الأربعاء 2020/02/05

كارثة إدلب.. حين تكتفي “سيدة العالم” بـ”تغيير البروفايل”!

في الوقت الذي يقترب فيه نظام الأسد من السيطرة على مدينة سراقب الإستراتيجية شرق محافظة إدلب، وتتقلص فيه المسافة بين قواته ومركز مدينة إدلب كذلك، لا تظهر أي بوادر حقيقية لمنعه من التقدم أكثر فأكثر لإنهاء وجود المعارضة في آخر مناطق وجودها شمال غرب سوريا.

تصعيد نظام الأسد ضد محافظة إدلب لم يتوقف فعلياً منذ سيطرة الفصائل الثورية عليها ربيع العام 2015، غير أن الضغط على المحافظة كان يظهر بصورة غارات جوية بين الحين والآخر، لا تترك سكان إدلب ريفاً ومدينة يلتقطون أنفاسهم.

ومنذ بدء اتفاقات أستانا بين روسيا وتركيا وإيران مطلع العام 2017، حظيت إدلب بقليل من الهدوء مع تفرّغ قوات الأسد وحلفائها للسيطرة على مناطق "خفض التصعيد" واحدة تلو الأخرى، وكان أقل المتابعين خبرة يدرك أن الدور قادم على إدلب لا محالة، بعد انتهاء الأسد من بسط سيطرته على شرق البلاد ووسطها وجنوبها، وتأمين محيط عاصمته التي كانت توشك على السقوط قبل التدخل الروسي في أيلول 2015.

لم يكن الأسد مستعجلاً كثيراً للتقدم في إدلب، وبناء على نصائح حليفيه الروسي والإيراني، اتبع سياسة عسكرية تسمى "دبيب النمل"، تتمثل بحرق المنطقة المستهدفة وتدميرها قبل السيطرة عليها، ثم إيقاف الهجوم تحت مسمى "الهدنة"، وما إن تلتقط قواته أنفاسها حتى تعاود تقدمها بنفس الطريقة، وهكذا بات النظام اليوم قاب قوسين عن تحقيق ما كان حلماً بعيد المنال.

صحوة متأخرة؟

أمام الواقع الميداني الحالي، أدركت تركيا مؤخراً أن نظام الأسد ضرب بعرض الحائط اتفاقات أستانا وسوتشي، وصرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالقول: "لم يعد هناك شيء اسمه مسار أستانا"، وظهر جلياً أن التفاهمات بين أنقرة وموسكو حول إدلب كانت "أوهى من بيت العنكبوت"، ولا سيما بعد مقتل جنود أتراك بقصف مدفعي أسدي قرب مدينة "سراقب".

يقول المحللون إن تقدم نظام الأسد للسيطرة على الطريقين الدوليين "M5" و "M4" وضع تركيا أمام خطر يهدّد وجودها في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، وبالتالي إخراجها من المعادلة السورية كلياً، وهذا ربما هو ما جعل الرئيس التركي يُمهل قوات الأسد حتى نهاية شباط الحالي للانسحاب إلى ما قبل نقاط المراقبة التركية، وهذا ما يعني أن أنقرة تريد إعادة خريطة إدلب إلى ما قبل خطوط صيف 2019، الذي سيطر فيه الأسد على خان شيخون ومحيطها، وبدأ فيه حصار بعض نقاط المراقبة التركية.

وفي الوقت الذي يبدو فيه الطلب التركي غير منطقي أمام الدعم الروسي اللامتناهي لنظام الأسد، يتوقع مراقبون أن تشهد العلاقة بين موسكو وأنقرة توتراً متصاعداً لا أحد يدرك بالضبط أبعادها ونتائجها حول الملف السوري.

واشنطن.. الحاضرة الغائبة:

على وقع التطورات الخطيرة في الشمال السوري، تبدو الولايات المتحدة كعادتها منذ اندلاع الثورة السورية.. لا موقف واضحاً ولا سياسة مفهومة.

أمس الثلاثاء ظهر لمتابعي الصفحة الرسمية لـ"السفارة الأمريكية في دمشق" مفاجأة غير متوقعة، حيث قامت الصفحة بتغيير "البروفايل" الخاص بها، ووضعت صورة للتضامن مع إدلب.

وتزامن ذلك مع تصريحات لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ندد فيها  باعتداء نظام الأسد على جنود أتراك في إدلب، وأعرب عن دعم واشنطن "الكامل" لتحركات "حليفتها" أنقرة للدفاع عن نفسها.

وقال بومبيو، في بيان، إن "هجوم قوات نظام الأسد بقذائف مورتر، في 3 فبراير/ شباط الجاري، على موقع مراقبة تركي هو تصعيد خطير، ويتبع الهجمات الوحشية المستمرة التي تؤثر على المدنيين والعاملين في المجال الإنساني والبنية التحتية".

وتابع: "نقف بجانب تركيا، حليفتنا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في أعقاب الهجوم الذي أسفر عن مقتل عدة جنود أتراك يخدمون في موقع مراقبة يُستخدم للتنسيق وخفض التصعيد".

وأضاف بومبيو، أن "الولايات المتحدة تندد مرة أخرى بالاعتداءات المستمرة وغير المبررة على سكان إدلب من جانب نظام الأسد وروسيا وإيران و حزب الله"، وهنا يجب ألا ننسى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نشر "تغريدات" أكثر من مرة، تطالب الأسد وحلفاءه بإيقاف المجازر في إدلب، فيما لم تحقق مطالباته أدنى حد من الاستجابة.

وفي غضون ذلك، نشرت وكالة "رويترز" تقريراً نقلت فيه عن أربعة مسؤولين أمريكيين قولهم، إن الولايات المتحدة أوقفت برنامجاً سرياً للتعاون في مجال المخابرات العسكرية مع تركيا، رداً على العملية العسكرية لأنقرة في الشمال السوري، ما يظهر بشكل واضح مواصلة واشنطن اتباع سياسة الازدواجية بكل تجلياتها في الملف السوري.

تغيير "البروفايل".. سخرية واسعة:

سيل من التعليقات الساخرة انهال على صفحة "السفارة الأمريكية في دمشق" بعد قيامها بتغيير "البروفايل" للتضامن مع إدلب، وتساؤلات عن جدوى هذه الخطوة التي تحولت فيها "أقوى دولة في العالم" إلى مجرد "ناشط إنساني" يكتفي بتغيير "البروفايل" ولا يستطيع فعل شيء يُذكر.

يعرف جميع السوريين أن الولايات المتحدة تستطيع فعلياً تغيير مجرى الأحداث في سوريا، وعدم الاكتفاء بتغيير "بروفايل صفحة"، لكنهم يدركون كذلك أنه بالنسبة لواشنطن يُعد عدم اتخاذ موقفٍ موقفاً بحد ذاته.

وأمام كمية التعليقات الساخرة على خطوة السفارة الأمريكية، يرى السوريون أن فيها رسالة جلية، مفادها أن واشنطن لن تفعل شيئاً إزاء الوضع الجاري في إدلب، وسوف تكتفي فقط بالتنديد والشجب والحديث عن الجانب الإنساني.

الأزمة الإنسانية اليوم في إدلب أكبر من أن توصف، فالمحافظة التي تحوي نحو 4 ملايين نسمة معظمهم نازحون من مناطق سورية أخرى، تواجه خطراً غير مسبوق، فسيطرة الأسد عليها لا تشبه بالضبط سيطرته على غيرها من المناطق، مع وجود تحذيرات من ارتكاب مجازر مروعة بدافع الحقد الطائفي والانتقام الممنهج من سكان أول محافظة خرجت عن طاعة الأسد بريفها ومدينتها.