السبت 2018/04/28

مات نظام الأسد قبل هذا الانتحار

بعَثَ تأخير أو عرقلة أو منع دخول فريق المفتشين الدوليين للتحقيق باستخدام السلاح الكيماوي في دوما بالغوطة الشرقية رسائل تحدٍ في كل الاتجاهات.

في كلمته قبل الأخيرة أمام مجلس الأمن، وعلى الرغم من الوقاحة و"الغوبلزية"، كاد ممثل نظام الأسد"بشار الجعفري" أن يرجو الجهات المعنية إرسال بعثة تقصي حقائق؛ وغايته في طرحه ذاك تدعيم مرافعته بأن ادعاء أميركا وشركائها استخدام نظامه الكيماوي زائف ومفبرك.

ربما كان الجعفري عندها بين شكٍ ويقين أن الضربة الغربية لمواقع تصنيع أداة القتل قد تقع أو لا تقع؛ وربما لم يكن على علم بحجمها وطيفها: محدودة أو واسعة، تأديبية أم قاتلة.

معروف أن الاحتلال الروسي، وهو حامي نظام الأسد، حال دون مجرّد التجديد للجنة التحقيق، مستخدم حق النقض (الفيتو)؛ وقبل رد الفعل الغربي، وصلت الأمور بممثلي الأسد وبوتين إلى تحدّي الدول التي اتهمت نظام الأسد باستخدام السلاح الكيماوي أن يرسلوا اللجنة.

وها هي اللجنة تصل إلى دمشق؛ بعد تأخرها أياما، وبعد إطلاق النار عليها.

وهنا بدأت رسائل التحدي تُرشَق بكل الاتجاهات، في مقدمتهًا رسائل للدول الثلاث التي استهدفت مواقع لها علاقة بمواقع تصنيع الكيماوي التابعة لنظام الاسد.

مفاد الرسالة: لقد دفع النظام ثمن فعلته مقدمًا، فحتى لو ثبت استخدام الكيماوي فالثمن مدفوع سلفًا؛ فلماذا التفتيش! والمفارقة أن المنع يأتي علنيًا؛ فما من جهةٍ، إلا النظام وأعوانه، يمكن أن تطلق النار على اللجنة؛ لا للقول إن المنطقة غير آمنة، بل للمنع العلني من الدخول، حتى لو قيل إن هدف المنع إخفاء الدليل.

وهذا ربما جوهر التحدي والتصدي لما سمّاه النظام "العدوان الثلاثي".

رسالة النظام هنا تقول بصراحة وقحة: إذا كان هذا ثمن الضرب بالكيماوي، فاشربوا البحر.

وهنا نلحظ عَمَلاً بالمثل: "من تعرف ديّته، اقتله".

ويبقى الروس، على أي حال، أقل وقاحة وفجورا في رسائلهم؛ فآخر إبداعاتهم بعد أن صرّحوا إن كل القصة فبركة بفبركة، يخرجون بقصةٍ تقول إن "الارهابيين" كانوا يخزّنون السلاح الكيماوي، وتسرب خلال القصف.

ولا ندري إن كان ذلك استهزاءً بالعالم أم غباءً مستطيرًا على الأقل ما زالوا يسعون إلى مرافعات التبرئة.

الرسالة الأهم التي يرسلها النظام في كل الاتجاهات تخص الشعب السوري تحديدًا؛ إنها رسالة أساسها استراتيجية انتحارية تقول؛ "أحكمها أو أدمرها"، حتى بالأسلحة المحرمة دوليًا.

النظام يعرف أن الدول التي أخذتها حميّة الدفاع عن حقوق الإنسان والأمن والسلام العالمي تجاه استخدام النظام السلاح المحرّم، والتي لم تأت على حياة حوالي ألفي سوري.

هؤلاء نفسهم لم يرفّ لهم جفن، بل تباكوا خلبيًا، عندما قتل النظام ما يزيد على النصف مليون سوري بالقنابل العنقودية والنابالم والبراميل.

ألف السوريون قصدية مشاهد التعذيب في المعتقلات وفيديوهات الرعب والإهانة التي يصوّرها النظام، ويبثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليعمّ الرعب بأقصى درجاته.

لا يحدث ذلك كله لو لم يكن النظام متيقنًا من أن الحماية موجودة، وتحديدًا من القوة الأميركية ذاتها، وبفعلٍ إسرائيلي يملي على أميركا حماية الإجرام، لأنه قدم خدمات جليلة، ومسموحٌ له، بل يُشجع على استخدام شعار الممانعة والمقاومة.

وعند ضرورة تعزيز ذلك، تستهدفه إسرائيل عسكريًا، لإنجاز هدف تعزيز تلك المقولة.

ما حدث أمرٌ في سورية في السنوات السبع الماضية إلا وترى فيه ما ينافي المنطق، وأقرب إلى اللامعقول، فعندما يحتفل نظام الأسد باقتلاع السوريين من بيوتهم، ويسمي ذلك انتصارًا؛ وعندما يستدعي قوىً أجنبية، ولا ينفكّ عن الحديث عن السيادة، وعندما يستمر في اعتبار نفسه مقاومًا وممانعًا، وعندما يكون مَن يدّعي مقاومته وممانعته، يقاوم ويمانع سقوطه، وعندما يتحدّى دولاً كي ترسل لجنة تفتيش لتثبت ادعاءه البراءة من استخدام السلاح الكيماوي، وفِي الوقت نفسه، يعرقل مهمتهم ويؤخرها، ويطلق النار عليهم؛ فإنك أمام نظامٍ إما أنه يستند إلى قوةٍ تمكّنه من جعل هذا العالم يمشي على رأسه، أو أنه قرّر الانتحار بشكل محسوب.

من رفع شعاري: "أنا أو لا أحد" و"الأسد أو نحرق البلد" قرّر الابتزاز؛ قرر أخذ الإنسان السوري وبلده رهينة؛ قرّر الانتحار إن لم ينفذ مراده؛ لكنه ربما اعتقد أن في وسعه أن يفعل ذلك بشكل محسوب، ولكن الانتحار لا يمكن أن يكون محسوبًا، لأنه فعل متهوّر، على الرغم من مظهره الشجاع.

لقد مات نظام الأسد قبل هذا الانتحار الصفيق.


المصدر : الدرر الشامية