الأربعاء 2016/09/14

في داريا: ضحك السيد الرئيس فضحكت الدولة .. والجمهور وحتى الذبابة

استمتعت برحلة بشار الأسد إلى أطراف داريا، منذ نزوله من سيارة "السوبارو"، وحتى عودته بها قاطعا 500 متر من الرعب إلى مطار المزة العسكري.

نعم استمتعت، لا تستغربوا، فمثل هذا الظهور يلزمنا لكي نعرف حجم هذا الشخص، وحجم العصابة التي تلتف حوله، إذ يزور أطراف مدينة لا بشر فيها، ليؤدي صلاة العيد ومعه بعثيّ ورجل أمن وتاجر مسيحي ويوضاس سني.

بعد صلاة داخل مسجد صغير، بحضور حفنة نصفهم أقاربه من حراسات القصر الجمهوري، والنصف الآخر أبناء الفرقة الرابعة والمخابرات من المفتي حسون إلى بشر اليازجي إلى الوزير الأول خميس إلى مسؤول الحزب هلال إلى الكاميرات التلفزيونية وكوادرها الذين فاقوا عدد المشاركين من "أركان الدولة بكاملها" كما وصف مذيع تلفزيون النظام في مقابلة العشر دقائق مع بشار، وهو المذيع ذاته المكلف بتنبيه رئيسه إلى "برتوكول" ياقة القميص المستنفرة.

لم يكن بشار مرتبكاً بالمطلق، وأنا متأكد من ذلك، فهو نفس الشخص، بذات الإمكانات العقلية، وذات الفوضى البدنية منذ زيارته الأولى لمصر بعدما ورث السلطة عام 2000، وأذكر أن من الطرف التي تداولها الناس هي أنه استطاع ألا يسقط "الميكروفون" وهو يتحدث في مؤتمر صحفي سوى ثلاث مرات، وكان يلوح بيديه حتى أن البعض ظنّ أن الرجل يروج لساعة "البونجا" التي يضعها على يده، ويهزها بشكل دائري مع المعصم بين جملة وأخرى.

يا بشار الأسد.. هكذا حاف .. سألك المذيع عن الرسائل التي توجهها، فقلت إنك توجه رسائل خارجية، ثم وجهت رسائل خارجية وداخلية و"ب . ب" أيضاً، ولكن لم يفهم أحد معنى أنك جئت كما ذكرت لتقول "الله أكبر"، كيف فعلت هذا على جثة مدينة كانت تضم 400 ألف مدني هجّرتهم، ثم بقيت تحاول إسقاط 700 مقاتل من الثوار قارعو جبروتك وجبروت جيشك وميليشياتك الرديفة خمس سنوات، وما خرجوا إلا لقلة الذخيرة، ورفعوا شارات النصر وهم على متن حافلات اخترقت وسط دمشق.

سرني كثيراً، وضحكت حتى "طقت خواصري" عندما ضحكتَ مرّتين كالأبله، ثم ضحكت الحفنة التي معك مثل قطيع خلف "مرياع"، لم يكن ثمة ما يثير الضحك، لكن ضحكتك تستحق أن نضحك لها جميعاً، حتى الذبابة التي وقفت على أنفك وأظنها آخر من تبقى من الكائنات في داريا ضحكت، إلا أشجار النخيل التي ظهرت مقتولة تستند على البنايات والجدران المهشمة، لا أدري لماذا كانت حزينة وموجوعة، ربما لأنك لا تنتمي لفصيلة النخيل مثلنا نحن العرب.

كم أودُّ لو أخاطبك بلباقة مثل أي رئيس، أو حتى رئيس بلدية، أو مجلس قرية، لكنك لم تدع مجالاً لهذا، وأنا شخصياً لا أخفي عليك، فأنا "ثائر مأجور" .. مازلت أحصل على ثمن انتمائي إلى "الثورة المأجورة" ـ كما ذكرت ـ بالابتعاد 12 عيداً عن أهلي، وبحقيبتي التي لم تنزل من يدي، وقلمي الذي يرتجف كلما كتبت كلمة ثورة، وقبل هذا وذاك بأبناء وطني وأبناء قريتي وأبناء عمومتي الذين أشيعهم كل لحظة حزناً وألماً.. أنا أتلقى أجري أيضاً من جرعة حرية الرأي والكلمة وأنا أنتقدك كما أنتقد وجهك الأسود المتمثل بالجماعات الإرهابية، وحتى عندما أنتقد المعارضة السياسية وصولاً إلى أخطاء ثوار الجيش الحر.

هل تصدق يا بشار أن كل أصدقائي الذين أعرفهم، وحتى معارفي هم مثلي، لا يريدون العودة إلى "حضن الوطن" وأنت فيه، لا أدري لماذا نفعل هذا نحن الخونة، ونصر على إسقاطك بدل المشاركة في عرس كعرس "داريا" لكي نضحك خلفك مع الرفاق وضباط الحرس والمخابرات والذبابة التي لا تعرفها وتعرفك.