الأثنين 2018/12/10

قراءة في واقع ومستقبل الجنوب السوري بعد خيانة الثورة

يعيش الجنوبُ السوري بين حملةٍ متنقلة تشنها قوات النظام ضد مناطق "التسوية" وبين إرهاصات عمل جديد ضد النظام، تناقش هذه الورقة دلالات تصعيد النظام وأبعاده، وكذلك مستقبل العمليات التي يشنها مجهولون ضد النظام، خاصة بعد تشكُّلِ ما سمي بـ "المقاومة الشعبية" وظهور شعارات على الجدران تتوعد الأسد وتؤكد قدوم ثورة جديدة.

 

العمل على حرق "المصالحين":

لم يخرج المشهد في الجنوب عن التوقعات التي رجحتْ، بأن يرسُمَ النظام صورة انتقامية لكل من خرج ضده في الثورة السورية سلمياً وعسكرياً، إذ سُجلت عشراتُ الحالات لاعتقال وتعذيب وقتل عناصر وقادة أجروا "مصالحات" مع قوات النظام، لكن ومع وجود الآلاف من فصائل التسويات الذين يحتمي بعضهم بقوات الاحتلال الروسي كفصائل "العودة"، فإن النظام لم ينتقم حتى الآن من الجميع، لذلك كانت العمليات موجهة ضد أشخاص معينين عمل النظام على التخلص منهم، ريثما تُتاح له الفرصة للتخلص من الجميع في وقت لاحق، لذلك وجد في زجهم بالمعارك ضد تنظيم الدولة أفضل طريقة للتخلص منهم، وسُجلَ مقتلُ العشرات من فصائل التسوية في المعارك ضد تنظيم الدولة بتلول الصفا، ومنهم من قُتِل حتى بقصف عشوائي لمليشيات النظام التي تتمركز في الخطوط الخلفية أثناء الاشتباكات.

 

درعا.. سجن كبير:

أما بالنسبة للمدنيين، فإن النظام لم يعمل على التصعيد ضدهم بصورة موسّعة، فهو لا يريد ذلك خاصة مع وجود القوات الروسية حالياً، إنما عمل على إمساك الشبان الذين يمرون بالحواجز ليجندهم إجبارياً في صفوف قواته، وهذا ما جعل الجميع من الذين قبلوا بالبقاء يعيشون في ما يشبه السجن الكبير، فلا هم يستطيعون العيش بأريحية ولا هم قادرون على الهرب إلى المناطق المحررة في الشمال السوري، وقد وقع نحو 10 شبان في قيود النظام بعد محاولتهم الهرب إلى إدلب، حيث أوقفهم حاجزٌ عسكري بريف حماة وأمسك بهم، وهذا يُعيد إلى الواجهة عمليات النظام في الابتزاز والرشوة، حيث يتم تهريب الكثيرين من خلال دفع مبالغ مالية باهظة، لكن البعض قد لا يحالفُهُ الحظ ويتم الإمساك به، وأما من تكفل بتهريبه فإنه سيتخلى عنه وينكر وجود أي علاقة معه.

يقول الناشط الإعلامي "أحمد المسالمة" في حديث خاص مع قناة الجسر رداً على سؤال عن الوضع الحالي في الجنوب السوري مع انقلاب النظام على أصحاب "التسويات" إن "حالة من القلق يعيشها أصحاب التسويات، حيث كانت هناك إشاعات عن تمديد مدة أوقات أوراق التسوية ولكن تفاجأ من يحمل هذه الأوراق عند مروره على الحواجز باعتقاله، كما حصل مع العشرات من أبناء حوران، ما سبب الخوف من التنقل وتخفيف الحركة إلا للضرورة القصوى، وخصوصا بعد انتشار أسماء الاحتياط وعمليات المداهمات لاعتقال المطلوبين للاحتياط، وهناك تخوف من ارتفاع وتيرة المداهمات لاعتقال المطلوبين، ويضيف "المسالمة" أن "أوراق التسوية لا تساوي شيئاً بيد من يحملها".

 

هذا عن ممارسات النظام لكن ماذا عن الردود عليها..

 

تشكيل "المقاومة الشعبية":

في واقع الحال كانتْ هناك ردود واضحةٌ على تصعيد النظام وانقلابه على اتفاق "التسوية"، أبرزها تشكيل ما سمي بـ "المقاومة الشعبية" في الجنوب السوري قبل نحو شهر، كما إن هناك عمليات اغتيال لعرّابي المصالحات في درعا؛ البعضُ يتهم النظام بتنفيذها، لكن في نفس الوقت فإن هناك شريحة كبيرة ترى أن "الشرفاء" في حوران هم من يقومون بها.

يقول "إياد أبو عمر" مدير مركز نورس للدراسات (وهو مختص بالتحليلات العسكرية) إن "المقاومة الشعبية بالجنوب إما خطوةٌ لتدارك خطأ من تَبعَ المصالحات أو سكت عنها، لعدم فهمه واقع وأهداف مليشيات الأسد والتي ستنتقم من الجميع وليست مجازر الثمانينات ببعيدة، أو أنه لا يمتلك بُعداً استراتيجياً في نظرته للمستقبل، واكتشف أن المقاومة بعد المصالحة هي الحل، وفي كل هذه الحالات عمله جيدٌ وخطوة تداركية لخطئه".

ويضيف "أبو عمر": " لكن يجب التعامل بحذر مع هذه المقاومة، وذلك لأن من انشق عن النظام للثورة ثم من الثورة للنظام ثم من النظام للثورة لا يمكن لإنسانٍ عاقل أنْ يثق به، حتى نرى نتائج ضخمة تعيد للجنوب زخمه الأول وثورته الأولى". ولا يستبعد "أبو عمر" أن يكون "النظام وراء مثل تلك الخطوة بهدف القبض على الشرفاء في الجنوب، وعلى كلٍ فإن أي عمل ضد مليشيات الأسد أو المليشيات الإيرانية المحتلة في الجنوب هو عمل محمود، على ألا يبقى كعمل خلايا صغيرة غير مترابطة".

 

عناصر التسوية.. هل ينقلبون على النظام ؟

يتفق إلى حد ما مع "إياد أبو عمر" مؤسس الجيش السوري الحر العقيد "رياض الأسعد" الذي قال للجسر إن "الكثير من العناصر بالجيش الحر لم يكونوا راضين عن تصرف قادتهم ولكن أُجْبروا على قبول التسوية لأسباب عديدة؛ من أهمها حصر السلاح والمال بيد القادة، ولم يستطيع العناصر المقاومة لعدم وجود السلاح، والأمر الآخر اتبع القادة سياسة التضليل من خلال إصدار البيانات بالمقاومة والدفاع فيما تتخذ قرارات بالتسليم ولا خيار آخر، ولذلك فإن الكثيرين ممن بقوا في مناطق المصالحات غير راضين عما حدث، ولكن أُجْبروا على ذلك، وهذا ما يعطي الأمل بأن المناخ مناسب للعمل ضد العصابة، وهذ ما حدث بالفعل وهو تنفيذ العديد من العمليات ضد العصابة وأعتقد أن هذا سيكبر ويتمدد للعديد من المناطق".

ويستدل "الأسعد" بما حدث الفترة الماضية في جبال الساحل حيث انشقت مجموعة مؤلفة تقريباً من 20 عنصراً من العناصر الذين قَدِموا مع "الفيلق الخامس"، حيث قَتلوا عدداً من عناصر وضباط النظام وانشقوا باتجاه المنطقة المحررة، وهذا ما يعطي انطباعاً بأن الثورة لم تنته بخسارة منطقة بل على العكس ستنطلق من جديد ولكن بوسائل جديدة. بحسب ما يرى مؤسس الجيش الحر.

وبينما يعتقد الكثيرون أن فصائل التسويات سيكونون الذراع اليمنى للأسد في محاربة بقية المناطق المحررة يقول "الأسعد" في رد على سؤال حول مستقبل فصائل التسوية بالجنوب، إنهم أمام طريقين "قسم أصبح جزء من العصابة لأنه بالأساس هو عميل ومدسوس في صفوف الثورة، والقسم الثاني أعتقد لم يقبل أن يكون جزءاً من العصابة وسيكون له دور كبير في المستقبل تجاه أهله وقضيته، وهؤلاء هم القسم الأكبر، ويجب على الحاضنة الشعبية أن تحميهم بكل ما يمكن وتساندهم وتكون لهم عوناً".

 

انتقام و"فشة غل":

لا يجد الكثيرون من أهالي حوران طريقة للرد على النظام وقادة التسوية سوى القيام بعمليات اغتيال للرد على الخيانة التاريخية وإضاعة أهم فرصة في بقاء المنطقة محررة خارج سيطرة نظامٍ قتل وهجر من أبناء الجنوب الكثير، وألقى فوق منازلهم آلاف البراميل والغارات الجوية.

يقول الناشط "أحمد المسالمة" في حواره مع الجسر، نقلاً عن مدنيين في الجنوب "إنها -أي عمليات الاغتيال-  "بتفش الغل"، هذه العمليات تعني لنا أن الثورة مستمرة ولن تهدأ أو تتوقف، وأن هناك رجالاً مازالوا صامدين".

 

الجنوب أمام طريقين:

إذن نحن أمام رأيين، الأول يعتقد باحتمال إعادة الثورة إلى حوران ويستدل بالمجريات وحالة الغليان السائدة، والآخر يستبعد ذلك خاصة مع رحيل الثوار الأصليين إلى الشمال السوري وفقدان الزخم الشعبي لحرب النظام والتجاهل الإقليمي والدولي لمأساة السوريين المتواصلة منذ سنوات واتجاه دول عربية نحو التطبيع مع نظام الأسد، فإلى أي طريق ستتجه حوران.. محو خطيئة الخيانة أم العمل على إنهاء من يسعى لمحوها؟