الأثنين 2017/11/06

كيف أجابت الجزيرة عن “الأسئلة الصعبة” ؟

انتظرنا بكل شغف ليل أمس الأحد عرض قناة الجزيرة حلقة خاصة بها في برنامج "ما خفيَ أعظم"، وممّا زاد ترقُّبنا هو العنوان الذي حملته الحلقة .."الجزيرة ..الأسئلة الصعبة". توقّعنا بكل ثقة أن تجيب القناة عن إشكالياتٍ رافقت مسيرتها، وأن تفكّك رموزاً تتعلّق بتغطيتها في أفغانستان والعراق ودول الربيع العربيّ.

الصحفي "تامر المسحال" مُعِدّ البرنامج أوصل الغاية من الحلقة منذ بدايتها: "في هذه الحلقة حملتُ الاتهامات إلى الجزيرة نفسِها لأواجه بعض وجوهها وصانعي قرارها"، وأقرّ الرجل في صفحة برنامجه على موقع "فيسبوك" أن حلقته "ليست جهداً مثالياً" وهذا وحده كفيل بتقديم العذر له أياً كان انطباع المشاهدين والناقدين؛ لكنْ يبقى في النفس مساحة حول ما لم تعرِضْه الجزيرة، وتبقى في الذهن "أسئلة صعبة" تمنّيت كمُشاهد أن أجد الإجابة عنها في هذه الحلقة، فما وجدتُ إلى ذلك سبيلاً.

لستُ في واقع الأمر ممن يبخس الناس جهودهم، لكن يجب القول إن هذه الحلقة كانت فرصة مهمة للجزيرة كي تفسّر "بشفافية مُعتادة" حزمة من الاستفسارات حول سياستها وتاريخها، كانت فرصة كبيرة لتوضح أن "الجزيرة" ليست كما يقولون "دولة" وإن كانت دولة فهي بالتأكيد ليست دولة خارقة للمعتاد.

اللافت في الحلقة أنها تحدثت عن ملفات كان يُفترض في كلٍّ منها أن يكون حلقة خاصة بل حلقات، فلا يمكن الحديث عن تجربة الجزيرة في أفغانستان في دقائق، وليس مقنعاً أن أستمع إلى تجربة مراسلها آنذاك "تيسير علوني" في ومَضات لم تشفِ الغليل البتة؛ فملفُّ مقابلة "علوني" مع "بن لادن" يحتاج إلى إيضاحات لم تجبْ عنها الجزيرة، بل إنها واربت في ملامسة الحقيقة وأتوقع أنها جاوزتها عندما برَّر رئيس أخبارها سابقاً "إبراهيم هلال" عدم بثّ المقابلة بأنها "غير مِهنية"، لاحظتُ أن الرجل تعلق بذريعة "المِهنية" متناسياً أن "تيسير علوني" قابل المطلوب "رقم واحد" بالنسبة للولايات المتحدة آنذاك، كنت سأحترم شفافية "هلال" لو قال بكل بساطة: "لم نبثَّها خوفاً من أميركا"، وما الضير في ذلك؟ فمدير الجزيرة سابقاً وضاح خنفر قال في الحلقة نفسها، إن الجزيرة كانت في مواجهة مع الولايات المتحدة في فترة انفلاتها، ووصف العلاقة بين الجزيرة وواشنطن بالمتوتّرة في تلك المرحلة.

على أيّة حال .. مرّ ملفّ التغطية في أفغانستان على عجَل رغم أهميته القصوى، دون أن يشفى الغليل منه، وكذلك مر ملفّ تغطية العراق، وفيه ما فيه كذلك من عشرات الأسئلة، وعلى المنوال نفسه تناولت الحلقة تغطية الجزيرة لموجة الربيع العربي، ولم يكن مقنعاً هنا سوى حديث المذيع "محمد كريشان" عن "حماسة الجزيرة" في تعاملها مع الثورات العربية. لم تجب الجزيرة بما فيه الكفاية عن أسئلة تتعلق باحتجاجات البحرين مثلاً، ولم تكن شفافة في الحديث عن "ارتهان" جليّ للسعودية في تغطية الأوضاع باليمن وجرائم "التحالف العربي" هناك.

الجزيرة في هذا الوثائقي "سألت نفسها وأجابت نفسها" ..هذه هي الحقيقة التي يمكن أن يراها من تابع الحلقة بعقل الناقد لا بعقل المشاهد، وحتى لا أغرق في مستنقع "النقد السلبي" فعليَّ أن أقول إن الجزيرة حمّلت نفسها ما ليست مكلفة بتحمّله، فهي على أية حال قناة إخبارية، لا يمكن أن ترضيَ جميع الأطراف، وليست مهمة الصحافة أصلاً أن ترضي أحداً، ولا طاقة للجزيرة كذلك أن تقف في وجه أحد، وليس عيباً أن توضح الضغوطات التي تعرَّضت لها كي يجد لها المُشاهد عذراً في بعض ما وقعت فيه.