الثلاثاء 2018/01/23

لن يعيد الحزن للسوريين وطناً ضاع

"وإذا جاءك الفرح، مرة أخرى، فلا تذكر خيانته السابقة، ادخل الفرح وانفجر"

من المؤكد أن محمود درويش لم يكتب هذه الكلمات إلا عندما اصطدم بواقع ووسطٍ يواجه مشاكل كبرى مع الفرح والسعادة فنحن شعوب غرقت بالمأساة حتى ظنت أن الفرح خُدعة وأن الحياة تواطأت مع الدول الكبرى لتبقينا تعساء على رصيف التاريخ والجغرافيا، في واقع لا يشي بغير هذا الكلام بالمدى الذي نراه أمام أعيننا على الأقل، ما يجعل لهذا الشعور الكثير من المبررات، لكن المبالغة فيه أمرٌ غير منطقي فهو لن يزيدنا إلا خسراناً ولن ينجب لبلادنا الخير، ومن شدة فزعنا من الفرح أصبحنا نبحث عن النقطة السوداء في الثوب الأبيض حتى نتوشح بها ونندب لأجلها وصرنا نحلل المواقف التي تحمل خيراً ظاهراً ونبحث عن خباياها التي لن تُمطر على واقعنا إلاَّ أمطار شر، ربما كانت "تراجيديا" فطرية جُبلت منها أرواحنا التي تحاول البحث عن السلام بطريقتها السوداء في "شرق لم ينعم يوماً بالسلام" وأنا أحاول الآن الكتابة عن الفرح والسرور والسعادة تفاجأت بحجم القهر الذي تخفيه حروفي، لكني مصرٌّ على بحثي عن الفرح وتمجيد ذكراه رغماً عن أنف نفسي أولاً ورغماً عن أنف كتب التاريخ التي أفردت الصفحات لخنجر أبي لؤلؤة المجوسي الذي طعن عمر بن الخطاب في مقتل، أكثر من إفرادها الصفحات لعدالة عمر بحد ذاتها والتي تحدثت عن (فتنة عثمان) أكثر من الحديث عن عثمان بن عفان وكرمه وفضله وعلمه ولمقتل الحسين أكثر من سيرته وورعه، لن أطيل في الأمثلة فهي كثيرة جداً أريد فقط الاستخلاص والاستنتاج.

في الواقع السوري الذي تشهده بلادنا هناك تكرار سلسٌ لحالة اليأس والسوداوية المعتَّقَة تلك، فكأن هناك قاعدة عريضة يتبعها الجميع تقول كل خير واضح، هو شر مخبوء حتى يثبت العكس، وإن ثبت العكس فلابد أن نبحث عن أجزاءِ شرٍّ حتى ننغص على أنفسنا الضحكة المخنوقة التي نسيت الشفاه أشكالها، فإذا خسر الثوار معركة أو منطقة بدأت سلسلة لا حصر لها ولا عد من النائحين واللاعنين والشاتمين وكأن النصر هو نتيجة حتمية لأي معركة وننسى أن معارك الأرض تحتمل وجهين هما الربح والخسارة وليس النصر أمراً حتمياً يرافق بنادق الثوار أينما حلَّت وارتحلت.

كما إننا طوال الوقت نتحدث عن عدم وجود أصدقاء حقيقين للشعب السوري وأن داعمي النظام وأصدقائه حقيقيون صادقون معه قدموا له ما يريد من دعم اقتصادي وعسكري ولوجستي وهذا صحيح، لكن بالمقابل عندما يبدأ الثوار معركة بدعم وغطاء من إحدى الدول الصديقة كما حصل مؤخراً في معركة غصن الزيتون بدعم تركي (( والتي لا ننكر أنها كانت بناء على تقاطع مصالح بين ما يريده الثوار وما تريده تركيا من أجل حفظ أمنها القومي وهذا ما كنا ننتظره ونعول عليه وهو تقاطع المصالح وخاصة بعد تشابك الملف السوري وحالة الاستقطاب الكبرى في الأجندات التي كانت الثورة السورية مجالها الحيوي الخصب)) يتم الحديث عن أن تركيا تبحث عن مصالحها ويجب على الثوار أن لا ينصاعوا لما تريده ولا يؤيدوها ولا يؤازروها في معركتها تلك، مع العلم أنها معركة على الأرض السورية تريد تحرير الأرض من مليشيات انفصالية ضربت الثورة وأهدافها وأضرت بها ولم تكن يوماً مؤمنة بأدبياتها المتمثلة بالحرية والعدالة والكرامة.

إذا دافع الثوار عن أرض قلنا ما جدوى ذلك سوى مزيد من إراقة الدماء وخسارة في الأرواح وإذا تهاونوا في الحفاظ على قطعة أرض مهما صَغُرت قلنا إنهم تخلوا عن الأرض التي أُريقت دماءٌ للحفاظ عليها.

بهذا يكون الحزن واليأس ثقافة أصيلة متجذرة فينا تحاكي شيئا في أعماقنا يجب علينا تجاوزها حتى نستطيع تقديم شيء لقضيتنا و ألا نُدخل أنفسنا في قوقعة الحزن واليأس التي لن تنتج لنا إلا الخسارة تلو الأخرى.