الخميس 2019/04/25

ملامح انتفاضة شعبية ضد “ب ي د” في ريف دير الزور

لا يكاد يتوقف الاحتقان والغضب والتذمر والتململ الشعبي في ريف دير الزور الذي تسيطر عليه المليشيات الكردية الانفصالية المتمثلة بمليشيا "قسد"، في ظل السياسة التي تتبعها المليشيات ضد أهالي المنطقة ذات الغالبية العربية.

بعد خروج المظاهرات ضد سياسة "ب ي د" في ريف دير الزور الغربي قبل أيام انتقلت اليوم إلى الريف الشرقي، حيث يطالب المتظاهرون بإسقاط ما وصفوه بـ "الاحتلال الكردي" في إشارة إلى هيمنة مليشيا "ب ي د" الانفصالية على كل مقدرات الشمال الشرقي من سوريا، بدون أن يكون منه حصة لأبناء المنطقة العربية الذين يعيشون في ظروف صعبة للغاية، مع شح فرص العمل وغياب دعم المنظمات الإنسانية، الأمر الذي يمهد لثورة جياع ضد "ب ي د".

نظرة على واقع الخدمات

بعض المناطق التي سيطرت عليها "قسد" مر عليها أكثر من عام وبعضها الآخر يتجاوز تلك المدة، وبالرغم من انقضاء وقت طويل على طرد تنظيم الدولة؛ لم تقم "ب ي د" بما يلزم من أجل النهوض بالواقع الخدمي، من ماء وكهرباء ومدارس، بل إن العديد من المدارس في الشمال الشرقي من سوريا لا تزال مهدمة أو متضررة بدون وجود بوادر لإصلاحها، وقد انتشرت على مواقع التواصل أكثر من مرة صور تظهر أطفالاً يدرسون في مكان لا يشبه المدرسة إطلاقاً؛ فالجلوس على الأرض، والمدرسة بدون أبواب أو شبابيك، الأمر الذي يجعل الكثيرين يُحجمون عن التعلم خوفاً على أطفالهم، وذلك على خلاف الواقع في المناطق ذات الغالبية الكردية كالقامشلي مثلاً التي تحظى باهتمام متزايد في نواحٍ عدة وخاصة التعليم، كما يُدرس المنهاج باللغة الكردية، وقد أغلقت "ب ي د" العام الماضي العديد من المدارس في محافظة الحسكة بعد رفض المعلمين فيها تدريس المنهاج الكردي.

ومما زاد من التأكيد على إهمال "ب ي د" للخدمات في الشمال الشرقي من سوريا الفيضانات الكبيرة التي شهدتها عدة مناطق مؤخراً جراء الأمطار، إذ لم تقم بمساعدة السكان، بل إنها راحت تجمع تبرعات لمتضرري الفيضانات في إيران بحسب ما ذكر موقع "الخابور" المحلي.

يضاف إلى ذلك أن العديد من المدارس والمشافي والمستوصفات تحولت إلى مقرات عسكرية للمليشيات الكردية، فبدل من أن ترممها وتصلحها وتزودها بما ينقصها لتعود لسابق عهدها حولتها إلى مقرات عسكرية، هذا فضلاً عن انتشار البطالة بشكل كبير لإجبار الشبان على التطوع في صفوف "قسد"، وحتى من يتطوع لا يلقى معاملة العنصر الكردي، وكان من بين مطالب المتظاهرين وقف "التمييز" وأن تكون هناك مساواة في التعامل بين المتطوع الكردي ونظيره العربي، لكن هذا لم ولن تحققه "ب ي د" التي تعتبر المتطوعين العرب بمثابة أدوات لتحقيق أهدافها في الشمال الشرقي من البلاد.

النفط.. ثروته لـ "ب ي د" وضرره للأهالي

يشتهر الشمال الشرقي من سوريا بأنه مكان لثروة نفطية هائلة كان يزود عموم سوريا بالمستلزمات النفطية قبل أن يُطرد نظام الأسد من المنطقة على يد الثوار، وبعد قدوم تنظيم الدولة كان هناك تنسيق بين الجانبين لضخ النفط لمناطق نظام الأسد مقابل مبالغ مالية عبر تاجر يدعى "القاطرجي"، وحتى بعد طرد التنظيم لم تتوقف "ب ي د" عن تزويد النظام بالنفط عبر التاجر نفسه مقابل مبالغ مالية لا ينتفع منها سوى "ب ي د" التي تطمح لأن يكون لها تمويل دائم بدون الاعتماد على التحالف الدولي، لكن عمل ذلك التاجر توقف بالوقت الحالي بعد انكشف أمره وذاع صيته كثيراً.

لا يستفيد سكان المنطقة الشرقية من النفط على الإطلاق بل إن "ب ي د" تتحكم بالأسعار بين يوم وآخر، وهناك تبابين ملحوظ في السعر بين المناطق العربية والكردية، ففي الحسكة مثلاً سعر ليتر المازوت 55 ليرة سورية، لكنه في ريف دير الزور الغربي يصل إلى 155 ليرة بحسب اللافتات التي رفعها المتظاهرون قبل أيام في بلدتي الحصان و محيميدة ، ما يعني أنه في زمن التنظيم وزمن قسد وحتى زمن النظام لم تكن هناك أي حصة من النفط للسكان الذين يقطنون في تلك المنطقة، بل إن من كان منزله بالقرب من "حراقات النفط" البدائية نالته الأمراض المتعددة في الرئتين والصدر بسبب استنشاق الدخان الملوث المنبعث من تلك الحراقات.

وقد شكّل تهريب "ب ي د" المحروقات إلى مناطق نظام الأسد في الآونة الأخيرة بعد أزمة البنزين الحادة بمناطق النظام موجة غضب عارمة ضد المليشيات الكردية، دفعت بمتظاهرين إلى قطع طرقات صهاريج الوقود التي كانت متوجهة لمناطق النظام، في حين تزعم "ب ي د" أنها ضد تزويد النظام بالنفط ونشرت قبل أيام خبراً تقول فيه إن التحالف قصف عشرات الشاحنات المحملة بالنفط خلال طريقها من العراق إلى مناطق النظام، لكنها في الوقت نفسه تُنسق معه من خلف الأضواء وتسعى لمده بالمشتقات النفطية، وهذا ما لم تستطع إخفاءه ودفع بالمدنيين إلى الاحتجاج ضد تهريب النفط، والذي انعكس سلباً على حياتهم، وزاد من الأسعار في الوقت الذي ينتشر فيه الفقر وغلاء الأسعار.

الهاجس الأمني

لا يزال توفير الأمن أبرز ما تفتقره مناطق عديدة تسيطر عليها مليشيا "قسد"، لاسيما أن عمليات السطو المسلح على منازل الصرافين والصاغة ازدادت بكثرة في الآونة الأخيرة، وأدى هذا إلى خروج مظاهرات جديدة لمحاسبة الفاعلين، غير أن مليشيا "ب ي د" لم تتعاطَ مع الأمر بجدية، لأن عناصر من "قسد" متورطون بعمليات السطو المسلح، ويقول شهود عيان للجسر من مناطق غرب دير الزور إن منزل أحد الصاغة الذي حاول مسلحون أن يقتحموه في بلدة الصعوة لا يبتعد عن حاجز "قسد" سوى 500 متر، وسيارتا المسلحين التي حاولت اقتحام المنزل عبرتْ من الحاجز نفسه، وهي من نوع "هايلوكس" التي لا تتوفر سوى لدى المليشيات الانفصالية، الأمر الذي يثبت بشكل قطعي تورط المليشيات بعمليات السطو المسلح.

تصفية المعتقلين

على طريقة نظام الأسد أقدمت مليشيا "ب ي د" أكثر من مرة على تصفية معتقلين في سجونها، كان آخرها قبل أيام في بلدة غرانيج شرق دير الزور، حيث قتل مدني تحت التعذيب يدعى ""جمعة عواد الأحمد" من أبناء بلدة سويدان جزيرة، وقام عناصر من المليشيات بالتمثيل بجثته بزعم أنه ينتمي لتنظيم الدولة ، على الرغم بحسب مصادر من داخل البلدة أن من قام بالتمثيل بالجثة أحد عناصر تنظيم الدولة الذين أجروا مصالحة مع "قسد"، وأدت هذه الجريمة بحق المدني وقتها إلى خروج مظاهرات شعبية غاضبة ضد المليشيات للمطالبة بمحاسبة الفاعلين.

إذن وفق ما يبدو فإن أسباب الثورة على المليشيات الانفصالية بدأت تزداد يوماً إثر يوم، وبعض هذه الأسباب هي من دفع السوريين إلى الانتفاضة ضد نظام الأسد في 2011، حيث كان من بين مطالب المتظاهرين السوريين إلى جانب المطلب الأول وهو الحرية ، كان من مطالبهم العدل والمساواة ووقف سرقة مقدرات البلاد ووقف ذبح المعتقلين والإفراج عنهم، وهذا ما تقوم به "قسد" اليوم بأساليب وحجج مختلفة.

الوقائع تقول الآن إن ما يجري هو ملامح انتفاضة شعبية في المناطق ذات الغالبية العربية ضد "ب ي د"، فهل يستغل أبناء المنطقة الشرقية الفرصة ويهُبون هبة رجل واحد للثورة ضد "قسد"، أم إن السوريين ملوا من تجارب الخروج المسلح ضد من يحكمهم ؟