الخميس 2019/05/16

لإيران التحرش الاقتصادي.. ولنا “التوماهوك”

يقف العالم في هذه الأيام على عتبة من الحيرة وترقّب المجهول، بعد تبادل التهديدات وتراشق التصريحات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، على خلفية تشديد العقوبات الأمريكية ضد طهران، وتلويح الأخيرة بإغلاق مضيق هرمز الإستراتيجي، لحرمان كافة دول المنطقة من تصدير نفطها، في تأزم مستمر؛ رأى البعض أنه قد ينحدر إلى حرب شاملة، تشنها الولايات المتحدة ضد إيران، على غرار غزو العراق في 2003.

قرار تجديد العقوبات الأمريكية الاقتصادية ضد إيران، الذي دخل حيز التنفيذ مطلع أيار الجاري، كان قد أشعل فتيل هذا التوتر، خاصة بعد توسيعه ليشمل إلغاء استثناءات استيراد النفط الإيراني، في خطوة إضافية قيل إن من شأنها أن تحشر طهران في زاوية لم يسبق أن حشر فيها أيٌ من أعداء وخصوم الولايات المتحدة عبر التاريخ، وانعكست آثارها بشكل مسبق في تصريحات الساسة والمسؤولين العسكريين الإيرانيين، الذين صعدوا سقف التهديد إذا ما طُبقت تلك الخطوة.

سيل من التوقعات والتخمينات القادمة من اليمين والشمال، بين معسكر المتضررين من ممارسات إيران، والمتعطّشين لتقليم أظافرها، ووضع حد لإسهامها في تغذية العنف والصراعات الدموية، وبين معسكر الموالين لإيران بمختلف قومياتهم، وتوجهاتهم، وبات الحديث عن الحرب الأمريكية ضد إيران مناسبةً لتكرار خطابات الوعيد والانتقام، و"المقاومة والممانعة" لدى كلا المعسكرين، وما بين هؤلاء وهؤلاء ثمة طرف ثالث، يرى أن ما يجري ليس إلا استعراضاً للقوى، لا يخرج عن إطار "المهاوشة" الإعلامية، للتغطية على وقائع أخرى.

في الولايات المتحدة لا يفوّت الرئيس دونالد ترامب فرصة للتغني بما يراه فخراً لكونه أكثر أسلافه في إدارة البيت الأبيض إفراطاً في معاقبة إيران، ففي عهده أصبحت إيران تلقب لأول مرة بالدولة الراعية للإرهاب، وأُدرج جيشها الرسمي (الحرس الثوري) الذي يحتل 4 عواصم عربية على اللائحة السوداء للمنظمات الإرهابية.

في حضرة المنطق ومن زاوية بعيدة عن منظور موالي إيران وموالي أمريكا في الشرق الأوسط، يمكن القول إن تسلسل أحداث التاريخ القريب (العقود الثلاثة الأخيرة) لا يؤيد فكرة أن يُسقط الغرب ولا سيما أمريكا النظامَ الإيراني، على الرغم من ضجيج العداء المعلن، فإيران التي تصفُ عَلنا أمريكا بـ"الشيطان الأكبر"، استولت على العراق بعد الغزو الأمريكي، ولم تأخذ - مع كل العقوبات الاقتصادية - النصيب الذي يناله عادة أعداءُ أمريكا، أو حتى من ترى فيهم الولاياتُ المتحدة خطراً ضئيلا على مصالحها، ولعل هذا يندرج في ازدواجية تعامل الولايات المتحدة مع أعدائها.

الغضب الأمريكي القديم من تصرفات إيران وإذ لم يترجم حتى الآن إلا في عقوبات اقتصادية لم ترق بعد لوصف الحصار، فإنه يقود للتساؤل؛ هل أمريكا التي تكتفي بالتحرش اقتصاديا مع إيران هي نفسها التي غزت العراق، ورمته في مستنقع من الصراعات الطائفية والحروب الدموية، التي حصدت أرواح 2.4 مليون عراقي حتى عام 2018، وفق تقرير لموقع "غلوبال ريسيرج الامريكي"، والمعني بعدد ضحايا الحروب الأمريكية، أهي أمريكا التي تحرك الأساطيل العسكرية وتشكل التحالفات، ولا تتردد باستخدام أعنف ذخيرتها، من صواريخ فراغية وقنابل عنقودية، أينما شعرت بوجود تهديدات مسلحة، سواء في سوريا واليمن وليبيا والصومال ومالي، ولو تسبب ذلك بمقتل عشرات آلاف الأبرياء، بذريعة مكافحة الإرهاب.

التناحر الخُلّبي بين أمريكا وإيران ورغم كونه يفتقر لأي مؤشرات على أن ينحو باتجاه عسكري، إلا أنه يواجه أصواتاً من داخل الأوساط الرسمية في أمريكا ومعظم الدول الغربية، ترفض بشكل كبير غزو إيران، وذلك بدعوى الخشية من الانجرار إلى أزمة جديدة، وحرب طويلة يروح ضحاياها أبرياء، هذه الأصوات نفسُها لم تبدِ هذا الرفض قبيل حرب العراق، وتُبارك عمليات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في سوريا والعراق ودول أخرى، دون أي اعتبار لأرواح المدنيين، وكأنه حلال على أمريكا قتل العرب وحرام قتل الإيرانيين.. قتل الأبرياء بمختلف صورهم وأشكالهم وأعراقهم جريمة لا تغتفر، لكن الأكثر إجراما أن ترفع شعار حقوق الإنسان في بقعة من الأرض، وتدوس كرامة الإنسان في بقعة أخرى بدوافع دينية طائفية قذرة!