الخميس 2019/07/25

معارك الشمال.. هكذا كسرت الفصائل إيقاع “دبيب النمل”

لجأت روسيا منذ دخولها ساحة المعارك السورية في أيلول 2015، إلى تقسيم حربها إلى شقين: الأول سياسي و الثاني عسكري، فبينما تقصف طائراتها المدن و البلدات المحررة، تقوم بفتح مسار سياسي في أستانا لحل القضية السورية على حد زعمها، فقسمت المناطق كيفما شاءت تحت مسمى مناطق "خفض التصعيد"، حيث جمدت القتال فيها و أوهمت العديد من الفصائل نيتها البدء بعملية سياسية حقيقية، و قبلت غالبية الفصائل بهذا الأمر؛ إلا أن روسيا كان هدفها توقيف المعارك في كل مكان و التركيز على  منطقة واحدة بالقصف و الغارات  من جهة و من خلال العملاء و المصالحات من جهة أخرى،  بينما تكفلت الفصائل الثورية بدورها بأشياء أخرى كالاقتتال الداخلي الهادف لبسط السيطرة على مناطق الآخرين تحت حجج و ذرائع واهية،  حيث ساهم ذلك في إفقاد الثورة كثيراً من حاضنتها الشعبية و استنزف قدرات الفصائل في مواجهات كان من الأولى أن تصرف ذخيرتها و دماءها على جبهات القتال ضد النظام،  فسقطت المدن و البلدات تباعاً بعد أن دمرتها الطائرات الحربية و مصالحة الكثير  من الأهالي للنظام برعاية روسية، بينما من رفض ذلك فكان عليه ركوب الباصات الخضراء نحو الشمال حيث تتوقع روسيا إنهاء الثورة هناك .

حاولت روسيا منذ أكثر من عام زرع الجواسيس و الخونة بين صفوف المدنيين في الشمال، ليبثوا روح التشاؤم و الهزيمة بين السكان و يحرضوهم على تسليم مناطقهم للنظام دون قتال، لكن وعي الغالبية و رفضهم العودة للعيش تحت ظل نظام الأسد بعد أن هجروا من منازلهم بالإضافة إلى حملات اعتقالات قامت بها عدة فصائل ضد عملاء النظام، ساهمت بإفشال الخطة الروسية، ونتيجة علمها أن الشمال ليس كباقي المناطق و ما يحويه من عشرات آلاف المقاتلين الذين لا يملكون خياراً سوى المقاومة، صرح  مسؤولون إيرانيون و روس أنهم سيسيطرون على إدلب عن طريق سياسة "دبيب النمل"، حيث يسيطرون على مناطق صغيرة نسبياً إلى حجم المحرر ثم يستريحون و بعدها يكملون المعارك للسيطرة على نقاط أخرى حتى إنهاء إدلب بشكل كامل و هكذا أطلقوا معركتهم منذ ما يقارب الشهرين للسيطرة على سهل الغاب و تلال كبانة تحت ذريعة حماية قاعدة حميميم من صواريخ "الجماعات المسلحة" و بدؤوا بالتمهيد على القرى الجنوبية لإدلب و الشمالية لحماة و على قرى  جبلي الأكراد و التركمان، ما زاد معاناة المدنيين في شهر رمضان ليتكبدوا عناء نزوح جديد من مناطقهم نحو الشمال .

أمام سياسة "دبيب النمل" كان لا بد للثوار من ابتكار تكتيك جديد للمعارك و عدم اتخاذ أساليب تقليدية أثبتت فشلها في بقية المناطق و لهذا كانت المعارك في الشمال مختلفة بسبب تعلم الثوار من الأخطاء و الاستراتيجيات السابقة فما حدث في حلب و الغوطة كان درساً قاسياً فاليوم لا مجال للاقتتال أو اقتسام المحرر فيما بينهم لأن الخطر يداهم الجميع و لهذا عمد الثوار إلى تكتيك معارك مختلف عن سابقاته  فلم يعد الثوار يتشبثون بنقطة في سبيل عدم ضياعها و خسارة عشرات المقاتلين في معركة خاسرة، حيث إن النظام سيحرق الأرض و يدمر كل شيء للسيطرة على هذه النقاط فقاموا بالعمل بشكل مختلف و هو حرب العصابات و الكر و الفر فنراهم ينسحبون من أراضي كثيرة دون نزيف دماء، ليعاودوا السيطرة عليها في الليل و يقتلون العشرات من قوات النظام، ثم يهاجمون نقاطاً على جبهات أخرى يريد النظام لها البقاء "محيّدة"، فيقتلون عناصر النظام و ينسحبون بعد إنهاك النظام و تشتيته و تكبيده خسائر فادحة في الأرواح و العتاد و ليس هذا كل شيء، فقد قام الثوار بإطلاق عدة معارك خلال هذا الشهر سيطروا فيها على نقاط واسعة تساوي ما خسروه من الأراضي، و كان آخرها معركة "كسر العظم" المباغتة حيث سيطر الثوار على كفرهود و الجبين و الجلمة و تل ملح و استطاعوا الوصول إلى أوتوستراد "السقيلبية- حماة" و اتوستراد "السقيلبية-محردة"، وضيّقوا الخناق على قوات النظام التي ستنسحب مجبرة من كفرنبودة و الغاصبية في حال تقدم الثوار أكثر في معركة "الفتح المبين" و هي المرحلة الثانية لمعركة "كسر العظم" التي أربكت الروس و جعلتهم يسحبون العديد من نقاطهم تحت وقع ضربات الفصائل.

خسر النظام خلال الشهر الماضي نحو 1000  مقاتل معظمهم موثقون في صفحات النظام على وسائل التواصل، إضافة إلى آلاف الجرحى و عشرات الآليات العسكرية و المدرعات، ناهيك عن إسقاط الثوار طائرات حربية بصواريخ مضادة للطائرات و استخدم الثوار مئات صواريخ التاو و الكونكورس لاستهداف آليات النظام و عناصره الذين وجدوا أنفسهم اليوم يُستنزفون في ريف حماة دون أي تقدم ملحوظ في محاولة استرجاع المناطق التي خسروها، بينما يستمر الثوار بتكبيدهم يومياً عشرات القتلى على تلال الكبانة التي أصبحت محرقة للمليشيات المساندة للنظام حيث إنه على الرغم من القصف الوحشي بالبراميل و المدفعية لم يستطيعوا التقدم و لو لمتر واحد في هذه التلال الصعبة، و تتناقل وسائل إعلامهم على العلن أنه لا يمكن السيطرة عليها و أن "تحرير الجولان" أسهل بالنسبة لهم من السيطرة عليها .

اختلف تكتيك الفصائل العسكرية في إدلب عما حدث مسبقاً في حلب و الغوطة حيث كان التنازع و التناحر بينهم حتى خروجهم بالباصات، أما اليوم فهم في خندق واحد يوزعون قوتهم على حسب الحاجة في كل قطاع، لا يهمهم اسم فصيل أو قائد، يعملون بصمت في غرفة عمليات مشتركة تتجنب إصدار الأخبار  أو الأشرطة المصورة إلا وفق الضرورة، و تتحكم بسير المعركة وفق ما تريد، تاركة روسيا و النظام في حيرة من أمرهما، ليسقطوا أكثر من ثلاث أعوام من التغطرس الروسي و محاولة قلبه الطاولة بإعادة إحياء نظام شارف على السقوط في 2015 ، لكنه عاد بفضل الطائرات الروسية و المليشيات الإيرانية للسيطرة على مساحات واسعة لم تكن لتسقط لو أن الثوار كانوا يداً واحدة كما هم اليوم في الشمال، و هنا يطرح سؤال حول  من هو المسؤول عن عدم سقوط النظام.. هل هو الدعم العسكري الروسي، أم تشتت الفصائل ؟ .