الثلاثاء 2020/01/14

معرة النعمان.. ماذا تحضّر روسيا؟

ترقب يسود سكان إدلب وخاصة الريف الجنوبي مع توقف الحملة العسكرية البرية التي شنتها قوات النظام بدعم من الاحتلال الروسي على محاور جنوب شرقي المحافظة، وتمكنت خلالها قوات النظام من السيطرة على عشرات القرى والبلدات، ما جعلها على مسافة نحو 12 كم عن مدينة معرة النعمان الاستراتيجية في ريف إدلب الجنوبي.

أعلنت روسيا بعد العمليات العسكرية الموسعة في شهر كانون الأول الماضي بدء هدنة في محافظة إدلب اعتباراً من الخميس 9 كانون الثاني الجاري، وقالت إن الهدنة تم التوصل إليها بعد اتفاق مع تركيا، لكن أنقرة لم تعلن عن الهدنة في التوقيت الروسي، وأعلنت أن الهدنة بدأت الأحد 12 كانون الثاني الجاري.

سبب الهدنة ؟

يبدو الهدف الظاهري من الهدنة التي أعلنتها روسيا "الاستجابة" للدعوات المطلقة خاصة التركية بضرورة وقف العمليات العسكرية لما لها من انعكاس سلبي على حياة ملايين السكان في منطقة إدلب، لكن وفق خبراء عسكريين وبالنظر إلى حالات مشابهة للوضع الحالي على الجبهات فإنه لا يبدو أن الهدف من الهدنة إنساني أبداً، إذ إن روسيا تسعى من خلالها إلى تثبيت سيطرة قوات النظام بشكل جيد في المناطق التي تم احتلالها حديثاً أبرزها بلدة جرجناز، وذلك خشية من عمليات مباغتة للفصائل الثورية قد تغير خارطة السيطرة وتسترد المناطق المحتلة، ومثل هذا حصل فعلاً في ريف إدلب الشرقي بعد أن شن الثوار هجوماً مباغتاً استعادوا فيه 3 قرى وقتلوا العشرات من قوات النظام، ما دفع بروسيا إلى المسارعة في تثبيت الهدنة، ما يعني أن الهدف الأساسي من الهدنة سيكون منح قوات الأسد مزيداً من الوقت لتثبيت نقاط السيطرة، إضافة إلى إرسال تعزيزات عسكرية إلى الجبهات، وحصلت سيناريوهات مشابهة لهذا التكتيك العسكري خلال سيطرة قوات النظام على مناطق واسعة في سوريا.

ماذا بعد الهدنة؟

يتكرر الحديث عقب كل هدنة أنّ سببها منح هيئة تحرير الشام وقتاً كي تحل نفسها، لتجنيب إدلب عملية عسكرية، لكن هذا الكلام بات من الماضي، بعد تأكيد تحرير الشام عدة مرات أنها لن تحل نفسها، وتحاول روسيا من خلاله منح الشرعية لعملياتها العسكرية في إدلب، ما يعني أن العمليات العسكرية ستكون قريبة جداً ضد جنوب شرقي إدلب قياساً مع سيناريوهات سابقة في الشمال كسيطرة النظام على خان شيخون أو شمالي حماة وغيرها، فجميع تلك المناطق كانت مدرجة ضمن اتفاق هدنة قبل سيطرة قوات النظام عليها، ولم يمنع الوجود التركي المتمثل بنقاط المراقبة أو الاتفاقات التركية الروسية حول التهدئة وقف تلك العمليات العسكرية التي كانت لها تبعات كارثية على منطقة إدلب تعجز حتى تركيا عن احتوائها.

وبالنظر إلى خارطة العمليات العسكرية لقوات النظام فإن مدينة معرة النعمان ستكون الهدف الأول لمهاجمتها، خاصة أنها تقع على طريق إم 5 الدولي، وباتت المليشيات قريبة منها بمسافة لا تتجاوز 12 كم، ومن المعلوم فإن روسيا تسعى للسيطرة على الطرق الدولية في سوريا وفتحها لما لها من تبعات محلية واقتصادية جيدة للنظام، وركزت خلال السنوات الماضية محاور هجومها في الشمال الغربي من سوريا في هذا الصدد.

أجواء ما قبل الحرب

إذن يمكن القول إن إدلب تشهد الآن أجواء ما قبل الحرب، وعزز من ذلك ما أعلنته حتى المنظمات المحلية في الشمال الغربي من سوريا، كمنظمة "منسقو الاستجابة" التي حذرت النازحين من العودة إلى المناطق التي هجروا منها رغم أنها تقع تحت سيطرة الثوار، وذلك لعدم وجود رادع للنظام أو الروس من قصف تلك المناطق أو شن عمليات برية ضدها، ما يعني أن خطر التصفية سيطال المدنيين في حال بقوا في منازلهم إن سيطر عليها النظام، هذا فضلاً عن استمرار قوات النظام بالخروقات وارتكابها مجازر عدة بعد الهدنة المعلنة من قبل روسيا.

ما يمكن الجزم به أن هدنة إدلب الحالية مؤقتة وإن استمرت لوقت طويل، وهذا من المفترض أن يشكل حافزاً للفصائل العاملة في الشمال الغربي من سوريا لتجميع الصفوف والاستعداد للمواجهة أو المبادرة بالهجوم من منطلق "اتغدى بيه قبل ما يتعشى بيك"، فالقوة الكبيرة للثوار من عدة وعتاد في الشمال الغربي إن تم تفعيلها ستردع قوات الأسد عن التقدم شبراً واحداً نحو مدينة معرة النعمان، ومما لا يقبل التشكيك او الجدل أن قوات النظام والمليشيات الإيرانية تعجز عن المواجهة الميدانية ، وتعتمد بشكل أساسي على تغطية الطائرات الروسية التي تحرق كل شيء في سبيل تمهيد الطريق أمام تقدم المليشيات، ولعل في الهجوم المباغت الذي شُن قبل أيام من قبل الثوار شرق إدلب واستردوا فيه 3 قرى مثال على ذلك، ويضاف إلى ذلك الحاضنة الشعبية في إدلب التي ترفض بشكل قطعي تقدم قوات النظام، وهرب مئات الآلاف نحو الحدود السورية التركية خوفاً من المجازر والعمليات الانتقامية لمليشيات الأسد.