الثلاثاء 2019/04/23

لم تسقطه وتمنع التطبيع معه.. نظرة بسياسة واشنطن حيال الأسد

كانت ولا تزال السياسة الأمريكية حول سوريا، وبالتحديد حول إسقاط نظام الأسد تتسم بالغموض تارة وبالتخبط والتقلب تارة أخرى، لاسيما مع اقتراب نظام الأسد من خطوط حمراء عدة مرات، كارتكابه مجازر بالسلاح الكيماوي أكثر من مرة، ومما زاد من غموض السياسة الأمريكية الفترة الأخيرة التي مرت بها سوريا، وشعر بها النظام بنشوة الانتصار، والذي كان يظن أنه سيكون طريقه للتطبيع العربي الرسمي مع نظامه، تمهيداً للتطبيع الغربي، من منطلق أنه هو جزء من القوة التي كانت تحارب "الإرهاب".

منع العرب من التطبيع مع نظام الأسد

خفَّ الحراكُ العربي نحو نظام الأسد بشكل لافت في الآونة الأخيرة على عكس ما توقع الكثيرون الذين رأوا بافتتاح كل من الإمارات والبحرين سفارتيهما في دمشق تمهيداً لإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية وافتتاح بقية الدول العربية سفارتها، لكن هذا ما لم يحصل بعد تحذيرات أمريكية من مغبة التعامل مع نظام الأسد خاصة من الناحية الاقتصادية، حيث حذرت واشنطن التجارَ الأردنيين من التعامل اقتصادياً مع نظام الأسد بعد فتح معبر نصيب، إذ كان النظام يعوّل على المعبر لإنعاش اقتصاده المتهالك، غير أنه فوجئ بالخطوة الأمريكية تُجاه منع تطبيع العرب مع نظامه، عدا زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق ولقائه بشار الأسد، إذ كانت هذه الزيارة الوحيدة لزعيم عربي منذ بدء الثورة السورية، وكانت وبالاً عليه، وربما تكون أعطت درساً لكل من يفكر بزيارة الأسد أو التطبيع العلني رسمياً معه.

الدفع نحو الحل السياسي ؟

في الوقت الذي منعت فيه واشنطن حلفاءها العرب من التطبيع مع نظام الأسد، إلا أنها في الوقت نفسه لم تسع إلى الضغط على نظام الأسد وحلفائه لتطبيق الحل السياسي المتمثل بالقرار 2254، والذي يدعو لمرحلة انتقالية وانتخابات حرة، بل إن مباحثات أستانا وسوتشي هي من صارت تتصدر المشهد السياسي على حساب مفاوضات جنيف التي يعد لواشنطن الثقل الأكبر فيها، على خلاف تجاهلها وتقليلها من مسار أستانا التفاوضي بين روسيا وتركيا وإيران.

تطويل أمد القضية ؟

ربما يكون هدف الولايات المتحدة من السياسة المتقلبة في سوريا هو تطويل أمد القضية السورية لاستنزاف الأسد وحلفائه بهدف جرهم إلى حلٍ سياسي لا يتم فيه إغفال مصالحها ومصالح حلفائها "قسد" بالدرجة الأولى، وقد ظهر جلياً فقرُ النظام بعد أزمة النفط وتخلي حلفائه عنه، وهذا ما دفعه إلى التفاوض مع "قسد" ومد يد العون لتزويده بالنفط، ولا يُستبعد في المرحلة المقبلة إن استمرت الأزمة الاقتصادية بمناطق النظام أن يذعن الأسد ويلين في المفاوضات مع الأكراد لمنحهم الحكم الذاتي، وبهذا تكون الولايات المتحدة قد حققت جزءاً من الأهداف التي جعلتها تتدخل في سوريا، فمن شأن تطبيق مثل هذه الخطوة أن يجعل لواشنطن الهيمنة التامة مستبقلاً بأقل عدد من الجنود والمال.

اتفاق مع روسيا على تقاسم المصالح والثروات

لا يجب أن تُنسى مفاوضات "كيري لافروف" التي شببها الكثيرون بمفاوضات "سايكس بيكو"، حيث توقع البعض أن يتم تقسيم سوريا على أساس مناطق النفوذ الأمريكي الروسي، ولاحقاً التركي، لكن هذا السيناريو يبدو مستبعداً، فكل من تلك الأطراف صار يعمل لما يضمن مصالحه الحاضرة والمستقبلية خاصةً من الناحية الاقتصادية بالنسبة لروسيا والولايات المتحدة، والأمنية بالنسبة لتركيا، مستبعدين فكرة التقسيم خاصة مع توسع مساحة سيطرة نظام الأسد، ولذلك يمكن القول إن هناك تفاهمات غير معلنة بين موسكو وواشنطن تم فيها الاتفاق على تقاسم المصالح والثروات، ولهذا لم نر طرفاً مدعوماً من هذين الطرفين أقدم على شن هجوم كبير ضد مصالح الطرف الآخر سوى في حالات استثنائية كانت بمثابة جس النبض.

خلاصة الحديث يمكن أن تُختصر بالقول إن واشنطن وإن لم تذهب بالاتجاه الذي يؤدي لإسقاط الأسد عسكرياً على غرار النموذج الليبي كمنح الثوار منطقة حظر جوي وسلاحاً نوعياً لكنها بذات الوقت وقفت بمثابة الحاجز أمام كل من يسعى من الزعماء العرب إلى التطبيع العلني مع النظام، وهذا ما يجعل السيناريو السوري مفتوحاً أمام كل الاحتمالات مستقبلاً خاصة مع امتلاك الغرب ملف "قيصر" الذي باستطاعة الولايات المتحدة ملاحقة نظام الأسد فيه بأي وقت، فضلاً عن ملف الكيماوي.