروسي الذي لا يرحم ولا يقلص حدة برودته إلا الموت الذي بات ملاذاً آمناً للسوريين يفرون إليه علهم يجدون فيه الراحة الأبدية.