الأربعاء 2019/11/06

مع الموجة الثالثة “للربيع العربي”.. هل فشل محور “الثورات المضادة”؟

مثّل الانقلاب العسكري الذي قاده "عبد الفتاح السيسي" في مصر صيف العام 2013، إيذاناً بانطلاق عهد جديد على الرقعة العربية، بدعم قادة دول وجدوا أن موجة "الربيع العربي" باتت تهدّد وجودهم بشكل فعلي، وهذا ما عُرف لاحقاً باسم "الثورات المضادة".

صانعو تيار "الثورات المضادة" استدركوا مواقفهم الداعمة لاحتجاجات مصر وسوريا وليبيا وسواها، وانقلبوا على تلك المواقف عبر شيطنة نتائج "الربيع العربي"، وتصوير مطالب الانتفاضات على أنها "فوضى عارمة"، من خلال آلة إعلامية عملاقة صوّرت للغرب والعرب معاً أن "الإسلاميين" هم أكبر المستفيدين من تلك الثورات. وفي سبيل ترسيخ نفوذ "الثورات المضادة" دعم صانعو ذلك التيار عودة الديكتاتوريات العسكرية التي رسمت في المنطقة العربية خلال عقود لوحة قاتمة عنوانها القمع والكبت والفشل في قطاعات الاقتصاد والخدمات والتعليم..الخ.

وبدلاً من مساعدة دول "الربيع العربي" على تجاوز المحن وتبعات التغيير، تم التآمر والالتفاف على مطالب الملايين، وبرزت "فزاعة الإرهاب" التي ساهمت في تغيّر المِزاج الدولي، وأحالت الانتفاضات الشعبية إلى حروب بالوكالة وميداناً للتنافس على النفوذ والمكاسب.

بين العامين 2011 و 2014 تغيّر كل شيء في مصر وليبيا وسوريا واليمن والعراق، ونجت "تونس" على ما يبدو رغم المحاولات الحثيثة لإلحاقها بقائمة ما أطلق عليه محور الثورات المضادة اسم "الخريف العربي". دخلت تلك الدول على نحو سريع دوامة الفوضى الموجَّهة، وباتت أمام خيارين اثنين فقط، فقدان كل شيء.. أو العودة إلى الوضع السابق.

بات الحديث عن مفهوم "الأمن والاستقرار" هو الخطاب الرئيسي على وسائل الإعلام التابعة لمصر والإمارات والسعودية ومَن دار في هذا الفلك، وأصبحت مأساة السوريين واليمنيين والليبيين بُعبعاً يتم استخدامه لتخويف شعوب المنطقة من أي محاولات للتغيير أوالمطالبة بالحقوق المشروعة.

الحقيقة أن التقنيات التي استخدمها محور "الثورات المضادة" يحتاج وقفات طويلة، لمعرفة حجم الضرر الذي ألحقته تلك الدول ببلدان "الربيع العربي"، لكن ما يهمنا هنا هو التساؤل عن مدى نجاح ذلك المحور في تحقيق ما بذل لأجله أطناناً من الأموال والكوارث والمؤامرات.

حتى نهاية العام 2018 بدا أن موجة "الربيع العربي" صارت طيّ النسيان، ولم يعُد أحد يذكر أصلاً لماذا خرج الملايين إلى الساحات مطلِع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، إلى أن أزالت الموجة الثانية من الثورات العربية هذا "الوهم" في كل من الجزائر والسودان، وسرعان ما سقط بوتفليقة والبشير.

انطلق محور "الثورات المضادة" مجدداً إلى هذين البلدين، في سعي لإخماد هذه الموجة، وبدأ إغداق الأموال في السودان لسرقة مطالب المنتفضين عبر "المجلس العسكري"، وفي الجزائر كذلك بقي الأمر بعد بوتفليقة بيد العسكر، غير أن مشهد "الثورة" في كلا البلدين لم يكتمل بعد، أمام إصرار شعبهما على مطالب إزاحة جميع رموز النظامين السابقين من الواجهة.

ما إن التقط "المضادّون" أنفاسهم حتى فاجأتهم الموجة الثالثة بزخم قوي في العراق ولبنان، في احتجاجات على أنظمة المحاصصة الطائفية بالبلدين. وبغض النظر عن "ترحيب مبطّن" من السعودية والإمارات بهاتين الثورتين على أنهما "ضد الوجود الإيراني بالمنطقة"؛ إلا أن ما يحصل الآن يُثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن معالجة مطالب ملايين العرب بالحديد والنار أو بالتآمر والدسائس، لم تعد تجدي نفعاً، وأن الجماهير المنتفضة لم تعد تلقي بالاً لمفهوم "انظروا ماذا حل بالسوريين"، الذي أراد به أعداء الثورات العربية، تربية شعوبهم وتخويفها من أي تفكير بالتغيير.

قد لا يحصل المنتفضون في تلك الأقطار العربية على كل ما يريدون، لكنهم على أية حال يثبتون في كل موجة مظاهرات جديدة، أن محاولات فرض الأمر الواقع وتسييس مصائر الشعوب بالمال السياسي والضغط والمؤامرات والمحاصصات الطائفية والإقليمية والدولية، لن تجدي نفعاً، وأن وقت التغيير قد حان بالفعل.. أكثر من أي وقت مضى.