الأربعاء 2016/09/28

مبعوثو الأمم المتحدة إلى سوريا.. إدارة القضية وليس حلها

إذا تجاهلْنا السوداني "الدابي" والبريطاني "مود" والسنغالي " أبو بكر غاي" الذين أوفدوا من قبل الأمم المتحدة لمراقبة الوضع في سوريا، كون عملهم اقتصر على "مراقبة" دون إطلاق مبادرة ، وجعلنا التركيز حول المبعوثين الثلاثة "عنان والأخضر وديمستورا" الذين خَلصت جهودُهم فيما يسمى بمبادرة جنيف لحل الوضع في سوريا، فإننا سنصل إلى نتيجةٍ واحدة.

ولعل "كوفي عنان" أولَ الثلاثة أكثرُهم حفظاً لماء وجهه، حيث عُيّن في فبراير 2012 ثم ما لبث أنْ قدم استقالته من مهمته في أغسطس من العام نفسه، وخلفَه المبعوثُ الأممي الآخر "الأخضر الإبراهيمي" وزير الخارجية الجزائري السابق الذي بدوره استقال في مايو 2014 بعد تعثر مباحثات جنيف 2 بسبب عوائق النظام المستمرة، ثم جاء ثالثُهم وآخرهم نائب وزير الخارجية الإيطالي السابق سيفان ديمستورا الذي عُين في يوليو من العام 2014 و لا يزال يتولى قيادة الملف السوري حتى الآن.

لا تباين ملموسًا في آلية عمل المبعوثين الثلاثة إذ يُمكن أنْ يصنف عملهم في خانة واحدة ألا وهي " الفشل " ، إلا أن ديمستورا يتميز عن عنان والأخضر بأن حقبته كانت الأكثر تفتيتاً للمجتمع السوري، وبإشرافٍ من موجهه في الأمم المتحدة بان كي مون الذي أمضى وقته بين الشعور بالقلق والهلع المصطنع، حتى أصبحَ محطَ سخريةٍ لدى كثيرٍ من السوريين.

وإذا كان عنان قد غادر مبكّراً، وإن كان الأخضر قد انسحب بعد أن استطاع لأول مرة جمعَ طرفي المفاوضات على طاولةٍ واحدة، فهي إلى حدٍ ما خطوة أقل سلبية، قياسًا بخبثِ العقلية التي يمتلكها ديمستورا الذي ضيّع بوصلة الحل، وفي ظل مراوغة الأمم المتحدة التي تلعب على الحبلين، وتقدم الدعم لنظام الأسد تحت مسمى المساعدات الإنسانية، ففي عهد ديمستورا بدأ التغييرُ الديمغرافي عبر عملياتِ التهجير القسري في دمشق وحمص، وحوصرتْ حلب ودمرت فوق رؤوس أصحابها وازداد عددُ الشهداء بشكلٍ كبير جداً ولا سيما في حلب، وحتى بين جنبات دمشق، في وقتٍ يعيشُ مبعوثو المستور في أحد فنادق العاصمة مترفين منعّمين، لا صوتَ لهم على الرغم من الأهوال المرتكبة على يد نظام الأسد وروسيا بالسوريينَ في المناطق المحررة التي لم تطأها قدمُ ديمستورا ولا بعثتُه يومًا.

خمسُ سنوات مرت والأمم المتحدة تمارس سياسة الخداع، مدعيةً أنها تريد تقديم حلٍ في سوريا التي يصفون الوضعَ فيها بالمعقد، وكأن الحل يشبه أحجيةً رياضيةً صعبة من أحاجي الألغاز الجامعية، ويحاول حلَّها طلابٌ في المرحلة الابتدائية!

لم تحقق الأمم المتحدة عبر تلك السنوات أي نتائج ملموسة للحل في سوريا، بل على العكس زادتْ من تشابكات الملف السوري عبر غضِّها الطرف كلياً عن جرائم النظام والروس، والمشاركة العلنية للمليشيات الطائفية في سوريا إلى جانب النظام، بل إن ديمستورا وفي غضون حرب الإبادة في حلب، خرج بخطابٍ يظهر في ثنايا كلامه ما يدعو إلى دكِّ حلبَ أكثر فأكثر عندما قال (إن حلب ليست كلها جبهة النصرة)، وفي ذلك إشارة واضحةٌ إلى أن المدينة فيها تنظيمُ القاعدة "شماعة الغرب" لقتل السوريين، وهو يعلم كما الغرب أن الجبهة انفصلت عن القاعدة وأصبحت أحد فصائل جيش الفتح التي تقاتل نظام الأسد، ما يعني أن "المستور والأمم" يريدان ضعضعة فصائلِ الثوار على حساب المليشيات الأجنبية التي لم تتلقَّ أي ضربة عسكرية على الرغم من شعاراتها العلنية " الموت لإسرائيل" " الموت لأمريكا" .. ، وتسعى إلى تغيير ميزان القوى على الأرض لصالح النظام.

الأمم المتحدة ودون شك أصبحت تقود الملف السوري من الخلف وتدفعه إلى الوراء محاولة تعميق الجرح النازف، وتتخذ من المراقبين الأمميين ذريعة لمواصلة إدخال البلاد في دوامات أوصلتها إلى طريق مسدود، وبدا من المؤكد أن دورهم يهدف فعليًا إلى إعاقة الحلول وبمثابة حائط أمام الحرية في ظل انقياد "المستور والأمم" إلى شروط نظام الأسد.

من السبب في التصعيد؟

أوليس سكوتُ الدول الغربية والأمم المتحدة عن ممارسات الأسد في أيام الثورة السلمية بحق السوريين هو السبب في تصعيد الأوضاع إلى أن وصلت إلى هذا الجانب الذي يصعب وصفه من القتل والتدمير والتهجير، ألم يكن باستطاعتهم ردع الأسد أو في أضعف الإيمان " إقامة حظر جوي أو الدفع بالأسلحة النوعية للثوار" في سبيل الوصول إلى ذلك الحل الذي يدعون بأنه معقد.

فأين المشكلة إذاً.. هل المشكلة أنه لا يوجد حل، ألا تعي الأمم المتحدة ومن خلفها أن المشكلة تكمن في "بقاء نظام الأسد"، بينما هي لا زالت ترسل بالمبعوثين كي يُقال إنها لا زالتْ فعالة وجادة في التوصل إلى حل.

تبادلٌ في الأدوار حصل بين عنان والأخضر وديمستورا دون تقديم أي جديد يذكر، سوى مزيدٍ من تخريب سوريا وتدميرها وتفكيك مجتمعها، عبر مبادراتهم التي كانت عبارةً عن "جولات سياحية" داروا بها مختلف البلدان الغربية تحت مسميات جنيف 1 و2 و3 ، ولا يزال "المستور والأمم" يخدعان الشعب السوري بأكذوبة أن الحل السياسي "لم يمت" في وقتٍ يمعن فيه النظام والروس بالحل العسكري، وربما في وقت قريب جدا يخرج ديمستورا ليعلن تقهقره عن قيادة الملف السوري ، ليتولى القيادة مبعوث آخر بهدف المماطلة ومنح الأسد وقتاً كي يدمر ما تبقى من المناطق المحررة، في وقتٍ تواصل فيه عصبة الأمم الإشراف على التهجير.