الثلاثاء 2018/05/22

في دمشق..عراب المصالحات حاور “الشيطان”

أحياء دمشق الجنوبية كانت العقدة التي وقف أمامها النظام حائراً، إذ كانت الحائل دون إعلان سيطرة الأسد ومليشياته على دمشق، ولعل فشل مقاتلات المحتل الروسي ومروحيات النظام ومدفعيته في التقدم، بأحياء التضامن والحجر الأسود ومخيم اليرموك أجبر الروس على عقد اتفاقية لإخراج تنظيم الدولة الذي تصنفه روسيا والعالم على قائمة الإرهاب، وتدخّلت -حسب زعمها- في القضية السورية من أجل القضاء عليه.

الصور الواردة من داخل الأحياء الجنوبية للعاصمة دمشق شاهد على ما تعرضت له هذه الأحياء من قصف هستيري لم يكن إلا عقوبة للثوار سابقاً قبل أن يلمع نجم تنظيم الدولة في هذه الأحياء، أولئك الثوار الذين تمكّنت قوات النظام بدعم ووساطة روسية أيضاً من تهجيرهم.. الأمر الذي شكّل نقطة فارقة في معارك دمشق وريفها، إذ إن النظام لم يسجّل أي نصر فيها ولم يتمكن من الدخول إلى أحيائها رغم عتوِّ آلته العسكرية والمليشيات الطائفية التي تدعمه في حربه على الثوار.

حال أحياء الغوطة الشرقية لم يكن بأفضل من أحياء العاصمة الجنوبية، بل زاد عليها مجازر نظام الأسد بالسلاح الكيماوي بحق أهلها، ورغم تلك الهمجية لم يستطع الأسد دخولها فاتحاً بل تسلل متستراً بعربات تابعة للأمم المتحدة، وأما عناصره فدخلوها بعد اتفاق تهجير نحو نصف مليون نسمة منها باتجاه الشمال السوري، فلا يفرحنَّ الأسد وزبانيته بنصر بُنِيَ على أشلاء من ماتوا خنقاً بكيماوي النظام تحت مرأى العالم ومسمعه.

وبالعودة إلى عراب المصالحات الروسي الذي مدّ يده لتنظيم الدولة الذي يصنفه العالم إرهابياً ، فما هو مبرر أو مسوّغ أن تعقد اتفاقية تحمي من خلالها من جئت زاعماً قتاله، وتخرجه في باصات لم تكن خضراً هذه المرة فالخصم مختلف، ويجب ترفيهه، فقد قاتل التنظيم الثوار قبل قتاله النظام، وإصداراته التي سخر فيها من ركوب الثوار في الباصات الخضراء خير دليل على ما أسداه التنظيم من خدمات للنظام وروسيا، فبنادق عناصره لم تكن موجهةً ضد الأسد بقدر ما كانت موجهة ضدّ الثوار وهيئة تحرير الشام قبل تهجيرهم، وما إن فرغت هذه الأحياء  منهم حتى تمّ توقيع اتفاقية خرج بموجبها أتباع البغدادي من مخيم اليرموك والحجر الأسود والتضامن، وذهب البعض إلى القول إن التنظيم أدّى مهمته وحان وقت رحيله إلى منطقة ينفذ فيها مهمة جديدة لا يعلم بها سوى من يستطيع الجلوس معه على طاولة مفاوضات بعيداً عن عدسات الإعلام التي تصور فقط حربه المقدسة على الثوار في سوريا.

حماية التنظيم أثناء خروجه لم تكن سابقة للروس ونظام الأسد، فقد سبقتهم إليها في الرقة، المليشيات الكردية الانفصالية بمباركة أمريكية رغم نفيها، ولعلّ المتفاوضين مع التنظيم لإخراجه من هذه المنطقة أو تلك هم وحدهم من يستطيعون تحديد الزمان والمكان الذي يفنى به تنظيم الدولة أو يلمع نجمه، ولعلّ ما يجري في ريف دير الزور الشرقي خير دليل على صحة هذه الفرضية فالنظام ومليشياته والاحتلال الروسي يدفعون بعناصر التنظيم إلى شرق الفرات لقتال أمريكا والمليشيات الكردية، وبالتزامن مع ذلك يدفع التحالف و"قسد"  عناصر التنظيم للتوجه إلى منطقة الشامية التي يسيطر عليها النظام لإثبات فشل الروس في القضاء على التنظيم.

بيانات النصر سيكتبها الجميع فالأسد سيقول حررنا دمشق، والروس سيقولون هزمنا تنظيم الدولة، والتنظيم سيضيف فتوى تخرج عناصره أنهم أبطال لأنهم ركبوا باصات مكيفة، ليست خضراء كالتي ركبها الثوار.

المدنيون.. وهم الحلقة الأضعف والخاسر الأكبر في حرب ظاهرها ضد الإرهاب، وباطنها القضاء على ثورة شعب أراد الحرية والكرامة، المدنيون وحدهم سيبكون ويجرون أذيال هزيمة فرضها عليهم الخونة من أبناء جلدتهم بالتواطؤ مع الروس وغير الروس.