الأثنين 2019/06/17

قصف النقاط التركية.. خلط أوراق المواجهة على أسوار إدلب

تجاهل نظام الأسد تحذيرات أنقرة بشأن القصف المتكرر للنقاط التركية في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، وعاد مجدداً أمس الأحد لاستهداف نقطة المراقبة التاسعة في مدينة مورك شمال غرب حماة بقذائف الهاون.

جاء ذلك بعد يومين فقط من استهداف قوات الأسد نقطة المراقبة التركية العاشرة في جبل الزاوية جنوب إدلب، ما أدى إلى إصابة 3 جنود أتراك. توعّد حينها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بالرد في حال تكرر ذلك، وهذا ما حدث بالفعل مؤخراً.

القصف الذي تكرر كثيراً لنقاط المراقبة التركية خلال حملة القصف المكثفة شمال غرب سوريا، أبعد فرضية "الخطأ"، وجعل أنقرة متأكدة من أن القصف جاء "متعمداً" بالفعل، ما جعل عناصر النقطة التركية في مورك ترد – للمرة الأولى- عبر السلاح الثقيل بقصف حاجز الكريم التابع لنظام الأسد بريف حماة.

خرج بعد الحادثة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، وقال إن مسؤولية لجم نظام الأسد تقع على عاتق روسيا وإيران "باعتبارهما ضامنين". وشدّد الوزير التركي على أنه "لا يمكن التسامح مع تحرشات نظام الأسد بجنودنا" في نقاط المراقبة التركية بمحافظة إدلب. وأضاف: "سنوقف نظام الأسد عند حدّه، وعلى الجميع أن يعرفوا حدودهم..لا يمكننا قبول هذا العدوان لنظام الأسد وهو مخالف لمذكرة إدلب التي أبرمناها مع روسيا".

الواقع أن كلام الوزير التركي أظهر بشكل واضح قراءة أنقرة لما يجري من استهداف لنقاطها في إدلب وحماة. قراءة تدرك جيداً أن نظام الأسد لا يستطيع بمفرده اتخاذ قرار بمواجهة تركيا وقصف نقاطها، ولا سيما أن تركيا داخلة مع الحلفاء الرئيسيين للأسد باتفاق أستانا. وهنا أدرك الأتراك أن قصف نقاط المراقبة التابعة لهم هي مجرد "تحرشات" وفق ما جاء في كلام جاويش أوغلو. وهنا نصل إلى السؤال المهم: إذا كانت اعتداءات قوات الأسد تحرشات، فما الغاية منها؟ وإذا كان عاجزاً عن التصرف بمفرده.

فمن وراء تكرار تلك الاستهدافات؟

نصف الجواب جاء في كلام وزير الخارجية التركي السابق، الذي قال إن لجم قوات الأسد يقع على عاتق روسيا وإيران. وفي الوقت الذي تعلم فيه تركيا جيداً أن إيران غير مشاركة فعلياً بمعارك حماة، لأسباب يطول سردها، فهي توجه رسالة غير مباشرة إلى روسيا فقط.

تعمدت تركيا في الوقت السابق ألا تحمّل روسيا مسؤولية ما يجري اليوم من خرق صارخ لاتفاق سوتشي 2018، حتى إن الإعلام التركي يذكر "المليشيات الإرهابية التابعة لإيران" فقط، سوى بعض المرات التي يستخدم فيها عبارة "وحلفائه الروس". أنقرة تدرك جيداً أن المحرك الحقيقي لقصف نقاط المراقبة التابعة لها هو روسيا فقط، غير أن الدبلوماسية التركية لا تزال تسعى للمحافظة على "شعرة معاوية"، وتعيد الحديث عن ضرورة تطبيق "بنود سوتشي" ووقف النار في إدلب.

لماذا تتحرش روسيا بنقاط المراقبة التركية؟

من خلال الحديث السابق يدرك المتابع أن التحرش لم يصدر بقرار مستقل من قوات الأسد، بل إن روسيا هي من يقف خلف ذلك. تحمل موسكو مسؤولية عدم حسم ملف إدلب لأنقرة، ويقول المسؤولون الروس إن نظراءهم الأتراك لم ينفذوا التزاماتهم، بشأن فصل المعارضة المعتدلة عن "الإرهابيين" في إدلب، ولم يقف الأمر عند ذلك، بل إن الروس حاولوا التشويش على الوجود التركي في إدلب بالقول إن بعض الغارات الجوية هناك تمت بتنسيق مع تركيا.  يمكن القول إذاً أن من أهداف قصف النقاط التركية اللعب على "وتر الثقة" بين الفصائل العسكرية في إدلب وحماة من جهة وتركيا من جهة أخرى. فإذا كان الجيش التركي عاجزاً عن حماية نقاط المراقبة التابعة له في المنطقة، فكيف يمكن أن يكون ضامناً للاتفاقات؟.. سؤال يفترض الروس طرحه كلما تعرضت نقطة مراقبة للقصف.

ربما يستهدف ذلك "التحرش" أيضاً دفع الجيش التركي إلى الاشتباك فعلياً مع قوات الأسد، وبالتالي يَظهر الأتراك وكأنهم هم المسؤولون عن تخريب اتفاق سوتشي، الذي يمنع بطبيعة الحال أي مواجهة بين القوات التركية والأسدية. يمكن أن نعدّ ذلك استدراجاً شبيهاً لما حصل في تشرين الثاني 2015، حين كررت المقاتلات الروسية خرق الأجواء التركية وأدى ذلك إلى إسقاط أنقرة طائرة روسية أزّمت الأوضاع بين البلدين.

أنقرة اليوم أمام اختبار حقيقي إزاء قصف نقاطها في الشمال السوري، فإما أن تحافظ على نفوذها كلاعب إقليمي قوي يفرض نفسه ويستطيع الحفاظ على اتفاقية سوتشي، أو تدفعها سياستها الدبلوماسية مع روسيا إلى ترك قوات الأسد تعبث بالوضع القائم في إدلب، ثم دفع الجيش التركي للانسحاب من نقاط المراقبة ال12 تمهيداً لحملة قصف شيطانية تحرق المنطقة وتدفع بنحو 3 ملايين مدني نحو الحدود التركية.  طبيعة الرد التركي على تحرشات الأسد هي التي ترسم خطوط اللعب على أسوار إدلب.