الخميس 2019/07/04

ما الموقف الحقيقي لروسيا من الوجود الإيراني بسوريا؟

"نحذر من الضربات الإسرائيلية المستمرة على سوريا، ونرى أنها تهدد الاستقرار الإقليمي وتمثل تصعيداً يثير قلق موسكو".. بهذه الكلمات عبرت روسيا عن موقفها من الهجوم الإسرائيلي الأخير قبل يومين على مواقع لقوات النظام والمليشيات الإيرانية في عدد من المواقع بريفي حمص ودمشق، وذلك في موقف سبق أن عبرت عنه موسكو التي تشاركت مع طهران في محاولة قمع الثورة السورية بأي طريقة كانت.

لقاء القدس الثلاثي

كان من الملفت هذا الموقف من موسكو، والذي جاء بعد وقت قصير من لقاء القدس الثلاثي الذي كان ينص أصلاً على إيجاد صيغة مشتركة بين كل من واشنطن وتل أبيب وموسكو لطرد مليشيات إيران من سوريا ومحاربة الوجود الإيراني ، وقد تعهد كلٌ من مستشار الأمن القومي الأمريكي ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بمحاربة إيران وطردها من سوريا أثناء اللقاء وعقبه، بحضور المسؤول الروسي، وتوقع مراقبون بأن تزداد وتيرة الهجمات الجوية ضد مواقع مليشيات إيران في سوريا عقب القمة، وهذا ما حصل فعلاً، إذ إن الهجوم الإسرائيلي الأخير يعد واسعاً من حيث شموله أكثر من موقع، على خلاف المرات السابقة، حيث طال مواقع عدة مثل صحنايا وجمرايا واللواء 91 وجرود قارة وفليطة وأم حارتين وغيرها، في وقت تكتم فيه إعلام نظام الأسد على نتائج الغارات، وقال إنها أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين.

جاء الموقف الروسي ليعبر عن رفض تلك الغارات، ويرى أنها مهددة لسوريا وحتى للاستقرار الإقليمي، فهل يعني هذا أن موسكو لا تزال في صف طهران؟ أم إنها تلعب على حبلي إرضاء الطرفين، بالموافقة على الغارات سراً والتنديد بها علناً؟، يبدو الاحتمال الثاني هو الأقرب لعدد من الأسباب يمكن إجمالها بعدة أمور هذه أبرزها:

معارك الشمال الغربي

لا يخفى حجم الاعتماد الروسي على المليشيات الإيرانية في المعارك ضد الثوار، خاصة مع الفارق الكبير بين أداء مليشيات النظام وروسيا التي فيها الكثير من المرتزقة، وأداء مليشيات طهران التي فيها الكثير ممن يقاتل عن عقيدة وحقد دفين، إضافة للعدد الكبير الذي تحظى به المليشيات الإيرانية المنتشرة في عموم الخارطة السورية، فروسيا لا تزال تريد استخدام مليشيات إيران في الحرب، ومما زاد من تلك الرغبة يقين موسكو بفشلها بتحقيق أي تقدم في مناطق الثوار بعد الحملة الأخيرة ضد ريفي إدلب وحماة والتي لم تشارك فيها مليشيات إيران، حيث تكبدت مليشيا النظام والفيلق الخامس التابع لروسيا خسائر بشرية باهظة وباتت عاجزة عن تحقيق أي خرق في المناطق المحررة، بل إنها صارت تخشى من هجمات الثوار المباغتة، وهذا ما يدفع بروسيا إلى عدم خسارة الحليف الإيراني في الوقت الحالي، رغم وجود الكثير من الاستفزازات بين المليشيات المدعومة من الطرفين في شرق سوريا، أو في غربها.

الرغبة الدولية بطرد إيران

وفي الوقت الذي رفضت فيه موسكو أكثر من مرة الضربات الجوية الإسرائيلية ضد مواقع مليشيات النظام وإيران، كانت ولا تزال تعقد اجتماعات مع القوى التي تريد إزاحة إيران بشكل كامل من الخارطة السورية، مثل الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، وربما خرجت بعض التصريحات التي تشير لرغبة موسكو بإخراج إيران من سوريا مثل ضرورة خروج كل القوى الأجنبية وما إلى ذلك، وذلك في سياق لعب روسيا على حبل إرضاء كل من واشنطن وتل أبيب، لما لهما من تأثير مباشر وكبير (إن أرادتا) في قلب المعادلة السورية، وقد أرسل المبعوث الأمريكي الخاص بسوريا جيمس جيفري الثلاثاء رسالة مبطنة ربما إلى روسيا بأن نظام بشار الأسد "خطر على أمن إسرائيل"؛ في تصريح هو الأول من نوعه بالولايات المتحدة. بالطبع فإن جيفري لا يقصد بشار الأسد ونظامه، بل ربما يشير إلى أن الأسد لا يزال في صف إيران وهذه مشكلة بالنسبة لواشنطن وتل أبيب؛ يجب على موسكو معالجتها بالعمل على محاربة إيران والجهود الداعمة لإخراجها من سوريا، في مقابل منح روسيا الراحة الكاملة والأحقية بما استولت عليه في سوريا وغض الطرف عن جرائمها وجرائم بشار ضد السوريين.

الموقف الحقيقي لروسيا

يبقى الموقف الحقيقي لروسيا بشأن الوجود الإيراني في سوريا مرهوناً بالتطورات على الأرض، لا على الساحة السياسية مطلقاً، فموسكو تريد إيران في وقت الشدة، وتريد التخلص منها عندما ترى أن الخارطة السورية صارت خالية من معارضي الأسد، حينها ستبدأ المرحلة الحقيقة فعلاً في تصفية الحسابات بين الحليفين، لكن ما يؤخرها أن مليشيات إيران وروسيا وكل القوى الأجنبية التي تدخلت ضد فصائل الثوار لم تستطع إنهاءَ الثورة وصمود الثوار رغم عدم تكافؤ القوى ولا حتى بنسبة قليلة، ورغم جميع المؤامرات والتصفيات ضد قادة الثورة الكبار.